ثلاثاء “البيجر” وأربعاء “اللاسلكي” الدمويّان!؟ نتائج مخيّبة لآمال “الكيان” (الجزء الثاني)
ماتريوشكا نيوز
أقدم “الكيان” النازي المجرم عصر الثلاثاء 17/9 الجاري على ارتكاب جريمة إبادة جماعية استهدفت عموم الشعب اللبناني وطالت حتى مناطق في القطر السوري، تضاف إلى مئات الجرائم والمجازر التي ارتكبها وما زال بحق الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية وخاصة اللبناني والمصري والسوري والأردني التي يمتلئ بها تاريخه الدموي الموثّق. وهاتان المجزرتان تنمّان عن مستوى الانحطاط بأبشع تجلياته والخسّة والانحدار بل الإفلاس والإحباط واليأس والضعف المتزايد الذي بلغه هذا الكيان المتهالك الذي لا يتقن غير ذلك، ولم يفلح سوى في قتل المدنيين الأبرياء، تماماً كأساتذته المتوحّشين من الأمريكان والغرب الاستعماري الذي صنّعه وغرزه خنجراً مسموماً في فلسطين والمنطقة وفرضه على العالم؟!
في الجزء الأوّل من هذا التقرير التفصيلي، عرضنا جملة الرسائل التي أراد “الكيان” النازي إيصالها لجبهته الداخلية المتهالكة وللداخل اللبناني والعربي والإسلامي والعالم أجمع وحتى لداعميه وصانعيه الأصلاء في واشنطن وأصحاب القرار في عواصم الغرب الاستعماري.. ولكن ماذا حصد مما أراد، هو ما سنحاول في الجزء الثاني من هذا التقرير التحليلي تقديم إجابات متواضعة له. فهل انقلب السحر على الساحر، وأصابه ما أصاب فرعون وسحرته كنموذج ساطع لكل المستكبرين والمتغطرسين ومرتكبي المجازر عبر التاريخ الإنساني، هذا الفرعون المتجسّد في الغرب الاستعماري بزعامة “البلطجي” الأمريكي، وسحرته في الحركة الصهيونية العالمية وتجسيدها الذي يمثّله شرّ تمثيل “الكيان” النازي الذي يحاول جاهداً الاحتفاظ بدوره المرسوم له مسبقاً “أزعر الحي”، ولكن هيهات.. هيهات؟!
يُقال “إن الضربة التي لا تُميتك تُقوّيك”، كما يقال أيضاً “رُبّ ضارة نافعة”، وهذا بالضبط ما عبّر عنه أصدق تعبير سماحة سيّد المقاومة في خطابه الحصيف، مطمئناً المحبّين ومخيّباً آمال المتربّصين والشامتين المفلسين كذلك، حيث حالت يقظة رجال المقاومة الذين خبروا مكر ودهاء وإجرام عدوّهم دون وقوع كارثة كبرى أعدّ لها وأرادها هذا العدو النازي، ويبدو أنه اضطر لارتكاب مجزرتيه قبل أوانهما المحدد مسبقاً، وفقد بذلك الورقة السحريّة الأخيرة في جعبته، محوّلاً هذا “الجوكر” المخبّأ إلى مجرّد سهم طائش، مضيّعاً نهر المعلومات الاستخبارية المنساب من خلاله، وحارقاً أهم ورقة قد يستخدمها في أوانها لتحقيق ما يصبو إليه على صعد جبهته الداخلية واللبنانية والعربية والغربية والعالمية، فلم يحصد سوى خيبات مضاعفة وصفر مُربّع وخسائر صافية تضاف لخيباته وخسائره المتراكمة. وهو ما كان متوقّعاً، وما ستكشفه قادم الأيّام وعلى كافة الصعد، وهذا حال كافة الحمقى المتغطرسين والفراعنة والهتلريين على مرّ التاريخ والأزمنة الغابر منها والمعاصر.
وما زاد طينته بِلّة ويأسه وإحباطه يأساً وإحباطاً على يأس وإحباط، هو ما ظهر من مواقف ومشاهد وحدة ولحمة الشعب اللبناني على اختلاف مشاربهم وطوائفهم والفزعة العربية وحجم التضامن العربي والإسلامي والعالمي، بل و”الفزعات” السورية والأردنية والعراقية وغيرهم، وهو ما لم تكن تحلم به بل وتسعى له جبهة الإسناد اللبنانية منذ أمد بعيد، وصدق الله جلّ في علاه بمخاطبة رسوله الكريم قائلاً: “لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ” (الأنفال:63) وهو بداية واعدة يفترض إلتقاطها والبناء عليها، على كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والإعلامية والقانونية وحتى العسكرية، وخصوصاً من الدولة اللبنانية في إطار رسم استراتيجية الرد وتدفيع الثمن غالياً لهذا العدو المجرم على مجازره غير المسبوقة في التاريخ الإنساني قديمه وحديثه.
وأمّا على صعيد جبهته الداخلية القلقة والمهترئة، فحدّث ولا حرج، فقد ازدادت قلقاً على قلق، وشكوكاً بضعفهم على شكوك، وأُضيف لقناعاتهم بالإفلاس والفشل جرعة كبيرة جديدة ستظهر نتائجها تباعاً، وأضحت أهدافهم تجاه جبهة الإسناد اللبنانية في مهب الريح إن لم تكن في خبر كان، فلا مستوطني الشمال الفلسطيني سيعودون لمستوطناتهم، ولا تهديداتهم بالاجتياح البرّي وخلق “حزام أمني” جديد سيفيدهم بل ربّما سيشكّل هدية و”فرصة ذهبية” منتظرة بفارغ الصّبر، ولا تضعضعت أو ضعفت أو حتى مُسّت بنية المقاومة ونظام القيادة والسيطرة فيها، ولا حصل تأليب لبيئة وجمهور المقاومة، ولا أحدثت المجازر شرخاً أو أيقظت فتن داخل مُكوّنات الشعب اللبناني، ولا خضع لبنان الرسمي والشعبي لكافة الضغوط والإغراءات لإيقاف جبهته المساندة لغزة المنكوبة، ولا تضعضعت وحدة الساحات بل ازدادت تماسكاً ورسوخاً وإصراراً، وربّما عنفواناً ودفعة قوية جديدة ستكشف عنها الأيام القادمة. ومقابل هذه الإخفاقات وغيرها الكثير الذي سيظهر في المستقبل المنظور، منحت هذه المجازر النكراء ما كان منتظراً من الإجماع الوطني اللبناني والشرعية الوطنية والدولية لخوض حرب شاملة ومفتوحة إن تطلّب الأمر ذلك، وبلا سقوف أو ضوابط ومُحدّدات أو خطوط مُلوّنة أو حتى قواعد اشتباك، حيث شرعنت وسوّغت مجازره الحمقاء والغبية كل ذلك، وكما يقال: “على نفسها جنت براقش”.
وأما داعمي “الكيان” وشركائه الإصيلين في مجازره وجرائمه النكراء، في واشنطن وعواصم الغرب الاستعماري المتغطرس، فقد وضعتهم مجزرتي “البيجر” و”اللاسلكي” في موقف لا يُحسدون عليه، فلا هم قادرين على لفظها أو ابتلاعها وهضمها، حيث أضافت لهم “وصمة عار” جديدة ومستحدثة وغير مسبوقة إلى سجلّهم العفن والنّتن، ولن تفيدهم محاولات التنصّل من العلم المسبق بهما، أو سوق تبريرات مضحكة لربيبتهم المدلّلة في تل أبيب، ولا ستجدي ضغوط تمارس على لبنان الرسمي أو حتى وسطائهم من المطبّعين العرب وغير العرب والذين أضحوا شركاء في حرب إبادة الشعب الفلسطيني ومنح “الكيان” المجرم المزيد والمزيد من الوقت الإضافي المستقطع لتمكينه من الإيغال في دماء الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
ولعل ما أبدته تصريحات نتنياهو من مخاوف جدية من شلّ كافة مرافق كيانه الحيوية بكبسة زر، تعكس ارتداد السحر على الساحر، فهو من فتح الباب على مصراعيه لاستخدام هكذا سلاح يُفترض أن يستخدم لخير البشرية استخداماً في المجازر والإبادة وجعل من هذه السابقة وبالاً سيدفع العالم أجمع إثماناً باهظة لقاء صمته المريب على أفعال هذا الكيان النازي وتحدّيه الفظّ لكافة نصوص قوانينه الدولية والإنسانية. وهو ما حذّر منه مراراً وتكراراً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأما جبهة الإسناد اللبنانية التي منحتها هذه المجازر دفعة نشاط وفعّالية وتأثير إضافية ومباشرة، فتمضي بثقة أكبر وعزم شديد في معركتها الخيّرة لمؤازرة وإسناد الشعب الفلسطيني المكلوم، في موقف تاريخي قلّ نظيره. ولسان حالها يقول: “القافلة تسير والكلاب تعوي”، و”العقاب العسير” قادم لا محالة وهو “ما سيُرى لا ما سيُسمع”
“ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأنباء ما لم تُزوّدِ”