صحافة وآراء

من ميناء الحديدة إلى تل أبيب.. قراءة في تصاعد التوترات الإسرائيلية الحوثية

بقلم علي الجابري

كشفت تقارير صحفية أمريكية عن تنفيذ غارة أمريكية الأسبوع الماضي بالقرب من بغداد، أسفرت عن مقتل قائد بارز في جماعة أنصار الله (الحوثيين)، متخصص في تصنيع الطائرات المُسيّرة، حيث استهدفت الغارة مجموعة مسلحة كانت تستعد للهجوم على القوات الأمريكية في المنطقة.

وفي تطور متصل، أعلنت جماعة أنصار الله يوم الاثنين عن إسقاط طائرة أمريكية مُسيّرة من طراز MQ-9 فوق محافظة صعدة شمال اليمن، وجاء هذا الإعلان في وقت يشهد فيه الوضع الإقليمي تصاعداً ملحوظاً في التوترات.

وتزامن هذا التصعيد مع التنبؤات المتزايدة بشأن احتمال شن إيران ضربات ضد إسرائيل في الساعات القادمة، كرد فعل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران قبل أيام.

ومنذ نوفمبر الماضي، شنت جماعة الحوثيين هجمات على السفن المتجهة إلى إسرائيل قبالة سواحل اليمن، تضامناً مع الفلسطينيين في صراعهم ضد الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه الغاشم في قطاع غزة.

وكرد فعل على هذه الهجمات، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا تنفيذ غارات جوية وهجمات صاروخية على مواقع الحوثيين في اليمن منذ بداية هذا العام.

فيما وسّعت جماعة أنصار الله نطاق هجماتها لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية في البحر العربي والمحيط الهندي، وأي مواقع أخرى يمكن أن تصل إليها أسلحتها. يستمر تصاعد التوترات الإقليمية مع احتمال وقوع المزيد من التصعيد في ظل الأوضاع الحالية.

تداعيات التصعيد الإسرائيلي الحوثي

تُعَدُّ التطورات الحالية في الصراع بين إسرائيل وجماعة الحوثيين بمثابة حلقة من مسلسل طويل من الفعل ورد الفعل، مما يفتح المجال لاحتمال تكرار هذا النمط بشكل قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الإقليمي. التصعيد الأخير بين الجانبين يعكس تصاعداً ملحوظاً في التوترات، ويشكل تهديداً مباشراً لجهود التهدئة ووقف الحرب في غزة. هذا التصعيد لا يعكس فقط اشتعالاً في جبهة جديدة، بل يزيد من تعقيد جهود السلام ويؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية في المنطقة.

بعض المراقبين يرون أن تصاعد وتيرة التصعيد قد يكون استراتيجية للضغط على الأطراف المتنازعة، بما في ذلك إسرائيل وجماعة الحوثيين، بهدف دفعهم نحو التوصل إلى اتفاقات لوقف النزاع. يُعتقد أن هذا التصعيد يعكس توتراً متزايداً وشعوراً بالقلق من التبعات السلبية التي قد تنجم عن استمرار النزاع، مما قد يتجاوز قدرات الأطراف المعنية ويؤدي إلى تفشي الأضرار والضغوط الإنسانية.

تراكم الحسابات الخطأ

تُظهِر الأوضاع الحالية أن القدرة على ضبط الحسابات وقراءة الرسائل بين الأطراف المتنازعة أصبحت أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، خاصةً في ظل استخدام الصواريخ والطائرات المُسيّرة المفخخة. هذه الوسائل تجعل من الصعب تحديد الأهداف بدقة، مما يزيد من احتمالية الأخطاء والتصعيد غير المقصود. على سبيل المثال، قد تكون الطائرة الحوثية قد أخطأت هدفها في إسرائيل، حيث اقتربت مسافة قصيرة من مبنى دبلوماسي أمريكي. لو كانت الطائرة قد أصابت المبنى بالفعل، لكان لذلك تأثير كبير على الوضع الإقليمي والدولي، مما قد يؤدي إلى تفجر أزمة أكبر.

هذه الأخطاء المحتملة تعكس التحديات الكبيرة في إدارة التصعيد وتفادي الأضرار الجانبية التي قد تنتج عن الأخطاء في التقدير. الأضرار التي قد تنجم عن هذا النوع من التصعيد يمكن أن تؤدي إلى تصعيد غير متوقع، مما يزيد من تعقيد جهود التهدئة ويعرض جميع الأطراف لمخاطر أكبر.

الرد الإسرائيلي

تتجلى الضربة الإسرائيلية على ميناء الحديدة كعنصر رئيسي في الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة التهديدات الإيرانية، حيث يراها المراقبون الإسرائيليون كجزء من “حلقة النار” التي تطوق بها إيران خصمها إسرائيل. من خلال هذه الضربة، تعكس إسرائيل محاولة لإرسال رسالة قوية إلى إيران، بدلاً من توسيع المواجهة مع الوكلاء مثل الحوثيين. يُظهر هذا الرد الإسرائيلي أن هناك تحركاً نحو استهداف القاعدة التي تدعم هذه الجماعات، مع التركيز على إيران باعتبارها مصدر التهديد الرئيسي.

في هذا السياق، يبرز تحليل تصريحات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيل هجاري ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث يؤكدون على أهمية عدم تجاهل مسؤولية طهران عن التصعيد الحالي ضد الكيان المحتل، حيث تشير التصريحات إلى أن إسرائيل لا تعتبر التصعيد مجرد تفاعلات مع الوكلاء، بل ترى أن هناك مسؤولية مباشرة لإيران في تأجيج الوضع، مما يجعل من الضروري اتخاذ إجراءات مباشرة ضد طهران كنوع من “الضغط المضاد”.

الكيان الغاصب، بتأكيده على الدور الإيراني في هذا التصعيد، يسعى إلى توجيه رسائل للتأثير على سياسات إيران وتحديداً على كيفية دعمها للميليشيات في المنطقة. ويُظهر هذا المنظور الإسرائيلي أن هناك استعداداً للانتقال إلى خطوات أكثر حدة في الاستراتيجية الإقليمية، بما في ذلك احتمال تنفيذ عمليات مباشرة ضد الأهداف الإيرانية.

الأذرع الطويلة

نفذت إسرائيل هجومها على ميناء الحديدة باستخدام مقاتلات متقدمة من طرازF-15 و  F-35، التي غطت مسافة تتجاوز 1700 كيلومتر، وهو ما يمثل أطول ضربة هجومية تنفذها إسرائيل حتى الآن. هذا الهجوم يعكس قدرة إسرائيل على استخدام “اليد الطويلة” للوصول إلى أهداف حيوية ضمن نطاقات بعيدة، مما يدل على قدرة عملياتية متقدمة في تنفيذ عمليات عسكرية دقيقة على مسافات طويلة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد أن هذا الهجوم يعكس القدرة الفائقة لإسرائيل على التأثير في الأهداف الاستراتيجية حتى في مواقع بعيدة.

من جانبها، جماعة الحوثيين تعبر عن قدرتها على الرد بالمثل، حيث تدعي امتلاكها لـ “الذراع الطويلة” من خلال قدراتها المتطورة في استخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار. الحوثيون يعتبرون أن هذه القدرات تمكنهم من توجيه ضربات مؤثرة إلى أهداف في المنطقة، بما في ذلك السفن والمواقع العسكرية التي تقع على بُعد مسافات شاسعة.

الاستراتيجيات المتبعة من قبل كلا الطرفين تعكس تصعيداً في مستوى التوترات العسكرية والتقنية بين الأطراف المتنازعة، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي ويعزز من إمكانية وقوع المزيد من المواجهات في المستقبل. في ظل هذه القدرات العسكرية المتطورة، يبدو أن الصراع بين إسرائيل والحوثيين قد يدخل مرحلة جديدة من التصعيد والتطورات العسكرية.

ميزان القوة العسكرية

تقييم ميزان القوة العسكرية بين إسرائيل وجماعة الحوثيين يظهر تفاوتاً كبيراً، خاصة في ضوء الهجوم الأخير بطائرة “يافا” المُسيَّرة الحوثية. رغم نجاح الحوثيين في اختراق الدفاعات الإسرائيلية عبر استراتيجيات خداع وتمويه، إلا أن هذا الهجوم يكشف عن ثغرة ملحوظة في الدفاعات الإسرائيلية ضد الطائرات المُسيَّرة المتطورة. هذه الثغرة تمثل نقطة ضعف يمكن أن تُستغل في المواجهات المستقبلية، مما يعزز الحاجة إلى تحسين وتعزيز قدرات الدفاع الجوي.

تعمل إسرائيل حالياً على تطوير منظومة “الشعاع الحديدي” لتعزيز قدرتها على التصدي للطائرات المُسيَّرة والصواريخ المتطورة. هذه المنظومة تهدف إلى سد الفجوات في الدفاعات الجوية وإعطاء إسرائيل ميزة استراتيجية في مواجهة التهديدات المستقبلية. في ظل هذا التطور، قد تبدأ إسرائيل في تنفيذ عمليات هجومية موسعة تستهدف مصادر الهجمات، سواء من لبنان أو اليمن، في محاولة للحد من المخاطر وتعزيز أمنها القومي.

