“ لدى الزعماء الاستبداديين كل الأسباب التي تدفعهم إلى ضمان حسم الانتخابات لصالحهم. وكلما ازدادت قوتهم أكثر، ازداد أيضًا خطر عثورهم على طرق لضمان ذلك.“
استكمالاً لما ورد في الجزء الأول تحت هذا العنوان في المقال الذي كتبه ” عيدو باوم” ونشرته “هآرتس” يوم 1/9 الجاري يضيف الكاتب:
الطريق إلى الاستبداد: حتى لو لم يكن نتنياهو يتخذ لوحده قرارات بشن الحرب، آن الأوان لتقييم موقع دولة إسرائيل على مسطرة قياس الاستبداد. من يعلم متى يمكن أن تلتقوا بسائح في الشارع فيبدي فضولًا لاستيضاح ماهية نظام الحكم في إسرائيل؟ مثلما أن الأنظمة الديمقراطية ليست متماثلة تمامًا، كذلك أيضًا الأنظمة الاستبدادية ـ موجودة على مسطرة قياس. في طرفها الأقصى، شخصيات مثل زعيم كوريا الشمالية، كيم يونغ وان، أو الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، الذي تم انتخابه بالفعل في العام 2013 لتولي رئاسة بلاده، غير أنّ دولًا عديدة في العالم لا تعترف به على خلفية المؤشرات الواضحة للاستبداد في نظامه. ألكسندر لوكاشنكو، رئيس دولة بيلاروسيا (روسيا البيضاء) منذ العام 1994، هو مثال للحاكم المُضطهِد الذي يقمع معارضيه والمظاهرات المناوئة له، كما أن الانتخابات في بلاده ليست حُرّة. إلى جانب هؤلاء، فلاديمير بوتين في روسيا ورجب طيب أردوغان في تركيا هما نموذجان للحاكم الاستبدادي، لكن أكثر “أناقة” بقليل! على امتداد مسطرة القياس نجد دولًا تختلط فيها سِمات استبدادية مع بقايا مؤسسات ديمقراطية، مثل هنغاريا تحت حُكم فيكتور أوربان، والتي تصبو إليها أعين الائتلاف الحكومي في إسرائيل كنموذج يُحتذَى. الرئيس الهندي، نارنده مودي، ينتمي إلى هذه الفئة. من المتّبع أن تُشمَل في هذه الفئة، أيضًا، أذربيجان تحت حكم الرئيس إلهام علييف الذي انتُخب لاستبدال والده في العام 2003 ويحرص منذ ذلك الوقت على تعزيز وتكريس حُكمه من خلال انتخابات تشكل مثارًا للشكوك والشبهات ومن خلال انتهاك حقوق الإنسان.”؟!
ثم يُفصّل الكاتب الإجابة على السؤال الكبير الذي طرحه قائلاً: “ما هي معايير تقييم ما إذا كان القائد مُستبدًا؟ إليكم عشرة معايير (غير شاملة) يمكنها أن تشير إلى موقعنا على الطريق نحو تحوّلنا إلى نظام استبداديّ:
استقلالية الشرطة وقوى الأمن: هل يجري استغلال الجيش، قوى الأمن والشرطة من أجل إسكات معارِضين للحكومة والنظام؟ رقبة الشرطة موضوعة تحت جزمة بن غفير. رؤساء الأذرع الأمنية الأخرى يخوضون معركة دفاعية أمام الحكومة عن استقلالية هذه المنظومات.
العلاقات الدولية: هل تعاني الدولة من عزلة دولية أو من عقوبات دولية؟ العزلة المتفاقمة التي تعاني منها إسرائيل ليست نتاجًا مُباشرًا لوضع الديمقراطية. لا يمكن الاشتباه بأن المقاطعة التجارية التي فرضها الرئيس التركي على إسرائيل تهدف إلى إنقاذ المحكمة العليا أو تعزيز حقوق الإنسان. لكن، في المقابل، لا يمكن الفصل أيضًا بين علامات النظام الاستبدادي وبين أحداث من مثل التهديد باستصدار مذكّرات اعتقال دولية بحق رئيس الدولة ووزير الأمن، فرض الحظر (إمبارغو) على بيع الأسلحة من جانب دول صديقة، قطع العلاقات الأكاديمية والعلاقات الشخصية المركّبة مع الرئيس الأمريكي.
تركيز القوة بين يديّ شخص واحد أو مجموعة مُسيطِرة: في نظام الحكم الاستبدادي (الأوتوقراطي) يتم تركيز قوة كبيرة جدًا بين يديّ شخص واحد أو مجموعة مُسيطِرة. إلى جانب استجماع القوة، تتميز الأنظمة الاستبدادية أيضًا بإضعاف التوازنات والكوابِح. في حالتنا نحن، الهجوم الدائم دون توقف ضد المستشارة القضائية للحكومة وضد المحكمة العليا يرفع مؤشر الاستبداد عاليًا.
سُلطة القانون: هل يخضع الزعيم أو المجموعة الحاكمة للقانون أم أنهم يحددون القانون لأنفسهم ولمصلحتهم الشخصية؟ هنالك الكثير من العلامات التي تدل على أن نتنياهو والحكومة يتجاهلون القانون. على سبيل المثال، الاستمرار الاستثنائي في محاكمة نتنياهو، إلى جانب الضغوط التي تُمارَس على شهود الادعاء والمضايقات التي يتعرضون لها؛ تعديل (قانون أساس: الحكومة) لتصعيب إقرار عدم أهلية نتنياهو لإشغال منصب رئيس الحكومة (وقد أجّلت المحكمة العليا بدء سريان هذا القانون إلى الكنيست المقبلة)؛ محاولة عزل موظفين في القطاع العام بدون أي مبرر، كما حصل (ولجمنة المحكمة العليا) في حالة رئيس مجلس إدارة البريد؛ السعي إلى تعيين أشخاص مقرّبين يشعل الأضواء الحمراء. رسالة (سيرورات العمل المشوَّشة) التي وجهتها المستشارة القضائية للحكومة هي التحذير الأشدّ خطوة في هذه الحالة.
استقلالية الجهاز القضائي: منذ سنة، تعمل المحكمة العليا بدون رئيس دائم ويواصل وزير القضاء سدّ الطريق أمام تعيينين جديدين فيها. وقد سبقت ذلك سنة كاملة من الجمود في تعيين قضاة جديد في هذه المحكمة، عندما حاول ياريف ليفين تغيير تركيبة جهة تعيين القضاة والسيطرة عليها. التهديد هنا واضح.
حرية التعبير، الصحافة والاحتجاج: هل هنالك حرية تعبير، حرية صحافة وحق التظاهر؟ هل تتحكم الحكومة بوسائل الإعلام؟ هنا، نحن في هبوط حُرّ. على شبكات التواصل الاجتماعي يسود سجال عنيف يعزز الاستقطاب ويُبعد الجمهور المعتدل عن الساحة. في وسائل الإعلام الرسمية، تدعم الحكومة بصورة منهجية قنوات بث مؤيدة لها. في الشوارع، تصطدم حملات الاحتجاج بردود الشرطة المتشددة، بدعم مباشر من وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.
المعارَضة: هل هنالك معارضة سياسية ـ حزبية وهل بإمكانها إسماع صوتها؟ في هذا السياق، كان وضعنا سيئًا جدًا منذ البداية. ثمة في إسرائيل معارضة وبإمكانها إسماع صوتها، إلا أنّ التركيبة البرلمانية تحدّ من قوّتها. فهي لا تستطيع إسقاط الحكومة، حتى لو فشلت الحكومة فشلًا ذريعًا. في هذا المعيار، حصلنا مُسبقًا على تقييم متدنٍّ في مؤشرات الديمقراطية، وعندما يتفاقم وضعنا في مؤشرات أخرى، يصبح من الواضح تمامًا مدى أهمية أن نقوم، عندما يحين الوقت، بإعادة فحص التركيبة البرلمانية ومدى قدرتها على موازنة نظام الحكم.
حقوق الإنسان* ويخلص الكاتب للقول: “لندع جانبًا ما يجري في المناطق المحتلة. مَن الذي سيرغب في قول أي شيء عن الطريقة التي يجدر التعامل بها مع المسلحين بعد حملة الـ “عليهُم” ضد رئيسة النيابة العسكرية التي أمرت بالتحقيق في شبهات ارتكاب مخالفات في مركز الاعتقال (سديه تيمان)؟ يبدو أن حقوق الإنسان الوحيدة التي تثير قلق الحكومة الحالية هي حق المتهرّب (من تأدية الخدمة العسكرية) في تلقي المعونات المالية الحكومية وكذلك حقّ ” فِتيان التلال” في التزام الصمت خلال التحقيقات معهم.
التحكُّم بالاقتصاد: هل تمتلك المجموعة المُسيطِرة تأثيرًا كبيرًا بشكل خاص على إدارة اقتصاد الدولة؟ قبل يوم 7 تشرين الأول كان رئيس الحكومة يماطل وظل يجرجر، حتى اللحظة الأخيرة، قرار تمديد فترة ولاية محافظ بنك إسرائيل واضطر إلى تمديدها، اضطرارًا، حين لم يتبقَّ أمامه خيار آخر. يتمتع المحافظ نفسه بالاستقلالية، لكنه لا يستطيع فعل الكثير في وضع الدوامة الاقتصادية. بدلًا من العمل سوية، تدور في داخل وزارة المالية مواجهة بين المستوى المهنيّ، (الموظفين) الذي يحظى بدعم خبراء من البلاد والعالم، وبين وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش. وستكون الميزانية العامة القريبة للدولة دليلًا على أي الطرفين هو الذي سينتصر في هذه المواجهة وما هي انعكاسات ذلك على الاقتصاد مستقبَلًا.
الانتخابات الحُرّة: هل تجرى الانتخابات بصورة منتظمة وبصورة حُرّة؟ هل يحترم الزعيم مدة الولايات القانونية أم يمدّدها تباعًا وباستمرار؟ في غضون ذلك، نحن بخير. سنحصل على إجابة حقيقية حتى موعد أقصاه تشرين الأول 2026، الموعد القانوني لإجراء الانتخابات المقبلة.
كوّة للأمل: هل بعد أحداث مثل الفشل في الاستعداد للحرب، الخسائر الكارثيّة للأرواح أو الأزمة الاقتصادية، يكون من الإلزاميّ إجراء انتخابات مبكّرة؟ من الجهة الأولى، ليس ثمة في إسرائيل قانون يُلزم الحكومة بالاستقالة في أعقاب فشل ما أو بأن تطلب ثقة الناخبين من جديد. ربما كانت هنا مثل هذه القاعدة المعيارية الشخصية ذات مرة، في زمن غولدا (مئير)، (يتسحاق) رابين و(مناحيم) بيغن. لكن منذ نتنياهو، القاعدة المعيارية معكوسة ـ لا أحد يقوم عن الكرسي.
من الجهة الأخرى، عندما ترفض الحكومة تحمّل المسؤولية عن الكارثة، لا تجدد ثقة ناخبيها بها، لا تعيّن لجنة تحقيق تزوّد الجمهور بالحقائق من مصدر موثوق، كما ترفض أيضًا المطالَبة الجماهيرية بإجراء انتخابات جديدة أو بإجراء تحقيق ـ فهذا كله بمثابة (علَم أحمر) في المنزلق الأوتوقراطي.
خلال الجلسة التي عقدتها الحكومة قبل أسبوعين، قال نتنياهو إن ائتلافه الحكومي يعكس (إرادة الشعب). هذه المقولة لم تعد مُقنِعة.
من بين المؤشرات على المُنحَدر نحو الاستبداد، تُعتَبر الانتخابات أكثر العلامات الواعدة بالتفاؤل. إذ، يمكن للانتخابات أن توقف العَدْو الإسرائيلي من المنطقة الديمقراطية إلى عوالم الاستبداد. في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في بولندا في العام 2023، تم لجم التراجع الديمقراطي في البلاد إثر خسارة حزب (القانون والنظام) اليميني المحافظ وصعود تحالف ليبرالي. وتثبت خسارة دونالد ترامب أمام جو بايدن، في انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة عام 2020، أن الزعماء الشعبويين ليسوا مُحَصَّنين، لكن بإمكانهم إلحاق الضرر، حتى لو خسروا. فترامب لم يعترف بالخسارة، ادعى وجود تزوير، شجّع الهجوم على مقر الكونغرس الأمريكي ولم يتوقف عن زرع الاستقطاب والكراهية.
التجربة البولندية تبعث الأمل، لكنّ قضية ترامب تدلّ على ضرورة الحذر من اللامبالاة. لدى الزعماء الاستبداديين كل الأسباب التي تدفعهم إلى ضمان حسم الانتخابات لصالحهم. وكلما ازدادت قوتهم أكثر، ازداد أيضًا خطر عثورهم على طرق لضمان ذلك”؟!