شتاء قارس لأوروبا هذا العام وتدفئة باهظة الثمن نتيجة تعنت أوكراني
د. أيمن أبو الشعر
- اتفاقية ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا تنتهي نهاية العام وزيلينسكي يصر على عدم التمديد فيبدو وكأنه يعاقب أوروبا بذلك.
قفزت أسعار الغاز فجأة في أوروبا وبدأت تعتري السوق هزات مقلقة، والمفاجأة هنا لا تعني الاستغراب وعدم التوقع، بل كون الانعكاس جاء سريعا، رغم أنها متوقعة، فقد أحدثت توقعات الرئيس بوتن بعدم تمديد اتفاقية ترانزيت الغاز الروسي نحو أوروبا عبر الأراضي الأوكرانية رد فعل مباشر على أسعار الغاز في السوق الأوربية حيث أشار إلى صعوبة تنفيذ أية اتفاقية جديدة لنقل الغاز الطبيعي الروسي عبر الأراضي الأوكرانية ذاك أن الاتفاقية طويلة الأجل سينتهي مفعولها نهاية الشهر الحالي، وأوضح الرئيس الروسي أن شركة غاز بروم الروسية الكبرى المسؤولة عن انتاج وتصدير الغاز الروسي تواجه تحديات حقيقية بشأن العقود طويلة الأجل التي يصعب إجراء تعديلات سريعة عليها، وبالتالي بات واضحا أن انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا سيؤثر سلبا على مجمل الاقتصادات الأوربية، وقد ترافق ذلك أيضا مع انخفاض كبير في كميات المخزونات الأوربية من الغاز والشتاء في أوله، فالخزانات لا تحوي سوى قرابة 75% على أبواب الشتاء، وتتوقع وكالة بلومبيرغ الأمريكية أن تستمر حالة عدم الاستقرار في السوق الأمر الذي سرعان ما انعكس بشكل سريع على الأسعار حيث قفزت العقود المستقبلية المعيارية بنسبة خمسة بالمئة وفق معطيات يوم الجمعة الفائت ، هذا ناهيك عن أن روسيا حتى لو حاولت التعويض عن طريق الضخ عبر الخط التركي فإن ذلك لن يغطي الكمية التي كانت تصل أوروبا عبر الخط المار من الأراضي الأوكرانية رغم أن الكمية ضئيلة نسبيا، ناهيك عن قرار معيق آخر اتخذه الاتحاد الأوروبي بمنع السفن الروسية باستخدام الموانئ الأوربية لنقل شحناتها إلى سفن أخرى والذي سيُنفذ بدءا من مارس آذار القادم، يضاف إلى كل ذلك موقف الرئيس الأوكراني الذي يرفض بشدة تمديد الاتفاقية منطلقا من تصور مفاده أن عليه أن يعمل كل ما بوسعه لكيلا تحصل روسيا على أموال تدعم خزينتها، وبالتالي يدعم قدراتها الحربية والتي تنعكس في معارك الميدان، لكنه بذلك في الواقع يبدو وكأنه يعاقب أوروبا التي وقفت إلى جانبه في هذا النزاع، بل وتدهور اقتصادها نتيجة دعمه طيلة هذه الفترة.
يجيء ذلك متزامنا مع تصاعد التضخم عموما في روسيا إلى أرقام غير مسبوقة حيث قارب العشرة بالمئة، ما دفع البنك المركزي إلى التدخل وتبني تشديد السياسة النقدية من خلال رفع نسبة الفائدة التي تم رفعها إلى 21% ومن ثم تمَّ الحفاظ على هذه النسبة أواخر العام الجاري حيث تم اعتماد واحد وعشرين بالمئة مجددا، وحسب نابولينا رئيسة البنك المركزي الروسي فإن رفع سعر الفائدة أعطى ثماره الإيجابية، ولولاه لوصل التضخم إلى ثلاثين بالمئة، وأكدت نابولينا أن القطاع المصرفي الروسي بات في حالة استقرار مطمئنة.
كل هذه البلبلة تأتي واقعيا على خلفية استمرار الحرب في أوكرانيا، وتطلع القوى المؤيدة والمناوئة للطرفين إلى ضرورة إنهاء حالة الحرب هذه والتوصل إلى سلام مستدام، ما يدفع إلى تمحيص كل شاردة وواردة تصدر بالدرجة الرئيسية عن موسكو أو واشنطن بهذا الخصوص، حيث أعلن وزير الخارجية الروسية لافروف أن موسكو لم تتلق حتى الآن أية إشارات رسمية من واشنطن بشأن تسوية النزاع في أوكرانيا، منوها بأن المسيطر والمحرك للبيت الأبيض لا يزال الرئيس بايدن الذي لم يسلم بعد مهماته لخلفه، وأشار لافروف إلى أن روسيا ليست راضية عن المقترحات التي قدمها ممثلو فريق الرئيس المنتخب ترامب بشأن تأجيل عضوية أوكرانيا في الناتو لمدة عشرين عاما، بمعنى أن هذا الانتماء سيبقى مفتوحا امام أوكرانيا في حين أن الحرب قامت لمنع ذلك، وكذلك أن يتم استدعاء قوات بريطانية وأوربية إلى أوكرانيا لتعمل هناك كقوات حفظ سلام، ولابد أن نشير هنا إلى أن كييف تصر على هذا الانضمام لأنها ترى في انضمامها إلى الناتو ضمانا واقعيا لأمنها المستقبلي حيث يمكن تفعيل المادة الخامسة حول الدفاع المشترك في حال تعرض أي عضو لاعتداء خارجي، وهذا ما ترفضه موسكو منوهة بأنها لن تسمح بوجود قوات الناتو على حدودها المباشرة مع أوكرانيا بأي حال من الأحوال.