الجزء السابع من مقابلة الرفيق الدكتور خضير المرشدي – الممثل الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق
حسب ما وصفوا في تقريرهم المشبوه أن هناك كارثة عصفت بحزب البعث العربي الاشتراكي وبالعمل السياسي في عراق ما بعد الاحتلال، وهي كارثة نتجت عنها أخطاء كبيرة في كثير من المفاصل في إيحاء إلى إن تقديمي على أني الممثل الرسمي للحزب، وأن الحزب ليس فيه من أحد سواي، فأنا من ينتقد الأخطاء ويقترح الحلول ويبادر في كل موقف وأنا من يلتقي ويضع الخطط ويرسم السياسات، فهم بهذه الطريقة يريدون أن يقولوا أن هذا الأمر هو أحد الأخطاء التي حصلت بسبب ما تعرض له العراق والحزب بسبب الاحتلال. أولا من الضروري أن يكون هناك من يتحدث باسم الحزب نتيجة الظروف التي فرضت أن يُكلّف أحد الرفاق بهذه المهمة والموضوع هو موضوع تكليف ولم يكن رغبة من أحد، وعندما أتحدّث عن نفسي فأنا لم أكن أعلم بعملية تكليفي بهذه المهمة التاريخية والمشرفة.
وبعد الاحتلال عندما تعرض الحزب إلى هذه الكارثة المعروفة ومثل ما تعرض العراق لعملية التدمير الممنهجة بسبب الحملة العسكرية الكبرى التي شُنت على العراق وأدت إلى غزوه واحتلاله وإسقاط نظامه الوطني ونسف مؤسساته الوطنية والقومية وتشتيت كوادره العلمية والأكاديمية والفكرية وقتل العلماء، وبلغ عدد الشهداء أكثر من مليوني شهيد بسبب الاحتلال، إضافة إلى الدمار الشامل الذي حصل وملايين من المعوقين ومن المفقودين والأطفال اليتامى والأرامل والمهجرين داخل العراق وخارجه، فلم تبقى القيادات التي يتحدثون عنها الجماعة التي تستطيع أن تتصدر العمل، لا أريد أن أخوض بهذا الجانب بقدر ما أستطيع أن أقول بأن الرفاق والمسؤولين في الدولة وخاصة الكادر الحزبي قد اختفى، قسم منهم نتيجة الاعتقال مثل الرفاق أعضاء القيادة وعدد من الوزراء ولحد الان قسم منهم في السجون وقسم منهم استشهدوا اما بالقتل او بالإعدام او نتيجة المرض وعدم نيلهم الرعاية الصحية المطلوبة، والقسم الاخر قد اختفى خوفا ووصل الحال الى انه لا يستطيع ان يمشي في الشارع حتى لا يتم اعتقاله ويمكن أن ينال ما ناله بقية الرفاق الآخرين، وعندما تم تكليفي من قبل القيادة بهذه المهمة التي أديناها على احسن ما يمكن فكانت مهمة تاريخيّة نعتز بها ونفتخر .
أما قولهم أني كنت أخطط وأنفذ وانتقد وكأنما أنا الوحيد؟ أقول عندما كلفت بهذه المهام المعروفة لدى العراقيين ومعروفة لدى العرب ومعروفة لدى رفاقنا، فهي ليس بطلب مني.. حينما كلفت بمكتب العلاقات الخارجية وكلفت في الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية وكلفت بمسؤولية الممثل الرسمي للبعث ومقاومته الوطنية.. ومن الطبيعي أن أخطط لمسؤولياتي ومن واجب المسؤول أن يضع خطة لعمله، وطبعا بالاشتراك مع رفاق آخرين. بالنسبة لمكتب العلاقات الخارجية، ناقشناها مع أعضاء المكتب، وهم رفاق مناضلين، وحتى الرفيق نائب أمين سر المكتب، وهو كان الوكيل الأقدم في وزارة الخارجية، قال أن الخطة التي وضعتها نحن في زمن وزارة الخارجية في قبل الاحتلال لم نضع مثلها.. فكيف سنطبقها، قلت يا رفيق إذا طبقنا منها 10% فنعتبر ناجحين والحمد لله استطعنا أن ننفذ منها نسبة كبيرة من ما وضعنا من مفردات وهكذا بالنسبة للجبهة الوطنية وضعنا لها خطة وبرنامج سياسي بالتداول مع عدد من الأخوة والزملاء من الشخصيات الوطنية وأخص بالذكر منهم الدكتور فاضل الربيعي ممثل الحزب الشيوعي والدكتور خالد المعيني وجلسنا جلسات طويلة لإعداد برنامج الجبهة إلى أن انعقد مؤتمرها. وكذلك مهمة الممثل الرسمي قد وضعت لها خطة عمل.. ولدي فريق عمل يهيئ التقارير وبعض الأخبار والأحداث وهم عدد من الإعلاميين والزملاء المميزين، وهكذا.
أما موضوع الانتقاد للحزب فهو بناء على تقرير كتبته من وجهة نظري ومن حقي أن انتقد كأي مواطن عربي من حقه أن ينتقد، خاصة أن حزب البعث هو حزب الأمة وعندما يكون حزب البعث حزب الأمة وفق تعريفه وفق دستوره ووفق فلسفة تأسيسه، انا اعتقد من حق أي مواطن أن ينتقد الحزب وينتقد مسيرته، بشرط أن يكون النقد بناء، لكن بنفس الوقت هناك ناس انتقدوا الحزب نقد سلبي. لذا فاني أرى أن هذه ظاهرة صحية.
أما بخصوص التساؤل الذي جاء في التقرير أن خضير المرشدي هو من يقرر وهو من ينفذ وهذا موقف غير صحيح تاريخيا ولا ينسجم مع الواقع والأحداث فحزب بحجم حزب البعث العربي الاشتراكي قاد العراق لنحو 35 عام وضم عشرات الآلاف من النخب والكفاءات في كل المجالات لا يمكن أن ينحصر عمله ونشاطه بشخص واحد فقط.. نعم هو لم ينحصر بشخص واحد، وإنما أنا تحدثت عن حدود مسؤولياتي فإذا كان المقصود حديثي في الذاكرة السياسية في قناة العربية فاني تحدثت بما رأيت وبما سمعت وبما نقل لي من مصدر القرار.
أما الحزب من المؤكد عنده مؤسسات ومفاصل عمل وتنظيمات في العراق وإلا من الذي قاد هذه المقاومة في العراق.. غير الرفاق المناضلين العسكريين والمدنيين، هم الذين قادوا مقاومة مشرفة. ولذلك أنا كان لي الشرف أنه أنطق باسم هذه الحالة النضالية والجهادية وفق التكليف الذي أشرت له قبل قليل. فأنا لم أكن الوحيد بدون شك، ولم أدّعِ يوما لنفسي موقف تاريخي غير صحيح، وبكل تواضع واخلاص قد عبرنا عن هذا الدور المشرف ولا توجد حالة مبالغ فيها حول دورنا وما قمنا فيه من واجبات نضالية وجهادية.