بالمجمل، يظهر ميزان القوة العسكرية أنه رغم تفوق إسرائيل التكنولوجي وقدرتها على تنفيذ ضربات بعيدة المدى، فإن التهديدات الجديدة من الطائرات المُسيَّرة تفرض تحديات جديدة. هذه الديناميكية تعكس ضرورة استمرار التطوير والابتكار في استراتيجيات الدفاع والهجوم لتحقيق التفوق العسكري في ظل تزايد التهديدات الإقليمية.

فتح جبهة جديدة

في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، قد يؤدي فتح جبهة قتال جديدة إلى توسيع نطاق النزاع الإقليمي بشكل ملحوظ. تفتقر الأوضاع الحالية إلى قيود واضحة للتصعيد، ما يرفع من احتمالات زيادة الصراعات والتوترات في المنطقة. في هذا السياق، تشير التسريبات إلى أن هناك تبادلًا مكثفًا للاتصالات بين واشنطن وطهران عقب الضربة الإسرائيلية الأخيرة على ميناء الحديدة في اليمن.

الضربة الإسرائيلية على الحديدة، التي استهدفت مواقع حيوية تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أثارت ردود فعل قوية من إيران والولايات المتحدة. في محاولة لاحتواء الوضع ومنع تصعيده أكثر، طلبت الولايات المتحدة من إيران عبر قنوات دبلوماسية وقف التصعيد في المنطقة، محذرة من تداعيات محتملة قد تؤدي إلى توسيع دائرة النزاع.

من جهة أخرى، اتهمت إيران الولايات المتحدة بدعم إسرائيل في تنفيذ تلك الضربة، معتبرة أن هذا الدعم يشكل تصعيدًا غير مبرر. وقد أجرت طهران اتصالات مع وكلائها في اليمن والعراق، للتحقق من استعداداتهم لمواجهة الرد الإسرائيلي المحتمل. هذه الاتصالات تكشف عن استجابة إيرانية سريعة ومنسقة، تهدف إلى تعزيز جاهزية القوى التي تدعمها في مواجهة أي تصعيد عسكري قد ينجم عن تلك الضربة.

المصالح الأمريكية واستراتيجياتها

في ظل الظروف السياسية الحالية، تبدو المصالح الأمريكية متركزة على تحقيق وقف فعّال لحرب غزة وإبرام صفقات بين الأطراف المتنازعة. تسعى واشنطن إلى تحقيق تفاهمات مع إسرائيل وحماس من جهة، ومع إسرائيل وحزب الله من جهة أخرى، من أجل احتواء النزاع ومنع تفاقمه. هذه الاستراتيجيات تهدف إلى تقليل التصعيد والحد من الخسائر الإنسانية والاقتصادية المحتملة.

ردود الفعل الإيرانية وتطورات الصراع

بالنسبة لإيران، فإن الرسائل التحذيرية التي أرسلتها إلى إسرائيل بشأن التحول من “حرب الاستنزاف” إلى “حرب شاملة” مع حزب الله تشير إلى موقف متشدد. من الواضح أن طهران تسعى إلى تعزيز قدراتها الهجومية وتطوير استراتيجياتها العسكرية، في ظل التصعيد المتزايد والتهديدات المتبادلة. إيران قد تكون بصدد اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز دور وكلائها في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تصعيد أوسع في الصراع.

 

تراكم الحسابات الخطأ والتداعيات المحتملة

يبقى السؤال الأبرز حول مدى تراكم الحسابات الخاطئة والتداعيات المحتملة للتصعيد المستمر. في ظل غياب قيود واضحة للتصعيد وعدم وجود قنوات فعالة للحوار، من الممكن أن تتفاقم الأوضاع بشكل يخرج عن السيطرة. التصعيد الحالي قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة، بما في ذلك زيادة الأضرار البشرية والبنية التحتية، وتعقيد جهود التهدئة والسلام في المنطقة.

في الختام، تظل الأوضاع في المنطقة متوترة، مع احتمالية كبيرة لزيادة الصراع والإضرار بالأمن الإقليمي والدولي. تبقى الحاجة إلى إجراءات دبلوماسية فعالة واستراتيجيات تهدئة ضرورية لتجنب وقوع أزمة واسعة النطاق وتخفيف تأثير التصعيد على المدنيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى