صحافة وآراء

من الذكريات الجميلة في رحلة الحياة الإبداعية – الحلقة 1 “في روسيا والاتحاد السوفييتي”

د. أيمن أبو الشعر

• دفء حرارة لقاء الطلبة في جامعة نوفوسيبيرسك طغى على برد الأجواء الصقيعية آنذاك

بعد أن وصلت إلى موسكو بأشهر معدودة تواصلت مع اتحاد الكتاب السوفييت، وبدأت التعاون معهم أو عبرهم بنشاطات بسيطة في البداية، ولفت نظري بشكل ساطع أنني أعيش في مدينة شغلها الشاغل هو القراءة، وشعب محب للأدب والشعر والفنون إلى درجة غير عادية، ثم توسعت نشاطاتي الإبداعية وغدت حيوية جدا قبيل انهيار الاتحاد السوفييتي وخاصة قبيل دفاعي عن أطروحتي في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية العليا، حيث توطدت جدا علاقتي مع اتحاد الكتاب السوفييت في موسكو وخاصة عبر مستعربين يحبون البلاد العربية ويتفاعلون مع قضاياها من مثل إيغر يرماكوف وأولغا فلاسوفا، ناهيك عن أدباء وشعراء لهم شهرة عالمية -“سأتناول صداقتي معهم في حلقات قادمة”- وتكاثرت الدعوات التي تطلب مني أن أشارك في الأمسيات الشعرية والندوات الثقافية والمؤتمرات الأدبية، وحتى في المناسبات العالمية الهامة، ومن بين تلك الدعوات ذات الطابع الاستثنائي أنني دعيت بداية أيار آنذاك -في الحقيقة لم أعد أذكر العام تحديدا ولكنه أواسط الثمانينات حتما- للمساهمة ببعض القصائد “باللغة الروسية” في احتفالات أيار – عيد العمال العالمي الذي كان يستمر في الاتحاد السوفييتي عدة أيام، وكان نصيبنا مع وفد إبداعي كبير أن نحتفل مع طلاب وطالبات جامعة “نوفوسيبيرسك” جنوب شرقي سيبيريا على بعد قرابة 3200 كيلومتر عن موسكو، وبما أن طبيعتي ألا أنام ليلا بقيت متيقظا في الطائرة طيلة الرحلة ومن ثم أمضيت ساعات قليلة في الفندق أحتسي القهوة، أي أنني لم آخذ أي قسط من الراحة وهذا بحد ذاته يجعل الجسم أكثر تأثرا بالبرد، إلى أن اصطحبونا إلى مكان الاحتفال، وهو جامعة “نوفوسيبيرسك” حيث تجمع مئات الطلاب والطالبات…

كان اللقاء بسيطا شعبيا رائعا حقا، تحدث فيه ممثلو الطلبة وفنانون وأكاديميون وأدباء وقدمت فقرات فنية، وإن لم تخني الذاكرة قدم فنانون شباب من لبنان بعض الأغاني الثورية الي كانت محل ترحيب آنذاك، ما يؤكد أن الدعاية الغورباتشوفية هي التي أثرت بعد سنوات عبر تسخير جميع أجهزة الإعلام للدعاية للغرب ومهاجمة الاتحاد السوفييتي.

وقد أسعدني كثيرا تفاعل الطلبة الجامعيين إلى درجة مدهشة مع قصيدة قارع الطبل الزنجي التي ألقيتها باللغة الروسية…

ونقطة أخرى هي أيضا بالغة الأهمية وتعتبر من الذكريات التي لا تُنسى أن الكلمات والقصائد لم تكن في قاعة مغلقة، بل في ساحة الجامعة المكشوفة، وكان الطقس صقيعيا بكل معنى الكلمة، ولهذا كنت مضطرا لأن أضع يديّ في جيوبي اتقاء لذاك البرد كما أبدو في هذه الصورة من منصة الاحتفال، إذ لم يخطر ببالي أن يكون الطقس مثلجا ولم آخذ معي قفازاتي …

الرائع في الأمر أن حرارة اللقاء عموما والتفاعل الجميل من الطلبة حمّلاني شحنة دفء جميلة جدا انتصرت على موجة البرد الصقيعية آنذاك…

ومن الواضح أن المفارقات الهائلة بين حرارة اللقاء، ومدى برودة الطقس تحفر عادة بصماتها في الذاكرة…

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى