في مثل هذا الوقت سقط مليون قتيل في بغداد!
في مثل هذا الوقت من عام 1258 مر العالم الإسلامي بواحدة من أشد المحن قسوة بسقوط بغداد تحت وطاة المغول بقيادة هولاكو خان، حفيد جنكيز خان. غرقت المدينة في الدم وانطفأ وميضها لقرون.
عدد الضحايا يكشف حجم الكارثة، وقد أدى الغزو المغولي لبغداد عاصمة الدولة العباسية في ذلك الزمن البعيد قبل سبعة قرون من صنع أسلحة الدمار الشامل، إلى مذابح رهيبة قتل خلالها مليون شخص من بين سكان يقدر عددهم بأكثر من 3 ملايين نسمة. قتل المغول من دون رحمة الرجال والنساء وكبار السن والأطفال بأحجار المنجنيقات والمقالع وبالسيوف والفؤوس والسهام.
دمرت وأحرقت مكتبات بغداد عاصمة الحضارة حينها في سائر الكوكب، بما في ذلك أشهرها بيت الحكمة، وألقيت أعداد كبيرة من الكتب والمخطوطات القيمة والنادرة في مياه دجلة والفرات، واستحال لون الماء إلى الأحمر والأسود من الدم والحبر.
بعد أن استبيحت المدينة ونهبت، دمرت المساجد والصروح وأتت عليها النيران، فانتشرت رائحة الموت والسخام وتحولت بغداد إلى أكوام من الأنقاض لعدة قرون. علاوة على ذلك دمر المغول نظام الري بالكامل تقريبا، ما أدى إلى تدهور الزراعة في جميع أنحاء المنطقة.
معركة بغداد مع جيوش المغول وكانت تقدر بمئة ألف مقاتل، انتهت في 10 فبراير 1258، وتمكن جيش هولاكو من القضاء على واحدة من أكبر وأزهى المدن في العالم في ذلك الوقت.
الدولة العباسية في القرن الثالث عشر تحت حكم الخليفة المستعصم بالله كانت تمر بمرحلة شديدة من الضعف، زاد منها الخليفة في تلك الفترة بتقليص أعداد الجند في محاولة لإرضاء المغول واتقاء شرهم، كما أنه أهمل تقوية اسوار المدينة وتحصيناتها.
قبل ذلك التاريخ، هدد المغول تحت قيادة “بايجو نويان”، بشكل خطير أراضي الخلافة العباسية وقاموا بغزوها ثلاث مرات في أعوام 1238 و1242 و1246، إلا لأنهم لم يدخلوا بغداد.
وصل جيش هولاكو إلى بغداد بأمر من شقيقه مونكو خان المغول الأعظم، وبعد أن اجتاح إيران ودمر قلاع الإسماعيليين بما في ذلك قلعتهم الشهيرة “ألموت” في عام 1256، بلغ عاصمة الدولة العباسية. تمهل في البداية وطلب من الخليفة الاستسلام لكنه رفض.
تمكن الجيش العباسي الصغير الذي يقدر بنحو 30 ألف جندي في البداية من اختراق حصار المغول، إلا أن وقع بعد ذلك في خدعة ماكرة مفضلة للمغول. تراجعوا متعمدين واستدرجوا المدافعين عن بغداد إلى سهل منخفض، ثم هدموا السد، وأغرقت المياه قسما من جيش الخلافة.
بعد ذلك، حاصر هولاكو بغداد من دون عوائق في 29 يناير عام 1258، وعزل المدينة عن العالم الخارجي بواسطة خندق عريض مملوء بالماء إضافة إلى حاجز خشبي. بالتوازي مع الحصار، نصبت المنجنيقات والمقالع، وبدأ قصف مكثف للأسوار والتحصينات.
بعد أسبوع واحد فقط، تمكن المغول من تدمير تحصينات المدينة وبدأوا هجوما كاسحا. أسقط في يد المستعصم بالله وحاول التفاوض مجددا المفاوضات، لكن الأوان كان قد فات. لم يكن أمام المدافعين عن المدينة أي مخرج، إلا الاستسلام أوائل فبراير 1258.
سمح هولاكو لمقاتليه باستباحة ونهب بغداد لمدة أسبوع، وتحولت شوارع المدينة إلى الأحمر القاني من الدماء، وجلل السواد الأجواء بسخام الحرائق.
سقطت بغداد إلا أن المستعصم بالله، آخر الخلفاء العباسيين لم يمس بأذى في البداية، لسببين، الأول يتمثل في اعتقاد المغول أن دم الحاكم يمكن أن يغضب آلهتهم الوثنية القاسية، والثاني لرغبتهم في معرفة مخابئ الكنوز.
الخليفة العباسي كشف للمغول صاغرا عن مخبأ الكنوز، ويذكر المؤرخ رشيد الدين الهمذاني ” 1247 – 1318″ أن المغول عثروا داخل قصر الخلافة على بئر سرية مليئة تماما بقضبان الذهب، علاوة على أشياء ثمينة كثيرة عثر عليها في العديد من الأضرحة والمساجد التي أمر هولاكو بحرقها بعد ذلك.
في يوم 20 فبراير عام 1258، قتل الخليفة العباسي بعد أن أصبح عديم الفائدة. إحدى الروايات تقول إن المغول سجنوه في خزانة ملكية مات فيها جوعا وعطشا، وفي رواية أخرى أنه لف في بساط وألقي به تحت حوافر الخيول، وبذلك لم ينسكب الدم الملكي، ونجا المغول، حسب معتقداتهم، من غضب أربابهم.
المغول لم يكتفوا بقتل الخليفة العباسي الأخير فحسب، بل وقتلوا ابنه الأكبر ومعظم أفراد اسرته، واستثنوا من هذا المصير المأساوي ابنه الأصغر، ليس رأفة به، بل كي يتسنى لابن الخان الصغير أن يلعب معه!
المصدر: RT