صحافة وآراء

سبعة أيام هزت الشرق ولعلعت أصداؤها في الغرب

د. أيمن أبو الشعر

بوتن الكاسب الأكبر في أسبوع التألق الشرق أوسطي عبر نشاطاته الإقليمية الدولية الثلاثة.

بمساهمة مباشرة من الرئيس الروسي تم إنجاز ثلاث فعاليات بالغة الأهمية في الشرق الأقصى، يمكن أن تكون بمثابة ثلاث رافعات ضخمة نقلت أطر التعاون مع روسيا، -وبشكل عام بين الدول الحليفة والصديقة لروسيا- إلى مستوى جديد نوعي همّش كثيرا من حصار وعقوبات الغرب على موسكو، وكان بديهيا أن يترك بصماته على هذا الأسبوع الأول من سبتمبر.

ختام بهي متفائل
بدأ هذا الأسبوع منذ 31 أغسطس- آب الفائت بقمة شانغهاي، ثم أخذ مداه في احتفالات بكين بالنصر على اليابان وانتهاء الحرب العالمية الثانية، وأخيرا توجت هذه النشاطات ذات الطابع الإقليمي الدولي بمنتدى الشرق الاقتصادي الذي استمرت فعالياته ثلاثة أيام في مدينة فلادي فوستوك أقصى الشرق الروسي تحت شعار “الشرق الأقصى التعاون في سبيل السلام والازدهار” بتوقيع أكثر من 350 اتفاقية متنوعة بمبلغ إجمالي وصل إلى ستة وسبعين مليار دولار، وحضر المنتدى هذا العام أكثر من ثمانية آلاف وأربعمئة مساهم من رؤساء وممثلي الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال وممثلين عن الإعلام من خمس وسبعين دولة وإقليما، وكان لوفود الصين والهند واليابان ومنغوليا حضورا كبيرا، ونشطت العديد من الفعاليات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتشاورية والموائد المستديرة وحتى الرياضية.

وبرزت في المقام الأول الاتفاقيات الضخمة في إطار عملية تُهمِّش أيضا الحصار الغربي والعقوبات ضد موسكو التي أثبتت بهذه الحصيلة الهائلة من الاتفاقيات الاقتصادية أن العقوبات والحصار لم يؤثرا تأثيرا يذكر، خاصة مع تزايد الراغبين بالتعاون معها، وخاصة في مجال الطاقة، فقد وقَّعت شركة غاز بروم الروسية العملاقة اتفاقية مع كازاخستان لزيادة جدية بضخ إمدادات الغاز الروسي، كما تم توقيع اتفاقية مع شركة البترول الصينية لزيادة إمدادات الغاز عبر الخط الرئيسي لأنابيب “قوة سيبيريا” إضافة إلى رفد الشبكة بإنشاء أنبوب جديد سيمر عبر منغوليا باسم “اتحاد الشرق” ما يعني زيادة الضخ بمليارات الأمتار المكعبة، وحسب ميللر رئيس شركة غاز بروم التنفيذي فإن هذه الاتفاقية تمتد لمدة ثلاثين عاما ، وهي عموما تعزز التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة بين روسيا والصين وأشار إمعانا في التأكيد على تجاوز العقوبات أن تسديد قيمة الغاز الروسي إلى الصين سيتم بالعملتين الروسية والصينية، هذا ناهيك عن أن الرئيس الروسي نفسه أكد أن أسعار الغاز في هذا المشروع سيحسب وفق مقاييس السوق، ما يؤكد بشكل غير مباشر أن مصادر الطاقة التي تخلت عنها أوروبا حولتها روسيا واقعيا إلى الصين والهند وكازاخستان، ولم تكسد في المخازن الروسية، هذا ناهيك عن تطوير وتوسيع شبكة المواصلات والسكك الحديدية لزيادة طاقتها الاستيعابية حتى عام ألفين واثنين وثلاثين بضعف ونصف عما هي عليه حاليا.

استعراض نوعي صم آذان الغرب
لم يكن صدفة أن يكون الاحتفال الصيني بالذكرى الثمانين للانتصار على اليابان واختتام الحرب العالمية الثانية بهذه الضخامة، فقد قصد الرئيس الصيني أن تكون بمثابة رسائل للغرب عموما وللولايات المتحدة خصوصا، ويلفت النظر في هذا الاستعراض الذي حضره عدد كبير من الرؤساء وكبار المسؤولين في عشرات الدول أنه قدم لأول مرة جبروت القوة النووية الصينية الضاربة، وذلك في الثالوث البري والبحري والجوي إضافة إلى أنواع عديدة من الأسلحة المتطورة، وخاصة الطائرات المقاتلة القاذفة من الجيل الخامس، كما لفت الأنظار اهتمام الرئيس الصيني شي جين بينغ بالرئيسين الروسي بوتن والكوري الشمالي كيم جونغ أون وسيرهما معا في مقدمة الركب على السجادة الحمراء ما استنفر الرئيس الأمريكي ترامب الذي لم يستطع كتم غيظه، وأرسل للرئيس الصيني مهنئا بعبارة باتت الأشهر خلال هذه الفترة في وسائل الإعلام بقوله أن الرؤساء الثلاثة يتآمرون على الولايات المتحدة، وشدد على تذكير الرئيس الصيني بما قدمته الولايات المتحدة لدعم الصين وجعلها تنتصر على اليابان، وهو عمليا يقصد القنبلتين الذريتين اللتين أجبرتا اليابان على الاستسلام، ومع ذلك تقبَّل الرئيس الروسي ذلك باعتباره دعابة، ونوه بأن ترامب يحب المرح ولهذا تصدر عنه أحيانا مثل هذه التعابير.

قمة مليئة بالقمم
الحدث الثالث الذي أعطى هذا الأسبوع المشرقي زخمه وانطلاقته المميزة هو قمة شانغهاي التي كانت الرافعة الأولى، حيث شهدت حضورا مكثفا من أعضاء منظمة شنغهاي وغيرهم، فقد تطورت تطورا كبيرا خلال ثلاثين عاما من تأسيسها كتجمع خماسي في البداية عام 1996 ، أما اليوم فقد باتت قوة اقتصادية جبارة تضم بلدانها واقعيا أكثر من ربع البشرية وتقارب اقتصاداتها مبلغ 30 مليار دولار، والمثير في هذه القمة أنها أتاحت الفرصة لعقد لقاءات عديدة بالغة الأهمية بين زعماء الدول، وخاصة أنها ساهمت في تحسين الأجواء بين الصين والهند، ووسعت احتمالات تحقيق تحالف جدي بين ثالوث سعت أمريكا كثيرا لتدمير تعاونه ووضع العصي بين عجلات التقارب بين دوله، لهذا يلفت النظر أن ملامح احتمال تشكل تحالف من هذا الثالوث أصبحت واضحة للعيان “روسيا الصين والهند”.

بوتن لم ينس إرسال رسائل بالغة الأهمية
كان واضحا أن الرئيس بوتن كسياسي محنك لا يترك مثل هذه المناسبات دون أن يضع بصماته الخاصة، فهناك تشرئب أعناق كبريات وسائل الإعلام لالتقاط أية تصريحات نوعية باعتبارها سبقا صحفيا، ولهذا أدلى بعدة تصريحات نوعية بالغة الأهمية خلال هذه الأنشطة الإقليمية الدولية الثلاثة، لعل من أهمها إلى جانب التأكيد على إنجاح التعددية القطبية كانت بالطبع حول أوكرانيا حيث أكد:
– أن الأزمة في أوكرانيا لم تنشأ بسبب العملية العسكرية الروسية التي كانت في الواقع نتيجة للسبب الرئيسي، وهو وقوع انقلاب على السلطة الشرعية في أوكرانيا بمساعدة الغرب ومحاولة ضمها للناتو
– إعلانه في ختام زيارته للصين أنه مستعد لمحاورة الرئيس الأوكراني زيلينسكي ودعوته له لزيارة موسكو مع ضمان امنه بشكل كامل، وهو ما يضع الرئيس الأوكراني في مأزق كونه سيرفض حتما- كما فعل- وأشار بوتن في غضون ذلك إلى جهود الولايات المتحدة التي وصفها بالصادقة لحل النزاع في أوكرانيا
– تأكيده على أن هذه الأزمة إن لم تحل سلميا ودبلوماسيا فروسيا قادرة وستعمل على حلها بقوة السلاح.
– وأخيرا رده الضمني على ما أعلنه الرئيس الفرنسي ماكرون من أن ستة وعشرين دولة معظمها أوربية أعربت خلال اجتماع تحالف الراغبين بمساعدة أوكرانيا عن استعدادها لنشر قواتها في الأراضي الأوكرانية برا وجوا وبحرا كضمانات أمنية وقد أعلن الرئيس بوتن في الجلسة العامة لمنتدى الشرق الاقتصادي أن روسيا ستعتبر أي قوات أجنبية تدخل إلى الأراضي الأوكرانية هدفا مشروعا، وأوضح أن ليس هناك أية ضرورة لوجود عسكريين أجانب في أوكرانيا إن تم التوصل إلى اتفاق سلام بين البلدين مشددا على ضرورة أن توجه الضمانات الأمنية لروسيا وأوكرانيا على حد سواء.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى