لم يكن مفاجئاً أن يُصدِر صُنّاع الموت في الغرب الاستعماري وكيانه الإجرامي قرارهم الأخير باستخدام الطلقة الأخيرة في ترسانة أسلحتهم المُثَلَّمَة، ألا وهي الاغتيال، وهم مَن يَمتلك حصراً اليد الطولى في ذلك، ويَزخَر تاريخهم الدموي بهكذا عمليات جبانة ودنيئة لا يُقْدِم عليها سوى خفافيش الظلام المأزومة والمهزومة.
من عمق الألم الذي يَعتصِر قلوب مئات الملايين من أحرار العالم المُنافحين دفاعاً عن فطرتهم الإنسانية وحقّهم في الحياة، تَصدَح الحناجر لتُعبّر عن خَلجات القلوب النازفة وما يَعتَمِل الصدور، أنْ: لا عزاء ولا تسويف ولا انتظارِ صريح الاعترافات، ولا داعٍ لتشكيل لجان بحث وإجراء تحقيقات. فقد أصبح اللعب على المكشوف، والفاعل معروف، بل ويتباهى بما فَعَل، ويتمادى في الإقدام على ارتكاب كلّ ما يُشين من فِعْل، ويُحاول على الدوام أن يبقى مبادراً مُمسِكاً بالزِّمام، بحيث يَضَع خصومه في دوّامة “ردود الأفعال” التي لم تَعُد تُجدي نفعاً، بل وتجاوزتها الوقائع بخطوات إلى الأمام. وبات يخوض حربه “الشمشونية” الأخيرة، حيث لا ضوابط فيها ولا محرّمات، بل قطع الرأس مباشرة والضرب المتعمّد تحت الحزام..؟!
من هنا، كي تلتئم الجراح النازفة في شتى قارات العالم ودولها وشعوبها، وكي تُغلق كافة الملفّات بقليلها المُعلن وكثيرها المَخفي، وتستريح البشرية جمعاء. لا بدّ من إعادة فتح كلّ هذه الملفّات، وبلا قيود أو مُحرّمات: بدءاً من ملابسات تصنيع “الصهيونية” بمختلف مُسمّياتها، مروراً بأرشيف الحربيْن العالميّتيْن التي حصدت أرواح عشرات الملايين من البشر، ناهيك عمّا أحدثته من تدمير، وما اكتنفها وأعقبها من افتراءات واستثمارات، لعلّ أهمها مُوَشّح “الهولوكست”، وملابسات إقامة الغرب الاستعماري لقاعدته القتالية المتقدمة في فلسطين. وليس انتهاءً بملفّات الاغتيالات لشخصيات أممية داخل وخارج فلسطين التاريخية، ومنها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ ملف اغتيال الرئيس الأمريكي “جون كنيدي” يوم الجمعة 22/11/1963.. وخفايا ما سُمِّي بأحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 والتي تَذَرَّعَ بها، صُنّاع الموت إيّاهم، لإطلاق صافرة انطلاق البدء بتنفيذ خططهم الجهنّمية تحت مُسَمّى “الحرب على الإرهاب”، حصدوا خلالها وما زالوا يحصدون أرواح ملايين الأبرياء وأضعافهم من الجرحى والمُعاقين والمُشرّدين، فضلاً عن تدمير دولٍ وإفقار شعوبٍ بأكملها.. وصولاً إلى “طوفان الأقصى” وما أعقبها من عمليات إبادة وجرائم حرب وتدمير وتطهير عرقي مُثبَت وموصوف، وآخرها وليس أخيرها ما جرى من استهدافات واغتيالات في العواصم الثلاث: بيروت، بغداد، وطهران. والحبل على ما يبدو جرّار..؟!
إن ما جرى وسيجري، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، توجيه رسالة نارية لا لبس فيها، فحواها يتمحور حول إغتيال كافة مشاريع وقف الحرب وحتى “الهُدَن” المتداولة، وإغلاق الأبواب المُواربة لأيّة وساطات أو حتى مطالبات بذلك.. وهو ما يعني، بصريح العبارة، استنساخ وتعميم “نموذج غزة” في المنطقة، وفتح الباب على مصراعيْه لمواجهة مفتوحة وعلى كافة الجبهات، يكون فيها الحُكم للميدان. ومثل ذلك لا يمكن له أن يحصل بدون قرار ومشاركة أمريكية غربية، وقوْلهم بغير ذلك مُجرّد هراء وتضليل وذرّ للرماد في العيون، فهم يكذبون كما يتنفّسون، والشواهد على ذلك لا حصر لها. الامر الذي يتطلب من الجميع التخلّي عن المواقف الرّماديّة، حيث الحرب المفتوحة لن تستثني أحداً، ولن يُفيد فيها التذرُّع بالقِيم والأخلاق والإنسانية، وحتى التمسُّك بالمعاهدات والاتفاقات المعلنة منها وغير المعلنة، إزاء عدو متغطرس لا دين ولا قِيَم ولا أخلاق له، ويُقسِّم العالم إلى “شعب وجيش مقدّس” حلّ فيه ربِّه الخاص به حصراً “يهوه” وأغيار “غوييم” أصلها حيوانات جعلها الرب على شكل بشر رأفة بشعبه “المختار” وسخّرها لخدمته طوعاّ أو كرهاً..؟!
هكذا حرب مفتوحة لا يفلّ فيها الحديد إلّا الحديد، والتدمير بالتدمير، والمدني بالمدني، والعاصمة بالعاصمة، والاغتيال بالاغتيال.. فقد بلغ السيل الزبى، وبدأت تلوح في الأفق القريب ولادة فجر جديد، سيعمّ ضياؤه المنطقة والعالم أجمع، رغم الآلام والتضحيات الجِسام، وطوبى ألف طوبى لمَن يحظى بسهم فيه.