محاولة لقراءة الواقع بعيون واقعية، على خلفية استشهاد القائد المقاوم حسن نصر الله (الجزء الثاني)
بقلم د. أيمن أبو الشعر
• ” سُئل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: كيف نعرف أهل الحق في زمن الفِتن، فقال تتبَّعْ سهامَ الأعداء فسترشدك إليهم
فلنتحدث بصراحة
لماذا يبدو موقف بعض القوى العربية سلبيا جدا، بل سلبيا بشكل مذهل من حزب الله ومن زعيمه حسن نصر الله؟
نعم بكل بساطة لأنه الوجه الإيجابي المقاوم شبه الوحيد إلى جانب بعض المنظمات الفلسطينية، واليمن الذي هبَّ قدر استطاعته لمساعدة غزة، ولأنه خلال أكثر من ثلاثين عاما كان الوجه الناصع لمقاومة إسرائيل حين تخاذل كل العرب، وانتصر عليها في سجالات عسكرية عدة عجزت الجيوش العربية عن تحقيقها، بل حتى عن مقاربتها، وبالتالي من البديهي أن تعاديه القوى والوجوه المتخاذلة التي “ترتضى لرؤوسها دور الذنب” ” 1″. وظل هؤلاء متمسكين بموقفهم المتعنت على مبدأ المثل الشعبي “عنزة ولو طارت”، ولهذا تتوجه سهام الأعداء و”الأعدقاء” إلى حزب الله، وهناك قول حكيم جدا مضمونه: أن رجلا سأل علي بن أبي طالب كيف نعرف أهل الحق في زمن الفتن فقال له: تتبَّع سهام العدو فهي سترسشدك إليهم” “2”، من هنا لم يكن صدفة أن يتم اتهام حسن نصر الله باغتيال أهم رموز الحزب الشيوعي اللبناني بمن فيهم أمينه العام جورج حاوي، وإليكم ما قاله الحزب الشيوعي اللبناني في رثائه: ” ينعي الحزب الشيوعي اللبناني الأمين العام لحـزب الله السـيد حسـن نصـرالله ويدين بأشد العبارات الجريمة الوحشية والجبانة التي ارتكبها العـدو الصهيـوني باغتـيال الأمـين العام لحـزب الله السـيد حسـن نصرالله. وهو الشخصية البارزة التي لعبت دورا هاما في الحياة السياسية والعمل المقـاوم ضد العـدو الصهــيوني وفي دعم القضية الفلسـطينية، سواء في تحــرير لبنان من الاحــتلال الصهــيوني، أو في حـرب تموز، أو في معركة الاسـناد انتصارا لغـزة وفلسـطين ومقـاومـيها. ان الحزب الشيوعي اللبناني يعرب عن تضامنه وتعاطفه الكبيرين مع حـزب الله وقيادته وكوادره ومقــاوميه وكل محبيه، ويؤكد ان دماء الشهـداء المقاومين لن تذهب هدرا، فلسوف ترتد على الفاشـيين الصـهاينة تحريرا للبنان وفلسـطين واسقاطا لأنظمة التطبيع وحماتهم الولايات المتحدة الأميركية القائدة المشرفة على هذه الجريمة. ان الحزب الشيوعي اللبناني يتقدم بأصدق المشاعر الخالصة وبأحر التعازي من قيادة حـزب الله ومن عائلته ومحبيه، والنصر كان وسيبقى حليف الشعوب المضطهدة. الحزب الشيوعي اللبناني، بيروت في 28 – 9 – 2024.
الأسئلة تطرح نفسها
كيف لحزب قتل حسن نصر الله -كما يدعي المفترون- أمينه العام جورج حاوي، وعددا من أهم كوادره أن يرثي حسن نصر الله بعبارات التقدير الصادقة هذه، وإني على يقين أن بعض هؤلاء الحاقدين لن يتوانى عن اتهامه بقتل باتريس لومومبا عام 1961 حين كان عمر حسن نصر الله عاما واحدا، أو حتى جون كينيدي عام 1963 رغم أن عمره آنذاك كان ثلاثة أعوام وحسب، “وربما كان شريكا في اغتيال الجن لسعد بن عبادة” !!! قبل قرابة ألف وأربعمئة عام “3” فمن يتجرأ على مثل هذه الاتهامات لا يقرأ لا التاريخ ولا الجغرافيا ولا المنطق! ولكنهم يكذبون وهم يعرفون الحقيقة ولكنهم يُحرِّفون.
ومن هنا فإن من يكيل الاتهامات جزافا على من صان شرف العروبة، ومن يشمت بمن صان شرف العروبة بكل بسالة، لا بد أن يكون فاقدا للشرف ويتصرف بكل نذالة، ويسأل البعض لماذا تنفجر أصحاب الضمائر الحية وتعرّي الزيف منتقدة جماعتها ساعية لتصحيح الموقف الخاطئ، نعم مما يثلج الصدر أن هذه الألاعيب لا تنطلي عليهم، وقد عبروا عن رأيهم الحر بكل صراحة، خاصة الأنقياء جدا من رموز السنة، واستشهد هنا بما قاله فضيلة الشيخ غازي حنينة “رئيس مجلس أمناء تجمع العلماء المسلمين” الذي أعلن على الملأ أن الشيعة هم الذين استجابوا لنداءات الاستغاثة من النساء والأطفال والشيوخ والشباب من غزة، “لقد استجاب لهم شيعة جنوب لبنان بينما أهل السنة يغلقون معبر رفح في وجههم ويرسلون المواد الغذائية والمياه العذبة للكيان الصهيوني”. “4”
إسرائيل تعتمد على هؤلاء
أنا واثق من أن قسما كبيرا حتى من المعارضة المتشنجة ضد الحكومة السورية وتحديدا ضد بشار الأسد، لم يتجاوزوا حدود الانفعال والتطرف في مواقفهم، ولربما وصلوا حدَّ الشتائم، لكنهم لم يتجاوزوا الخطوط الحمراء، ولم ينغمسوا في الخيانة والتعامل المباشر مع إسرائيل، وإن راوَح بعضهم على تخومها، لكن قوى متشنجة أخرى أوغلت في التعامل مع إسرائيل كقوات سوريا الديمقراطية التي لم تكن لتتنمرد وتتجاوز بممارساتها العدوانية – وخاصة تجاه أهالي الجزيرة السورية- الكثير من الخطوط الحمراء لولا دعم المحتلين الأمريكان، وهؤلاء شرَعوا عمليا بالتعاون مع إسرائيل، ولم يخفوا تعاطفهم مع الإسرائيليين حتى أن بعضهم تطوع في الجيش الإسرائيلي حسب بعض المعطيات، والمخابرات الإسرائيلية تعمل في الواقع مع قوات سورية الديمقراطية منذ سنوات، وإسرائيل ترى في هذا التنظيم قوة داعمة لها في الوقوف ضد إيران حيث تشير المعطيات إلى أن هذا التنظيم بات يملك خمسين ألف مقاتل، وبعض التقييمات تعتبرهم قوى يسارية!!! كيف يمكن لأمريكا أن تتبنى وتدعم قوى يسارية، وكيف يمكن لقوى يسارية أن تطمح للانفصال عن أهل البلد الذين رعوها واستقبلوها واحتضنوها؟
والجانب الآخر أيضا تحت إشارة استفهام كبيرة وأقصد الجيش الحر الذي تموله وتسلحه وترعاه تركيا المحتلة لقسم من أراضي الشمال السوري بحجة مواجهة الأكراد الانفصاليين، ولابد من التنويه بأن صفة الانفصاليين هي صفة تنطبق على الجزء لا الكل، فقسم كبير من الأكراد في سوريا وطني أصيل، ويسعى للحفاظ على وحدة التراب السوري ويدرك أن انتماءه لسوريا كلها أفضل من انتمائه لإمارة مؤقتة ستزول مع هدر دم كثير للأسف بعد أشهر معدودة من تخلي أمريكا عنهم… ولا بد من القول أن تركيا أيضا تحافظ على علاقة جدية مع إسرائيل حتى أمنيا وعسكريا، وسبق أن ساعد الموساد الإسرائيلي تركيا في القبض على أوجلان، وأنقرة لم تنس صنيع تل أبيب هذا. وإذا أضفنا إلى هذين التجمعين الخطيرين على الوجود السوري عموما، فهناك أيضا عشرات التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وهي مستعدة للتحالف مع إسرائيل للخلاص من القيادة السورية انطلاقا من موقف طائفي ساطع، خاصة أن بينهم آلاف المقاتلين من الإسلامويين العرب والأجانب، ولهذا تتحدث إسرائيل بجرأة عن إمكانياتها خوض الصراعات بنجاح في الشرق الأوسط طالما لديها هذا الطابور الخامس المؤلف من عشرات آلآف المقاتلين، وعدد من جيوش الدول العربية نفسها، حتى أن نتنياهو أعلن بكل ثقة أنه قادر على تغيير النظام في إيران بأسرع مما يتخيل البعض “5”.
يتبع الجزء الثالث – الأخير
1- من قصيدة هذا أوان الجوع شدوا الأحزمة التي سألقيها لأول مرة في أمسية دمشق 7 تشرين ثاني 2024
2- ينسب هذا القول مرة إلى علي بن أبي طالب وأخرى للشافعي، وبغض النظر عن قائله ومدى صحة نسبه فهو قول حكيم حقا
3- سعد بن عبادة شخصية مشهورة قبل الإسلام وبعده وهو سيد الخزرج، ويقال أن الجن قتلته عام 635 ميلادية لأنه بال في حفرة يسكنها الجن!!!! وقد أنشد الجن الذين قتلوت قائلين:
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
وريمناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده
4- فيديو بات متداولا على اليوتيوب
5- روسيا اليوم تاريخ النشر:01.10.2024