صحافة وآراء

الدخول في مرآة الزمن

د. أيمن أبو الشعر

ولا أدري لماذا يعمد بعض الأشخاص إلى تشويه المعارضين الآخرين واتهامهم بما ليس فيهم على الإطلاق، وفي معظم الأحايين لأنهم ليسوا نسخة طبق الأصل عنهم! المعارضة تجمعات متنوعة تحمل هدفا رئيسيا واحدا وهو الخلاص من السلطة المستبدة وقد تحقق، ولكنها تحمل وجهات نظر عديدة متباينة وصلت سابقا حد التقاتل الدامي وعلينا رأب الصدع وليس تعميق التناحر وإطلاق الاتهامات جزافا… موقفي المناهض للسلطة معروف جيدا منذ زمن بعيد، ولكني كنت مُتوجساً من أن جميع الفصائل المسلحة لها طابع إسلامي متشدد، ناهيك عن توسع حتى قاطعي الرؤوس عبر داعش التي سبق أن سيطرت على مناطق واسعة من سوريا وأغارت حتى على السويداء… لذا يسجل لمن قام بإسقاط النظام أنهم فعلوا ذلك دون إراقة قطرة دم، ولهذا عبرت عن تأييدي للثورة خاصة أنها حققت ما يطمح إليه أكثر من 90% من الشعب السوري، وأتاحت الإفراج عن آلاف المسجونين وكشف مجازر نظام الأسد الهارب..

أنا فعلا مصاب بالدهشة فقد كنت أول شاعر معارض علنا وتشهد المنابر على ذلك منذ عشرات السنين، وأنا لم أسكت على الإطلاق بل كنت أتحدى وأفضح بقوة فلماذا هذا الجحود، وليس بالنسبة لي وحسب الأمر للأسف غدا ظاهرة حتى ليظن البعض أن وراءها مدبرين من مخلفات النظام! نحن بحاجة لجميع الأنقياء المعارضين حتى لو اختلفنا معهم قليلا… بعضهم يأخذ علي وقوفي مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وأنني وقعت كتابي الأخير وخلفي صورة بشار الأسد !!! يا ناس المسؤولون في معرض الكتاب الدولي في دمشق وضعوا خلف الطاولة التي وقع عليها مئات الكتاب مؤلفاتهم، ثم إن صوره في كل مكان المهم أن الثورة أزاحته هو قبل صوره، وأنا بعد أن انتبهت إلى ذلك اعتذرت عن المتابعة متعللا بوضعي الصحي!

هذا التسجيل القديم من إحدى أمسياتي في دمشق لقصيدة تهاجم رأس النظام وتصفه بالكرباج الأبله، وتحذر من تماديه وأنه سيتنامى ويتأله! وأذكر أيضا أنني ألقيتها في المكتبة الوطنية بحلب في أمسية حاشدة مذهلة، وجاءني بعدها تهديدات عديدة في بيتي في الأشرفية… بالمناسبة هناك عشرات القصائد والقصص والمسرحيات التي كانت تفضح النظام وممارساته الدموية… بعضها لحسن الحظ مسجل صوتا أو صوتا وصورة. آمل أن يُحكِّم بعض الأصدقاء ضمائرهم ويكفوا عن الاتهامات المجانية، أما البعض الآخر فأدري أنك لو أشعلت العشرة شموع سيؤكدون أنها “عنزة ولو طارت” … وسأقدم بعض هذه التسجيلات بين حين وآخر… مودتي لكم جميعا

(مقطع من قصيدة الدخول في مرآة الزمن)
في زمنِ الأنجمِ والقُدّاس
ينشدُّ السرجُ بظهرِ الأنسانْ
وتصيرُ الفرسانَ الخيلْ
لا تفتحْ نافذةً في الليلْ
فلصوصُ العتمةِ سَرقوا ألبسةَ الحُرّاسْ
قلْ أعوذُ بربِّ الناسْ
من أفعى تلتفُّ كثلجٍ أبيضَ فوقَ الراسْ
والحيةِ ذاتِ الأجراسْ
في زمنٍ يُشهَرُ فيهِ النابْ
تنتقلُ الطُرفَةُ كالمنشورِ السرّيْ
وتُهرَّبُ كالأفيونِ بقايا الأعصابْ
حتى الحلُم يُمارسُ أسلوبَ الإرهابْ
من يدري كيفَ يُعلَّبُ لحمُ الأطفالِ غداً
وتبُاعُ دماءُ الفقراءِ مثلجةً كعصيرِ العِنَّابْ
يا وطنَ الصمتِ المقهورِ بعرشِ الألقابْ
ماتَ سعادةُ والينا وانحطَمَ البابُ العالي
فانفتحتْ عشراتُ الأبوابْ
أصبحَ للحاجِبِ حُجّابْ
سُحِلَ النخّاسُ ولكنَّ الرقَّ ازدادتْ
حينَ تلوَّنَتِ الأثوابْ
والسِجنُ تحوَّلَ يافطةً والأصفادُ كتابْ
يا وطنَ المجدِ المرسومِ على خارطةِ الضعفاءْ
أشتاقُ لأغنيةٍ خرساءْ
تدخُلُ قلبي كلَّ مساءْ
أغنيةٍ ساحرةٍ صمّاءْ
تمنَحُني قبعَةَ الإخفاءْ
كي أدخلَ قاعاتِ الأسرارْ
وأفضحَ تزييفَ العُظماءْ
كي أخطبَ في حشدِ المسحوقينَ
وأغلقَ أفواهَ الخطباءْ
يا وطنَ الأضرحةِ تنبَّهْ
من صبوةِ كُرباجٍ أبلَهْ
فغداً يتنامى يتألَهْ
يا وطنَ الأضرحةِ تنبَّهْ
مَن فيكَ احتدَّ وصرخَ بوجهِ العتمةِ لم يتأوَّهْ
من قالَ الحقَّ ولمْ يتشوَّهْ

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى