يعيش الكيان الإسرائيلي من رأسه وحتى أخمص قدميْه حالة فريدة من “نشوة” طال انتظارها منذ عشرة شهور، صاحبت وأعقبت “طوفان الأقصى” الذي زلزل أركانه وقوّض ثوابته وبدّد أوهامه التي اعتبرها مسلّمات غير قابلة للنقض أو حتى المساس، وذلك بفعل ما اصطنعه نتنياهو وأركان قياداته السياسية والعسكرية والأمنيّة من انتصارات زائفة خلال شهر تموز الماضي، صدّروا من خلالها لكيانهم والعالم القريب والبعيد صورة “نصر” طالما بحثوا عنها، لإشباع غريزة الانتقام لديهم ولو مؤقتاً. ويبدو أنهم لم يتمكّنوا من الظّفر بضالّتهم سوى من خلال قصف المرافق المدنية في ميناء الحديدة اليمني، والمبالغة في عرض ألسنة اللهب المشتعلة في مجمّعاته النفطية، وفي قصف مبنى سكني في ضاحية بيروت الجنوبية بدعوى اغتيال أحد قادة حزب الله “فؤاد شكر”، وفي الإقدام على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” الذي حلّ ضيفاً على العاصمة الإيرانية طهران، وفي تأكيد متأخر لاغتيال القائد العسكري “محمد الضيف” خلال مجزرة ارتكبوها قبل اسبوعيْن في المنطقة التي حدّدوها آمنة بمنطقة خان يونس جنوبي قطاع غزة؟!
ويأتي كل ذلك بعد سلسلة طويلة من النقد اللاذع والهجوم المتواصل على نتنياهو وحكومته وقيادات جيشه ومؤسساته الأمنيّة، واتهامهم بالفشل، وطرح التساؤلات المصيرية الكبرى: ماذا نفعل في غزة، تُدمِّرون ولكن الوضع الأمني لا يتحسّن، ماذا عن الشمال حيث لا يتوقّف قصف حزب الله، في غزة من حيث نخرج تعود حماس..؟؟
أما الآن، فها هو نتنياهو يُعربد ويُهدّد، حيث يقول في تسجيل فيديو أخير له: “إن إسرائيل على أُهبة الاستعداد للدفاع وكذلك للهجوم”، متوعّداً ” إن إسرائيل ستنتزع ثمناً باهظاً على أي هجوم تتعرّض له”، رغم إقراره بأن “أمامنا أيام صعبة”؟!
وها هي قناته التلفزيونية 14 المفضّلة له ولحكومته، تعرض توزيع الحلوى في الشوارع، وحفلات الفرح الراقصة على الشواطيء، وتُجري لقاءات متواصلة تغصّ بالنشوة والسخرية وقهقهات مُقدّمي البرامج والمعلِّقين، وعلى ماذا، على جنازة هنية في إيران، وبشكل غير أخلاقي وغير مسبوق في التاريخ البشري لهكذا سلوك مشمئز على جنازة، وبغض النظر لمَن تكون. وتُقابل “عوزي دايان” نائب رئيس أركان سابق، يستمر خلالها بالتحريض على غزة، ويدعو إلى القتل أكثر، ويُجيب في ردّه على سؤال: “هل نستطيع قتل حسن نصر الله؟” فيقول: “لم تسنح الفرصة بعد، ولكن سنقتله إذا سنحت أيّة فرصة”؟!
وها هو موقع صحيفة “معاريف” يعرض موضوعاً مركزيّاً، صُنِّف الأكثر قراءة، يؤكد من خلاله على أن قائد إيران المرشد الأعلى علي خامنئي بدا خائفاً لأنه يشعر بأن دوره قادم وسيتم اغتياله، بدليل أنه خلال جنازة هنيّة كان ينظر إلى السماء عدة مرّات، خوفاً من قصفه أثناء الجنازة.. وهو ما يُعبّر عن حقيقة سخافة هذا الكيان وإعلامه، وكيف يصنعون انتصاراتهم الوهميّة، ويَنسجون ويُنتجون أساطيرهم بل ويُصدّقونها كذلك؟!
وفي السياق ذاته، أصدرت بلدية حيفا، على سبيل المثال، تعليماتها “إبقوا بقرب الملاجيء”، كما أقدم “الجيش” على إغلاق عشرات المصانع التي تحوي مواد خطرة، ضمن دائرة تبعد عن الحدود اللبنانية إلى مسافة تصل إلى 40 كلم. والغريب أن يترافق ذلك مع قول الناطق الرسمي باسم الجبهة الداخلية: “مؤقّتاً لا توجد تعليمات خاصة”..؟!