دوليصحافة وآراء

قمة الناتو استنفرت الذين ردوا الصاع صاعين (الجزء الأول)

بقلم د. أيمن أبو الشعر

  • دعم خُلَّبي لانضمام أوكرانيا إلى الناتو من خلال التأكيد على تأييد رغبة كييف “التي لا رجعة عنها” وليس دعوة صريحة لن تتحقق لغياب الإجماع

احتفال يوبيلي بمشاعر باهتة

ربما كانت قمة الناتو في واشنطن هي الأكثر استفزازا وعدائية طيلة تاريخ هذا الحلف عبر 75 سنة، بل إن واقع هذا التوتر همش تماما الطابع الاحتفالي المفترض بذكرى يوبيلية، فقد اقتصرت مراسيم الاحتفال على حفل استقبال للزعماء المشاركين وزوجاتهم أقامه الرئيس بايدن وزوجته، ثم حفل استقبال آخر أقامه وزير الخارجية الأمريكي بيلينكن لنظرائه وزراء خارجية الدول الأعضاء وكذلك حفل استقبال أقامه أوستن وزير الدفاع الأمريكي لنظرائه وزراء دفاع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، لكن يمكن القول بثقة أن الابتسامات الروتينية التي ارتسمت على الوجوه كانت صفراء نصف راجفة ولا وجود لمشاعر البهجة الاحتفالية على الإطلاق ذاك أن هذه القمة كانت أكثر القمم سخونة ورعونة واستفزازا حتى أن المراقبين الحياديين وصفوها بصدق بأنها قمة ما قبل إعلان الحرب. الأمر الذي تبدى في مناقشاتها وأطروحاتها ومزاوداتها، وتمسكها بشكل متشنج بمواقفها العدائية والتأكيد على عدم الرغبة في سماع الطرف الآخر، ناهيك عن الإجراءات والبيان الاستفزازي الختامي.

هواجس الناتو

باختصار شديد نتوقف عند أهم ما تضمنته أطروحات قمة الناتو من هواجس باتت كوابيس تورق قادة الناتو:

1- كانت أوكرانيا المحور الرئيسي وأهم ما جاء في تناول هذا المحور إلى جانب الدعم المالي والعسكري وتدريب ضباطها الإيحاء بمكر حقيقي بأنها ستكون قريبا في عداد دول الناتو انطلاقا من خيارها الذي لا رجعة عنه ناهيك عن تقديم أسراب كاملة من طائرات اف 16

2- التعبير عن القلق إزاء العلاقات الروسية الصينية واتهام الصين بمساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا. والإعلان عن تحالف لردع كوريا الشمالية.

3- شددت القمة على ضرورة تعميق التعاون مع دول منطقة آسيا والمحيط الهادي

4- وتعزيز وجود الناتو في الشرق الأوسط وإفريقيا

5- الاتفاق الأمريكي الألماني على نشر صواريخ متوسطة وبعيدة المدى في ألمانيا

6- ناهيك عن بعض التعابير المتناقضة مع الواقع بأن الناتو تدخل لاستعادة السلام والتطهير العرقي في البلقان.

أتوك يجرون الحديد

قبل أن نتمحص الردود على هذه المحاور الرئيسية التي باتت هواجس تقلق الناتو وتريد ان تحولها لهواجس تقلق خصومها لا بد من ملاحظة غياب الاجماع في دول الناتو، فغالبية الدول الأعضاء تأتمر تماما بما تقوله واشنطن حتى في الاستعداد للحرب مع روسيا بتبعية غبية تماما، أو انطلاقا من عقدة الدونية، فأكثر من نصف دول الناتو ذات قدرة عسكرية هشة تماما وبالتالي فهي تنساق وفق مبدأ قيادة القطيع لا أكثر، ولو أمعنا النظر لوجدنا أن القوات الأمريكية هي الأكثر تعدادا وعدة بواقع مليون و 346 ألف جندي وتأتي في المرتبة الثانية تركيا بواقع 670 ألفا، وفرنسا بأكثر قليلا من 200 ألف جندي، وألمانيا 192 ألف جندي، ثم بريطانيا قرابة 185 ألف عسكري وتنحدر هذه الأراقم جديا بعد ذلك حتى لدى إيطاليا وإسبانيا وغيرهما وصولا إلى 25 ألف عسكري في الجيش السويدي بحيث لا تبدو متابعة أعداد الجنود مجدية.

ومع ذلك هناك مفارقتان رئيسيتان الأولى أن تعداد الجيوش لم يعد يلعب الدور الحاسم في مسار هذه المعركة أو تلك ولم تعد الجيوش الجرارة عاملا حاسما كما كان الأمر في معارك السيوف والرماح ما يذكر بقول المتنبي ” أتوك يجرون الحديد كأنهم سروا بجياد ما لهن قوائم” كتأكيد على ضخامة جيش الروم  الذي انتصر عليه سيف الدولة مع ذلك، والأمر الأخر هو عدم وجود موقف موحد في الناتو وخاصة تجاه احتمال وقوع الحرب مع روسيا حيث يتمايز موقف تركيا الأقرب إلى موسكو وهي ثاني أقوى دولة في الناتو، وترفض حتى مجرد التصعيد العسكري مع روسيا كل من سلوفاكيا والصرب وهنغاريا التي تقوم علنا بمحاولات لرأب الصرع وحل الأزمة مع أوكرانيا سلميا، يشهد على ذلك زيارات رئيس الوزراء الهنغاري “فيكتور أوربان” لبحث هذه المسألة إلى كل من باريس ولندن وروما وكييف وموسكو وبكين، واستنفار الحلف والاتحاد الأوربي ضد هذه المحاولات والإعلان بأن أوربان يمثل نفسه وحسب للتقليل من أهمية نشاطاته، لكن هنغاريا عضوة في الناتو وقراراته يجب أن تكون بالإجماع وهي عضوة في الاتحاد الأوروبي بل تسلمت رئاسة الاتحاد منذ بداية يوليو الحالي لمدة ستة أشهر.

الردود على الناتو صفعات استنكارية

أولا من حيث مضمون عبارة دعم رغبة كييف التي لا رجعة عنها في الانضمام للحزب نلاحظ انها صياغة ماكرة تماما، فهي تعبير عن دعم المشاعر وليس طرح دعوة صريحة لانضمام أوكرانيا للحلف، لأن الحلف نفسه يدرك عدم قانونية هذه الدعوة فميثاقه يؤكد ضرورة توفر شروط معينة لدى أية دولة لكي تتم الموافقة على انضمامها ومن بين هذه الشروط ألا تكون في نزاع مسلح مع دولة أخرى وأوكرانيا في حرب حقيقية مع روسيا، والثاني أن يتم قبولها بالإجماع وهناك عدة دول ترفض انضمام أوكرانيا للحلف.

وقد أعلن سلوتسكي رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما أن كييف لن تحصل على أية ضمانات واضحة للانضمام لحلف الناتو لأن الغرب أساسا لا يكترث بمصير الأوكرانيين، وذكّر في إطار تعليقه على ما ورد في بيان قمة الناتو بأن رغبة أوكرانيا بالانضمام إلى الناتو لا رجعة عنها، ذكَّر بتصريح مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي أوضح أنهم يدفعون ثمن هذه الرغبة بدمائهم، مضيفا بأن شهية الناتو في عسكرة أوروبا ستزداد وهو ما يتطلب رد فعل سريع وقوي من روسيا، وقد يقود الناتو الأمر نحو حرب عالمية ثالثة.

حول اف 16

أما عن توسيع تزويد أوكرانيا بأسراب كاملة من طائرات اف 16 حيث يطالب زيلينسكي ب 128 طائرة لتحقيق التوازن الجوي مع روسيا وتشير مصادر الناتو إلى 65 طائرة من هذا الطراز… فإنه يبدو متناقضا ذاك أن عملية توسيع تزويد كييف بالأسلحة الفتاكة يترافق مع عبارات توحي بأن واشنطن تريد الحل السلمي حتى أن زاخاروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية سخرت من كلمة كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض أنه لا أحد يريد تصعيد الأزمة الأوكرانية حيث جاء حديثه على خلفية خطط الناتو لتزويد أوكرانيا بطائرات اف 16 وشبهت هذه التصريحات بحديث الإدارة الأمريكية عن الحالة الصحية لبايدن.

من جهة ثانية أعلنت موسكو بوضوح أن مصير هذه الطائرات لن يكون أفضل من مصير الدبابات والمدرعات الغربية، والأخطر من ذلك أنها أعلنت منذ الآن أن المطارات التي ستقلع منها هذه الطائرات ستكون عرضة للقصف الروسي، لأن طائرات اف 16 تستطيع حمل رؤوس نووية، وستفترض موسكو إقلاع أية طائرة من هذا الطراز من مطارات الدول المجاورة باتجاه أوكرانيا للمشاركة في الحرب أنها قد تحمل رؤوسا نووية، وقصف روسيا لمطارات الدول المجاورة المنضوية في حلف الناتو سيعني مشاركة الحلف بشكل مباشر في الحرب وفق البند الخامس من ميثاق الحلف وهذا يعني انتهاء وجود البشرية بحرب نووية ستدمر الكوكب، وحتى إن نشأت حرب شاملة غير نووية فإن أمريكا بذلك تكون قد جرَّت أوروبا لحرب طاحنة ستقضي على إمكانياتها الاقتصادية، ويعطي التفوق في هذا المجال للولايات المتحدة البعيدة عن مسرح العمليات العسكرية.

سنتابع تناول ردود الفعل الحاسمة على معطيات قمة الناتو في الجزء الثاني من هذا المقال!

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى