نقلا عن وكالة أنباء الوسط العربي – القاهرة
أبدى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ونظيره السوري بشار الأسد مؤخراً رغبة في استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ عام 2011. وعلى الرغم من المحاولات السابقة التي باءت بالفشل، تُبذل جهود جديدة لاستئناف الحوار، هذه المرة بمشاركة العراق وبدعم من روسيا، مما يضفي أبعادًا جديدة على محاولات التوصل إلى تسوية.
ويتساءل المراقبون عن أهداف العراق من الوساطة، وفرص نجاحها في ظل الظروف الراهنة، خاصة وأنها تواجه ـ الوساطة ـ تحديات كبيرة تتعلق بتباين المصالح بين دمشق وأنقرة، وعمق الخلافات التاريخية بينهما، وتعقيدات الأزمة السورية المستمرة.
وتبقى التساؤلات قائمة حول قدرة العراق على تجاوز هذه التحديات وتحقيق اختراق دبلوماسي، أم ستلاقي جهوده مصير المحاولات السابقة وتبوء بالفشل؟
دوافع التقارب التركي مع سوريا
هناك عدة دوافع تفسر اندفاع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، نحو التقارب مع النظام السوري، بقيادة بشار الأسد، يمكن الإشارة إليها في التالي :
أولًا، قضية اللاجئين السوريين تشكل عبئًا كبيرًا على تركيا، حيث يوجد أكثر من 3 مليون لاجئ سوري في البلاد. إردوغان يرغب في إيجاد حل دائم لهذه المشكلة من خلال عودتهم إلى سوريا، وهذا يتطلب تعاونًا مع النظام السوري لتوفير الشروط الأمنية والاقتصادية الملائمة.
ثانيًا، التهديد الذي يشكله حزب العمال الكردستاني على أمن تركيا، وذلك من خلال صلاته بـ”قوات سوريا الديمقراطية” التي تدعمها الولايات المتحدة. إردوغان يرى أن التعاون مع النظام السوري قد يسهم في التصدي لهذا التهديد الأمني.
ثالثًا، التغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا قد تشكل حافزًا إضافيًا لتركيا لاستكشاف خيارات جديدة، بما في ذلك التقارب مع النظام السوري. إردوغان يسعى لتعزيز موقفه الإقليمي واستراتيجيته الداخلية من خلال هذه الخطوة.
شروط سوريا
وفي ظل دوافع التقارب التركي مع سوريا والتي تتمثل في معالجة قضايا داخلية ملحة مثل اللاجئين والأمن، بالإضافة إلى البحث عن فرص جديدة في الساحة الإقليمية في ظل التحولات الدولية المستمرة، أعلنت سوريا شروطها لإعادة العلاقات مع تركيا، مؤكدة أنها يجب أن تُبنى على أساس احترام المصالح المشتركة بين البلدين، ويمكن الإشارة إلى أهم هذه الشروط فيما يلي:
1. يجب على تركيا سحب جميع القوات المتواجدة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية.
2. أي علاقة بين سوريا وتركيا يجب أن تقوم على احترام سيادة كل منهما واستقلالهما ووحدة أراضيهما.
3. يجب على الطرفين مواجهة كل ما يهدد أمنهما واستقرارهما، بما يخدم المصلحة المشتركة للبلدين والشعبين.
4. يتعين على الجانبين العمل على مكافحة المجموعات الإرهابية التي تهدد أمن سوريا وتركيا على حد سواء.
5. سوريا تؤكد على ضرورة التمييز بين الشعوب وسياسات الحكومات التي قد تكون ألحقت الأذى بها.
وإلى جانب هذه الشروط التي وضعتها سوريا لضمان إعادة العلاقات مع تركيا بشكل طبيعي، أكدت على أن أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تُبنى على أسس واضحة لتحقيق النتائج المرجوة.
أهداف العراق من الوساطة
يسعى العراق من وراء لعبه دور الوسيط إلى تحقيق عدة أهداف:
• تعزيز دوره الإقليمي: يُمكن للعراق من خلال نجاحه في الوساطة أن يُثبت نفسه كلاعب رئيسي في المنطقة، قادر على حلّ النزاعات وتعزيز التعاون الإقليمي.
• المساهمة في الاستقرار: يُعاني العراق من تداعيات الأزمة السورية، بما في ذلك تدفق اللاجئين والتهديدات الأمنية . إنّ استقرار سوريا يُمثل مصلحة عراقية مباشرة.
• تخفيف حدة التوتر مع تركيا: تُشكل التوترات مع تركيا مصدر قلق للعراق، خاصةً فيما يتعلق بدعمها لحزب العمال الكردستاني.
أسباب الفشل المحتملة
تناولت نقاشات الخبراء على الساحة الإقليمية التحديات التي تواجه هذه الوساطة وإمكانية نجاحها، حيث أجمعوا على أن أسباب الفشل المحتملة للوساطة العراقية بين سوريا وتركيا تتمثل في النقاط الآتية:
1. ضغط التيارات السياسية التركية المعارضة: يرى الخبراء أن تيارات سياسية تركية معارضة، اكتسبت زخماً بعد الانتخابات المحلية، تضغط على الرئيس أردوغان للتفاعل مع مبادرة السوداني. هذا الضغط قد يزيد من تعقيد الموقف السياسي الداخلي في تركيا ويعوق تقدم الوساطة.
2. انعدام الثقة بين تركيا والنظام السوري: يشير الخبراء إلى أن انعدام الثقة بين تركيا والنظام السوري يمثل أبرز تحدٍّ للسوداني. تركيا تنظر بسلبية كبيرة إلى سلوكيات النظام السوري، وهذه المخاوف عبَّر عنها الرئيس أردوغان عدة مرات.
3. انتقادات النظام السوري للدور التركي: ينتقد النظام السوري تركيا لدعمها لقوى المعارضة السورية. هذه الانتقادات المتكررة تفرض تحديات كبيرة على فرص نجاح الوساطة العراقية.
4. ضعف العراق كوسيط: يرى الخبراء أن العراق ضعيف نسبياً وغير مؤهَّل كدولة للوساطة، وليس لديه خبرة دبلوماسية كافية مقارنةً بقطر أو عمان. العراق يعاني من مشاكله الداخلية، مما يجعله غير قادر على حل مشاكل الآخرين.
5. عدم ثقة تركيا بالعراق: تركيا لا تثق بالعراق عملياً، بينما روسيا، التي تبدو أكثر قدرة على التوسط، لم تكن قادرة على الوصول إلى نتائج بين الطرفين سابقاً.
6. عدم رغبة النظام السوري في التطبيع مع تركيا: النظام السوري غير راغب في التطبيع مع تركيا، ولا يبدو قادراً على التعاون معها فضلاً عن عدم رغبته بذلك.
7. صعوبة الظروف الحالية: يتوقع الخبراء أن الظروف الحالية لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري أصعب من فترة ما قبل الانتخابات الرئاسية التركية، حيث كانت تركيا أكثر حاجة للتطبيع وكان الوسيط الروسي أقوى.
8. تفضيل النظام السوري للتطبيع مع الدول العربية: النظام السوري يفضل التطبيع مع الدول العربية التي يعتقد أنها قادرة على دعمه مالياً تحت بند إعادة الإعمار، بدلاً من التطبيع مع تركيا.
9. دور إيران: تأثير إيران ووقوفها وراء الوساطة قد يضيف تعقيدات أخرى، كما ذكّر الخبراء بدورها في الوساطة بين النظام السوري وحركة حماس، والتي أثمرت تطبيع العلاقات بينهما على مضض.
تُظهر هذه النقاط التحديات الجسيمة التي تواجه وساطة العراق بين سوريا وتركيا، مما يزيد من احتمالية فشلها في تحقيق أهدافها.
ويبقى أن نجاح وساطة العراق يعتمد على العديد من العوامل، بعضها خارج عن سيطرته، مثل رغبة سوريا وتركيا في إعادة العلاقات، والدعم الدولي لجهود الوساطة.