تعليق سريع على خبرين: مدهشٍ ألماً، ومفرحٍ أملاً – بقلم: د. أيمن أبو الشعر
– المدهش ألما
حتى المثل الشعبي القائل ” شر البلية ما يضحك” لا ينطبق على هذا الخبر الذي يصلح عنونا لفلم سادي أو لانتصار الزومبي.
يقول الخبر أن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي ” الشاباك” أعلنا أنه تم الإفراج عن أربعين فلسطينيا معتقلا إداريا من سجن عوفر، وهذا رغم عدم انتهاء فترة اعتقالهم الإداري، والمثير أن هذا الإفراج دون مقابل… قد يتخيل البعض أن الأمر ينطلق من موقف إنساني، مثلا لكي يتسنى لهؤلاء أن يكونوا مع أهاليهم في رمضان الذي بات على الأبواب…
طبعا المحتوى هو النقيض تماما، إنه ينطلق من جعبة الحقارة التي تمثل روح إسرائيل الحقيقية، إذ أوضح بيان رسمي أن قرار إطلاق سراح المعتقلين جاء نتيجة تقييم الوضع الأمني الذي جرى بمشاركة كافة الأجهزة الأمنية، والسبب انتبهوا: “الاكتظاظ في السجون” نعم دولة الاحتلال نفسها تعترف بأن السجون كافة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد، هذا ناهيك عن أن فلسطين كلها باتت بمثابة سجن كبير سواء داخل الأرض المحتلة، أو مناطق السلطة الفلسطينية حيث يعبث الجيش الإسرائيلي كما أراد ومتى أراد.
الأمر ليس تجنيا على الجيش الإسرائيلي الذي يعترف هو نفسه أن ذلك ليس كرم أخلاق منه بل تحديدا لأن مساحة السجون لم تعد كافية ولإتاحة المجال لاعتقال آخرين يمثلون حسب تصورات “الشاباك” تهديدا أكبر لأمن إسرائيل، أي هو اعتراف بأن الشعب الفلسطيني كله يشكل خطرا على سلطات الاحتلال، ولكن بنسب متفاوتة.
وحول ذكر رمضان، ودفعا للتوهم بأن قرار الإفراج هذا جاء كرمى لرمضان، أشير إلى أن وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو طالب بحسم أن تلغي إسرائيل جميع المخاوف بشأن رمضان، بل وأن تمحو مفهوم هذا الشهر الفضيل، لكن التناقضات وتضارب المواقف داخل المجتمع الإسرائيلي تظهر أيضا تجاه الفلسطينيين، طبعا من حيث تفاوت المطالب بين التعامل بقسوة والتعامل بأقسى ما يكون، بين العنف والأعنف، حيث حذر المسؤولون الأمنيون من عواقب تنفيذ وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير فرض قيود على دخول الصلين العرب من سكان الأرض المحتلة إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، ليس احتراما للطقوس الإسلامية أو لمشاعر الفلسطينيين، بل تحديدا لكيلا يؤدي ذلك إلى اشتعال الأوضاع في القدس والمدن المختلطة، حتى أن منظمة “مبادرات إبراهيم” اليهودية بعثت برسالة إلى مفوض الشرطة الإسرائيلية العام محذرة من انفجار الأوضاع على خلفية التقييدات ضد الفلسطينيين في توقيت يشهد أكثر الأوضاع حساسية، وأعلن متان كاهانا البرلماني عن حزب معسكر الدولة أن المسجد الأقصى برميل بارود وأي تصريحات سلبية يمكن أن تشعل الأوضاع في مدينة القدس، وقد سبق أن عزف شارون على فتيل هذا البرميل ظنا منه أنه يشبه الوتر، فانفجر في انتفاضة شعبية ظلت معلما تاريخيا ودرسا من دروس الماضي.
. يترافق ذلك مع فشل مجلس الأمن الدولي بإدانة إسرائيل على مجزرة شارع الرشيد طبعا، ومن جديد بفيتو من يهوذا العصر الحديث -الأمريكي الصهيوني، الذي منع عدة مرات وقف حرب الإبادة في غزة.
-المُفرحُ أملاً
هو ما أرسله لي الصديق الدبلوماسي والمحلل السياسي “رامي الشاعر” حول حدوث تفاهم مبدأي بين الفصائل الفلسطينية في موسكو، وذلك لنبذ الخلافات واستعادة الوحدة الوطنية، وقد نشر المحتوى للأصدقاء ثم عبر وسائل الإعلام باعتباره يزف خبرا مفرحا، واعتبر “الشاعر” البيان رد فعل على الحرب الإرهابية الصهيونية الإسرائيلية الأمريكية ضد الشعب الفلسطيني، وما يتعرض له من إبادة جماعية، وهو خبر مفرح بالفعل، وقد تناقلت البيان الصادر في موسكو معظم المنابر الإعلامية.
ما هو المفرح إذن… يقول المثل الروسي “إن الآمال هي آخر ما يموت” وليس الشعب الفلسطيني وحده بل جميع الشعوب العربية، وكل القوى المحبة للسلام والعدالة تتمنى أن تنبذ الفصائل الفلسطينية الخلافات، وتتجمع لتحقق الوحدة الوطنية، إذن هي خطوات أولى ربما بتأثير الواقع المرير- وليكن- المهم النتيجة والفرح هنا مرهون بالمستقبل ومدى تحقق مضامين هذا البيان على أرض الواقع.
ونظرة سريعة تدفع الشفتين للانفراج فعلا، والشعور بالغبطة خاصة أن أول بند في هذا البيان هو التصدي للعدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية، ومن ثم تتالى المواقف المبدئية التي تبهج الروح المتوقدة والقلوب الدامية في مقاومة وإفشال محاولات التهجير، والعمل على فك الحصار البربري على قطاع غزة والضفة الغربية، بل وإجبار جيش الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة، والتمسك بالشعارات التي كادت أن تُنسى نتيجة الهجمة الشنيعة على غزة وأقصد التأكيد على حق الشعب في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، هذا ناهيك عن دعم الصمود، ومقاومة انتهاكات الاحتلال ضد حرية العبادة، ومناصرة الأسرى وحتى حماية وكالة الغوث، وهذا أمر هام حيث بدأت الدول “الثعلبية” الأوربية بالتنصل من التزاماتها تجاهها، وصولا إلى توجيه تحية إلى دولة جنوب إفريقيا على دورها المبدئي الشهم في رفع قضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، حين صمتت الدول الغربية العالقة في طين زيفها كالديدان الربيعية.
نعم خبر مفرح وسيثلج الصدر حين يتحقق على أرض الواقع، فقد طالت المعاناة، وعناق الأخوة قد يكون البلسم الشافي للجراح، أما عن البطش في السجون الإسرائيلية الذي يترافق اليوم مع توثب المقاومة، فهذا يذكرني بمقطع صغير عن فلسطين في قصيدة الحلم في الزنزانة السابعة، والتي تجسد واقع اليوم، وتؤكد من خلال النزيف في غزة أن لون الدم النازف أشرف من كل الألوان.
إنّي أزدادُ إباءً وشموخاً
إذْ يزدادُ طِعانُ الأوغادْ
فجنونُ السوطِ على الجسدِ الصامِدِ
تعبيرٌ عن خوفِ الجَلّادْ
علَّمَني بَوحُ جدارِ السجنِ
بأنَّ إرادةَ رجلٍ حُرٍّ
أقوى مِن قِفلِ السجّانْ
علَّمني قبْرُ فِدائيٍّ
أنَّ ركوعَ شهيدٍ فوقَ التربةِ
أسمى آياتِ الإيمانْ
علمَّني لونُ الجُرحِ النازفِ إنَّ الأحمرَ
أشرفُ مِن كلِّ الألوانْ
وهذا تسجيل صوتي للمقطع بصوت الشاعر من أمسية جماهيرية