لا بد أن اذكر أنه أنا والرفيق عبد الرزاق الدليمي منذ الأيام الأولى للاحتلال بدأنا نعيد نشاطنا واتصلنا بمسؤولنا الذي لم نجده، وكنا أعضاء شعبة في جامعة بغداد وعندما خرجنا للأردن كنا سوية وبدأنا نصدر مقالات ونكتب وننشر باسم الأساتذة والأطباء العراقيين، ونرد على كثير من الأحداث وكنا نصرف ساعات طويلة وكلها مبادرات فردية وأعتقد أيضا من الحوادث المهمة التي لا بد أن أذكرها بهذا الخصوص أنه حصل لقاء مع الدكتور سعدون حمادي في قطر على هامش المؤتمر القومي الإسلامي، وقال لدي عندي وصيتين أرجو أن توصلهما للرفيق عزة الدوري .. وهذا جواب للجماعة الذين كتبوا التقرير وأنه لماذا تم تكلف خضير ولم يكلف عبود مثلاً.. الوصية الأولى أن الكادر الحزبي الذي كان يتصدر العمل والذي حصل في ظله الاحتلال يجب ألا يستلم اي مسؤولية بعد اليوم لكي نثبت للعالم أن الحزب ولاّد وأن العراق ولّاد. والوصية الثانية هي انفتحوا على الناس انفتحوا على رفاقكم اسمعوا الآخرين والرأي الآخر، اسمعوا العراقيين ماذا يقولون وماذا يريدون، وقال أننا مررنا بمرحلة بسبب حبنا الكبير للرئيس القائد كنا لا نجادله وعندما يصدّر أمر كنا نقوم بتنفيذه، لكن الآن الوضع اختلف ويجب أن تسمعوا للناس. ونقلت الوصية حينها للرفيق عزة، وقد أصدر قرار أن من يلتحق أولا بالحزب ويعيد نشاطه قبل غيره، هو الذي يحتل الموقع سواء موقع على مستوى القيادة، المكاتب، والفروع، وهذا ما حصل فعلاً..
اما بخصوص المعهد العالمي للتجديد العربي فهو مركز دراسات فكرية، ومنظمة مستقلة فكرية وثقافية وعلمية، غير حكومية، وغير حزبية، وغير سياسية وغير ربحية. ولها رؤية استراتيجية وغايات واهداف، وتم تأسيس هذا المعهد بمشارك عدد من الأخوة والأخوات من مختلف الأقطار العربية كان عددهم 22 استاذ من العراق ومن دول المشرق العربي ودول المغرب العربي ودول الخليج العربي. وأن الأسماء معروفة، صحيح أن الفكرة في فكرتي، لكن كان التأسيس بمشاركة الأساتذة الأجلاء، وتوسع المعهد بعدها تدريجياً وأصبح هيكله واضح ووضعنا له نظام داخلي وخطة استراتيجية لمدة 5 سنوات وتم اعداد ميثاق فكري للمعهد بعد مناقشته لمدة ثلاثة أشهر ويتضمن عدد كبير من المواد التي تركز على الجوانب الفكرية والثقافية والعلمية التي يتناولها المعهد في دراساته المختلفة، والآن أصبح في المعهد حوالي 20 وحدة فكرية، كل وحدة من هذه الوحدات الفكرية مختصة بجانب معين من المعرفة وباختصاص معين.
اما الدوافع لتأسيس المعهد قد وُضعت في ميثاق المعهد الفكري وبإمكان أي أحد أن يدخل على موقع المعهد الإلكتروني ويستطيع أن يجد هذا الميثاق، ويجد بأن المعهد كما خططنا له، مدرسة فكرية عربية تعمل بفكرة ملهمة ركائزها بناء مجتمع المعرفة والمواطنة العربية. وللعلم أن مفهوم مجتمع المعرفة والمواطنة العربية هما أساس بناء الدولة العربية الحديثة، أي دولة إذا لم تكن فيها مواطنة حقيقية ومجتمع معرفة يشكل قاعدة لبناء الحضارة، لاأعتقد أنه يمكن أن يقال عنها انها دولة حديثة. وان المعهد وضع على هذه القاعدة، وبدأنا عام 2019 بـ 20 عضو والآن بلغ عدد الأعضاء أكثر من 1300 استاذ وباحث، منهم وزراء ورؤساء جامعات سابقين وحاليين وعمداء كليات وأساتذة بدرجات علمية مختلفة، وتم انتخابي رئيس للمعهد كوني أنا كنت صاحب الفكرة الأولى لمدة 5 سنوات، وفي هذه السنة سنقوم بانتخابات أخرى لاختيار رئيس للمعهد. وان أهداف المعهد ومبررات نشوئه هي تجديد المنظومات الفكرية العربية وهي منظومة الفكر السياسي، ومنظومة الفكر الاستراتيجي ومنظومة الفكر الاقتصادي، ومنظومة الفكر الاجتماعي، والتربوي، والتكنولوجيا الرقمية، والفلسفة، والحضارة، وعلم الأديان، واللغوية والأدبية إلى آخره.، نتناول في المعهد 20 منظومة فكرية، تغطي كل الاختصاصات الإنسانية والعلمية. وقد عقدنا أربع مؤتمرات مهمة، مؤتمر حول التجديد العربي ومفهوم التجديد العربي، لان الحياة إذا لم تتجدد بأفكارها، بثقافاتها، بعلومها، بوسائل العمل، بأدوات العمل، فإنها ستندثر وتتراجع ولا تستطيع أن تنسجم مع العالم.
ان رؤية المعهد الاستراتيجية هي بناء منظومات فكرية عربية حديثة تشكل بمجموعها فكر عربي حديث قوامه العلم والتحول الرقمي والتكنولوجيا الحديثة ونظام المعرفة، وسلطة العقل، وأحكام المنطق. فكر نقدي ينتقد الواقع ويستنبط منه القيم الصالحة من التراث العربي والإسلامي ويستوعب مشاكل الحاضر ويقترح لها الحلول ويواكب التطورات العالمية في مختلف المجالات الفكرية، والثقافية، والعلمية، والرقمية. هذا هو محتوى المعهد وما يسعى له والدوافع التي أدت إلى التفكير بتأسيسه وفي مقدمته تجديد هذه المنظومات الموزع على 23 دول عربية وكلها تحتاج إلى تجديد ليخلق مشروع عربي يحقق مصلحة الأمة العربية العليا مع الاحتفاظ بخصوصيات الدول العربية واحترام الخصوصيات الوطنية والقومية لكل دولة من الدول العربية وخصوصيات الأمة العربية. وطرح مفهوم مستقبلي مهم هو مفهوم المواطنة العربية.
اما التمويل الذي كثر الحديث عنه، فان كل ما نحتاجه لنشاطات المعهد اليومية هو 100$ بالسنة فقط لايجار منصة الزوم، لان كل نشاطات المعهد الآن تعقد عن بُعد و على نظام الزوم.. فليس لدينا تمويل ونحن لا نريد أن نبني قصور وعمارات.. نريد أن نتواصل مع بعضنا والتواصل يتم الان من خلال الإنترنت الذي هو شبه مجاني.
اما بالنسبة للمؤتمرات الحضورية وهي ثلاث مؤتمرات.. والمؤتمر الأخير قد عقد عن بُعد، فكان حضور كل الأخوة والزملاء أعضاء المعهد من الأساتذة على نفقتهم الخاصة وكل منهم يتحمل تكاليف سفره وإقامته ويتبرع للمعهد ايضاً، إضافة إلى أن هناك اشتراكات سنوية، علماً ان الأكثرية لا يدفعون بسبب الظروف المالية الصعبة في الدول العربية، وهناك تبرعات من الزملاء انفسهم وحسب إمكانيات كل منهم لتغطية بعض النشاطات. فليس لدينا تمويل من اي جهة او دولة.. ولو كانت هناك دولة تدعمنا أو جهة تدعمنا أو شخصية تساعدنا، فلن أتردد اطلاقاً في أن أخرج بالإعلام وأشكر هذه الدولة وأشكر هذه الشخصية التي ممكن أن تدعمنا أو الجهة التي ممكن أن تدعمنا، لكن مع الأسف لا توجد هكذا شخصية ولا توجد هكذا دولة لا في الشرق ولا في الغرب ولا في الوطن العربي. ومن الأمور التي يجب أن نذكرها هي أننا عقدنا مؤتمرين في تونس بضيافة من الأخوة أعضاء المعهد في تونس، وقد قدموا لنا كثير من التسهيلات، وتعد هذه واحدة من مصادر التمويل، مثلاً في المؤتمر الأول قامت وزارة الثقافة التونسية بدعم المؤتمر، وحضرت رئيسة جامعة منوبة وألقت كلمة وحضرت وزيرة المرأة نيابة عن وزارة الثقافة والإعلام وبصفتها كوزيرة مرأة وكبار السن وألقت كلمة أيضاً وقدموا خدمات لوجستية كنقل الزملاء من المطار إلى المؤتمر وبالعكس ، وفي المرة الثانية أثناء المؤتمر الآخر أيضا دعمتنا جامعة منوبة من خلال كلية الآداب والإنسانيات ودعمنا مركز الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية التونسية وسهلوا لنا كثير من الأمور فهذه في الحقيقة تعتبر مصادر للدعم .. هذا هو الموقف بكل وضوح وشفافية كما يقولون.. اما الحديث المغرض والمشكك فهو لاينتهي ولا ينقطع في مثل هكذا حالات، وهذا هو أسلوب أعداء النجاح الذين ليس لديهم سوى التشكيك والطعن والتشويه.
وفي مجال علاقات المعهد.. فله علاقات جيدة مع العديد من المراكز والجامعات في الوطن العربي، والمعهد مرخص رسميا في اسبانيا وفي تونس، حصلنا على اجازة رسمية للمعهد في اسبانيا كمقر رئيسي وتونس هو المقر العربي.. وعقدنا اتفاقية مع منتدى الفكر العربي الذي يرأسه سمو الأمير الحسن بن طلال في الأردن والآن نقوم بنشاطات مشتركة.. وحضر السيد مدير العام المنتدى في أحد المؤتمرات ووقعنا هذه الاتفاقية.. ولدينا اتفاقية مع عدد من الجامعات مثل جامعة القُدس المفتوحة وجامعة باطنة في الجزائر وجامعة في المغرب وجامعة منوبة في تونس ولدينا اتفاقية مع مركز الدراسات الاستراتيجية في رئاسة الجمهورية، ومستمرين بإقامة العلاقات مع الجامعات بشكل عام ونركز بعلاقاتنا مع الجامعات الحكومية والأهلية .
وللتأكيد فإنه لا توجد اي علاقة للمعهد مع حزب البعث العربي الاشتراكي أو غيره لأن المعهد منظمة فكرية وثقافية وعلمية مستقلة، غير حكومية وغير حزبية وغير سياسية وغير ربحية وبالتالي لا تربطه علاقة لا مع حزب البعث ولا أي حزب آخر في الوطن العربي او خارجه، نسعى أن يكون المعهد مدرسة فكرية حرة مستقلة.. وان المدارس الفكرية اذا لم تكن حرة ومستقلة فلا تستطيع أن تنتج فكرة جديدة ولا تتمكن من الابتكار.. ويضم المعهد كما ذكرنا عدد كبير من الأساتذة ومن مختلف الانتماءات فكيف يمكن ان تكون له علاقة بحزب البعث؟ فيه يساريين وعلمانيين وناصريين وبعثيين وشيوعيين وكن أحزاب وطنية اخرى، لذلك نحن لا نتدخل بحرية الانتماء، بل المهم أن من ينضم للمعهد عليه ان يؤمن بفكر ورؤية المعهد وبعملية تجديد المنظومات الفكرية العربية.
ليس هناك علاقة بين استقالتي من حزب البعث وتأسيس المعهد، وهذا نوع من التلفيق الهدف منه هو النيل من المعهد. أنا استقلت بناءً على المعطيات التي شرحتها وذلك بسبب المؤامرة التي تدور داخل الحزب التي استهدفتنا شخصياً، وأنا واحد من الأشخاص الذين تضرروا من هذه المؤامرة بشكل مباشر ومنذ بدايتها، ووصلت إلى حد رأيت فيه أنني لا استطيع الاستمرار في الحزب في ظل هذه الأجواء لأنه اذا ما استمريت فستحصل مشاكل كبيرة لي والحزب سيتعرض إلى مشاكل كبيرة. أما موضوع المعهد فلا علاقة له بهذا الموضوع اطلاقاً.. والرفيق امين عام الحزب لم يتدخل في عمل المعهد ابداً، بل بارك تأسيسه وقال أننا بحاجة إلى مراكز من هذا النوع.
اما بخصوص حزب البعث، فإن المعهد حتى هذه اللحظة لم يتناول فكر حزب البعث لا بالدراسات ولا بالمناقشة ولم نبحث في حيثيات حزب البعث ولم ننتقد حزب البعث، نحن نتحدث عن المنظومات الفكرية العربية وليس لها علاقة بحزب البعث، وإذا هم يعتقدون بأن المنظومات الفكرية هي فكر البعث فهذا خطأ كبير، المنظومات الفكرية موجودة في 23 دولة عربية بما فيها دولة الأحواز ، إذن من أين أتوا بكذبة أننا طرحنا أفكار بديلة عن حزب البعث وتحدثنا عن فشل فكر البعث مع العلم أنه من حق أي مواطن عربي أن ينتقد فكر حزب البعث العربي الاشتراكي أو غير حزب البعث العربي الاشتراكي طالما أنه حزب جماهيري وفكر عام وتيار فكري كبير فهو معرض للنقد وفكر البعث ليس مُقدَّس، لان أي فكرة من صنع البشر غير مُقدَّسة، فقط ان كلام الله هو الذي يتصف بنوع من القُدسية. لان تقديس الفكرة يعني قتلها وموتها.. في حين ان فكر البعث فكر منفتح، متفاعل ومتجدد وهذا هو المبدأ الذي قام عليه الحزب منذ التأسيس ولآخر خطاب للرفيق المؤسس عام 1989، ومن يتابع يرى بأن التجديد واضح في طروحات الرفيق القائد المؤسس ومن يتعمق بدراسة فكر البعث يجد ان هذه الحقيقة ناصعة، نحن لم نتطرق بنقد سلبي لا ضد حزب البعث ولا غيره من التيارات الفكرية سواء كانت قومية أو يسارية وبأي شكل من الأشكال.
ان المعهد في مشروعه وفي ميثاقه الفكري وضع مبدأ أساسي ورئيسي هو أنه يقف ضد كافة التيارات المعادية للأمة العربية ويرفض التعامل معها ويتصدى لهذه التيارات فكرياً وثقافياً ومنها تحديداً المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي والمشروع الفرانكفوني والمشاريع التغريبية الأخرى، يتصدى لمثل هذه التيارات .. ويسعى لبناء فكر عربي حديث يحقق مصلحة الأمة العليا ويكون الأساس لبناء دولة عربية حديثة في المستقبل وهذا هو منهج المعهد. وفي المعهد أساتذة مؤمنون بهذا الفكر وبهذا المبدأ ومؤمنون بهذا التوجه.. وان الأبحاث التي تُطرح في المعهد تركز على هذه المفاهيم، واهمها مفهوم بناء مجتمع المعرفة العربي وبناء المواطنة العربية وتجديد المنظومات الفكرية العربية.
علماً ان مؤسس البعث ميشيل عفلق وقبل أن يتوفى بثلاثة أو أربعة سنوات دعا لجنة من المفكرين العرب المرموقين مثل المفكر الكبير محمد عبد الجابري من المغرب والمفكر الكبير هشام جعيط من تونس والمفكر العميق القومي الإسلامي والف بالمناسبة كتاب اسمه التيار القومي الاسلامي الذي درس به تجربة البعث دراسة جميلة هو المفكر محمد عمارة وكذلك المفكر أمين معلوف الذي هو في فرنسا وأصله لبناني.. في هذه اللجنة أيضا من العراق الدكتور سعدون حمادي والأستاذ طارق عزيز، وسمى هذا المشروع مشروع المستقبل العربي ودخلوا في حوارات معمقة حول هذا الموضوع.. وعلى أساسها خطب الخطاب الأخير في حياته عام 89 بمناسبة ميلاد البعث، بعنوان الوحدة والديموقراطية دعامتا بناء الأمة. وضع تصور جديد لبناء مرجعية الأمة عندما قال بأن مرجعية الأمة العليا سوف تتكون مما سوف تفرزه الديمقراطية العربية التي نسعى لبنائها، الديمقراطية المنطلقة من الواقع العربي وتعبر عن الواقع والخصوصية العربية.. ولم يقل عن هؤلاء المفكرين بأنهم كفرة او تغريبين وفرانكوفيين مثلما يطلق هؤلاء المغرضون أوصاف بذيئة ضد نخبة مرموقة من الاساتذة العرب.. وتفاعل معهم، فأين هؤلاء التافهون من هذا الفكر المنفتح لمؤسس البعث، والذي دعا إلى مرجعية جديدة للأمة تتكون مما تفرزه التيارات الفكرية العربية بمختلف توجهاتها القومية واليسارية والإسلامية لكي يتم بناء مشروع الأمة الجديد ولم يقتصر الأمر على حزب البعث فقط.. فليقرؤوا هؤلاء الخطاب الأخير لميشيل عفلق في 7 نيسان 1989.
وان الموضوع الأهم هو ما يتعلق بالدولة العربية والإسلامية وتحديدا ما أشاروا له وحاولوا أن يشوشوا على هذه الصورة وانا أعطيت الرد المناسب حول هذا الموضوع في حينه، لكن هناك أشخاص لا يقرؤون، بل هناك أشخاص يقرؤون لكن في نفس الوقت مصرّين على الخطأ لأن نواياهم سيئة ونفوسهم مريضة .. وللتاريخ لا أحد عنده عقل وعربي ومسلم، يستطيع ان ينكر بأن الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة عظيمة قد امتدت من الصين الى فرنسا ونشرت في الأرض العدل والتسامح والمودة والمحبة والرحمة وكان قادتها العرب والمسلمين وليس العرب فقط بقدر ما ان هذه الحضارة قد تفاعلت وامتزجت مع بقية الثقافات وساهم فيها بقية الأقوام الذين اعتنقوا الإسلام. أقول بأن هذه الحضارة أفرزت علوم عظيمة وأفكار عظيمة وجعلت من الأمة العربية والإسلامية هي القائدة للعالم في تلك المرحلة التي امتدت متذ الخلافة الراشدة إلى نهاية الدولة العباسية وسقوط بغداد عام 1258 م، وبعدها إلى سقوط الأندلس هذا لا أحد يستطيع ان ينكره أبداً.
لكن في نفس الوقت هل ممكن أن ننكر بأن كل حضارة تقوم، تقوم معها ايضاً عوامل تهديمها.. وعوامل تلاشيها إذا لم يتم تلافيها، وهذه حقيقة تاريخية يجب أن نعترف بها، لذلك لا أحد ينكر ايضاً بأن الصراعات السياسية في زمن الدولة الأموية والصراعات على الحكم في زمن الدول العباسية كانت على أشدها وكلنا نقرأ في التاريخ كيف أن الأخ يقتل أخوه والأب يقتل ابنه والابن يقتل أبوه لأجل السلطة وصراع على السلطة وكذلك الحال في الأندلس من يدرس تاريخ الأندلس يجد هذه الحقيقة واضحة ولذلك عندما سقط هذا الملك الكبير فإنه سقط بسبب هذه الصراعات الداخلية.. وهذا هو الموضوع الذي تم طرحه في حينها. أي لم يتم طرح الموضوع وكأن العملية مجرد نقد سلبي. وعندما نتحدث عن التراث العربي والإسلامي، فما هو هذا التراث؟ أليس هو هذه الحضارة التي امتدت من الصين إلى فرنسا وهيمنت على كل العالم؟ هل هي هذه أم غيرها؟ ونريد أن نستنبط منها القيم الخالدة القابلة للحياة وهكذا هو أيضا فكر البعث؟
فمن أين جاؤوا هؤلاء المغرضون والمخربون بما قالوه في تقريرهم المشبوه.