صحافة وآراء

غزة لن تهزم وطوفان الأقصى هي بداية الانتصار الفلسطيني الكبير.. ما هي الحقائق التي يجب أن تقوي معنوياتنا؟ بقلم: د. سعد ناجي جواد

مع استمرار المعارك الطاحنة في كل غزة وازدياد اعداد الشهداء من المدنيين الأبرياء، وبأساليب مختلفة تبدا بالقصف الوحشي واللاإنساني، وصولا الى تجويع السكان وحرمان الجرحى من الأدوية وكل مستلزمات التطبيب الضرورية وهدم الأحياء السكنية، كل هذه الجرائم جعلت المخاوف ومظاهر الياس تتسرب الى العقول الحساسة والنفوس الطيبة المحبة لفلسطين وللامة العربية. وهذه الحالة طبيعية في ظل ما يحاول الإعلام الذي تسيطر عليه ماكنة الدعاية الصهيونية فبركته، لكي تصور لنا ان ما يجري هو انتصارات لجيش الاحتلال، وان المقاومة قد تراجعت وأصبحت غير قادرة على الصمود، وان قادتها اصبحوا على وشك الوقوع في الأسر او في طريقهم الى الاستشهاد، وغير ذلك من الامور المحبطة. والأخطر في هذه الحرب الإعلامية والنفسية هو إشعار المقاومة، والشعب العربي الحريص عليها، انه لن تتجرأ حكومة عربية واحدة على الوقوف الى جانبها او مد يد العون لها، وكذلك محاولة تضخيم الأخبار التي تقول ان هناك أنظمة عربية تحرص على دعم الاحتلال بكل الوسائل، وغير ذلك من الامور المحبطة. ويجب الاعتراف وبألم ان جزءا غير قليل من هذه الأخبار صحيح، ولكن ذلك يجب ان لا يمنعنا، او يبعدنا عن التفكير الصحيح وفي الامور الإيجابية التي تبشر بخير ان شاء الله. فأولا ورغم كل ما يقال فان المقاومة ما تزال صامدة وقادرة على الاشتباك مع العدو وتكبيده خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، وهذا باعتراف قادة جيش الاحتلال نفسه، وان الوقائع اثبتت ان المقاومة خططت لكل العملية بدقة وبحسابات ذكية، اعترفت بها اسرائيل قبل غيرها، وانها حسبت وتحسبت لكل شيء. ثانيا ان اسرائيل وكل قادتها، وخاصة العسكريين، صرحوا للعالم في البداية بان القضاء على حماس سوف لن يستغرق اكثر من أربعة او خمسة أسابيع، وها نحن ندخل في الشهر الخامس ولا يوجد في الأفق ما يدلل على انهزام المقاومة او تراجع ادائها. ثالثا ان كل التقديرات الاسرائيلية والغربية قالت ان تعداد المقاومة في غزة يتراوح بين ثلاثين الى أربعين الف مقاتل، وبحسب الأرقام الاسرائيلية، والتي لا يوحد دليل عليها، فان عدد من ادعى جيش الاحتلال قتلهم من المقاومة لم يتجاوز في اعلى التقديرات العشرة الاف شهيد، (واكرر ان الحقائق على الارض تكذب هذا الادعاء)، وهذا يعني انه ما يزال هناك اعدادا كبيرة اخرى من المقاومين. ويكفي ان نتذكر كيف كان مظهر شباب المقاومة بعد القتال العنيف اثناء تسليم وجبات الأسرى وكيف كانت معنوياتهم، مع التذكير بان اسرائيل لم تصل لحد الان الى العدد الاكبر من الأسرى. رابعا على الرغم من ان جيش الاحتلال قد قام فعليا وحرفيا (بحرث) مناطق غزة ، وخاصة شمالها ووسطها، وادعى انه قضى على المقاومة هناك، الا ان الأخبار مازالت تأتي عن اشتباكات ضارية بين المقاومة وقوات الاحتلال في تلك المناطق.

واكثر من ذلك ان المقاومة، وباعتراف الصحافة الاسرائيلية والمتحدثين باسم حكومة الاحتلال، بدأت تعيد تنظيم نشاطاتها هناك، وتنجح في إطلاق الصواريخ على مدن ومناطق جدار غزة من وسط وشمال القطاع. خامسا واخيرا تكاثر الاعترافات الاسرائيلية التي تقول بصعوبة تحقيق اي نصر ساحق على المقاومة حتى وان استمرت المعارك خمسة اشهر اخرى، وان حماس هي فكرة وان الفكرة لا بمكن ان يقضى عليها بحرب جيوش تقليدية، وان التكتيكات التي تستخدمها المقاومة تفاجئ قوات الاحتلال في كل يوم، وان الغالبية العظمى من ابناء غزة داعمين للمقاومة. كل هذه الحقائق يجب ان تجعلنا نتفاءل بمستقبل المقاومة لا ان نيأس او نجزع عليها.

من ناحية اخرى فان كل الدعم الذي حصلت عليه اسرائيل، وكل محاولاتها الرامية الى منع فتح جبهات جديدة ضدها، والمدعومة من الولايات المتحدة الامريكية والدول الغربية، وخاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، قد فشلت، وان ساحات المعارك بدأت تتوسع ويتصاعد القتال فيها بصورة عجزت اسرائيل وكل داعميها عن مجاراتها، ويقف في مقدمة هذه الجبهات الضفة الغربية ثم المقاومة اليمنية واللبنانية والعراقية. وفي حالة اقدم نتنياهو على ارتكاب حماقة اقتحام رفح، التي تُنذر بمجازر بشرية غير مسبوقة، فان ردود الأفعال العربية والعالمية ستكون غبر مسبوقة ايضا، وستجد الاطراف الدولية والإقليمية، الداعمة لاسرائيل صعوبة كبيرة في تبرير مواقفها. علما بانه في خلال عشرة ايام (2/26) ستنتهي مهلة الشهر الذي حددته محكمة العدل الدولية لاسرائيل لتقديم ما ينفي عنها حقيقة ارتكابها جرائم إبادة بشرية، وان دولة جنوب أفريقيا لم تُظهِر اي تهاون في متابعة هذه المسالة، لا بل ان فريق الدفاع الذي شكلته بريتوريا ما زال يتابع المسالة ويضيف ادلة جديدة على جرائم الإبادة التي ترتكبها اسرائيل. صحيح ان المحكمة رفضت اول امس قبول دعوة جديدة من جنوب افريقيا ضد الممارسات الإجرامية الاسرائيلية المتزايدة، الا ان قرار الرفض جاء بتوضيح يقول ان ما اصدرته المحكمة من قرارات قبل شهر كافية لإدانة اسرائيل اذا ما فشلت في تقديم ما ينفي عنها تهمة الإبادة الجماعية، ولا يوجد ما يدلل على ان تل ابيب ستنجح في تقديم مثل ذلك في المدة المحددة. كما انه وخلال شهر من الان سيحل شهر رمضان المبارك وستجد دول العالم، وخاصة الحكومات العربية والإسلامية، نفسها في موقف لا تحسد عليه اذا ما استمرت الأوضاع المأساوية في غزة.

ختاما ان المقاومة في غزة والمناطق الاخرى، وباعتراف كل مراكز البحوث والصحف الغربية الرصينة، لم تثبت فقط انها قادرة على تحدي الغطرسة الاسرائيلية، وإنما اثبتت انها عصية على الانهزام، وان الثقة بها يحب ان تزداد رغم كل اللحظات الصعبة التي تمر بها وضراوة، بل وحشية الهجمات التي تُشَن عليها، ذلك لأنها رسخت فكرة ان جيش الاحتلال هو اضعف مما كان يوصف به، (الا اذا ما اعتبر البعض ان القتل البربري والمؤلم جدا للعدد الكبير من المدنيين والتخريب الواسع للمساكن هو نجاح يعتد به)، وان ذلك الجيش هُزِمَ امام حركة مقاومة محدودة الإمكانيات وتحارب بأسلحة مصنعة محليا، وان العقول التي فعلت ذلك ما تزال موجودة. وكل الادعاءات الاسرائيلية بتحقيق نجاحات، تبقى بدون دليل عملي، وان الانشقاقات داخل حكومة العدو وقياداته العسكرية تتزايد يوميا، والهوة بينها وبين الشارع الإسرائيلي تتفاقم بشكل كبير، حتى اصبحت المطالبة بإقالة نتنياهو ووزراءه المتطرفين مطلبا شعبيا وسياسيا ويوميا. كل هذه الحقائق هي ما يجب ان يكون مبعث الأمل في نفوسنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين. واخيراً فان مقاومة تضع الاستشهاد في مقدمة أهدافها لا يمكن ان تهزم، والأمثلة التاريخية العربية وغير العربية كثيرة على ذلك.

بِسْم الله الرحمن الرحيم

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى