تقارير منوعة

حتى اغتيال نصر الله لا يحوّل نتنياهو من مُستعرِضٍ ترويجيّ إلى قائد

“عندما تفيض الحكومة بالجرائم والاعتبارات الغريبة، حتى عملية الاغتيال الأكثر نجاحاً لن تُنقذ إسرائيل من مصيرها البائس. أداء الأجهزة الأمنية، التي طعن نتنياهو فيها، يسلط الضوء على تدهوره كزعيم، وهو ما ظهر بوضوح في خطابه الفاشل في الأمم المتحدة”.

تحت العنوان أعلاه نشرت “هآرتس” مقالاً تحليلياً مؤخراً بقلم “يوسي فِرتِز” جاء فيه: ” عندما تفيض الحكومة بالجرائم والاعتبارات الغريبة، حتى عملية الاغتيال الأكثر نجاحاً لن تُنقذ إسرائيل من مصيرها البائس. أداء الأجهزة الأمنية، التي طعن نتنياهو فيها، يسلط الضوء على تدهوره كزعيم، وهو ما ظهر بوضوح في خطابه الفاشل في الأمم المتحدة. منذ 25 عامًا يبحث بنيامين نتنياهو عن إرث لنفسه، “ليجاسي” في اللغة المُفضَّلة لديه، يبقى من خلفه إلى الأبد. في نهاية المطاف، وفّره له سلاح الجو. إنه سلاح الجو الذي تمنى شلومو كرعي لمتطوعي سرب طائراته، الذي اغتال نصر الله، أن يذهبوا إلى الجحيم؛ إنه سلاح الجو الذي قال نتنياهو إن الدولة قادرة على تدبّر أمورها بدون اثنين ـ ثلاثة من أسراب طائراته، لكن ليس بدون حكومة (وهو ما يعين الشي ذاته فعليًا، لكن بلغة أكثر نظافة). بدون أي حكومة؟ بدون بتسلئيل سموتريتش، مثلًا، الذي بعد 21 شهرًا من توليه منصب وزير المالية، أصبح الاقتصاد الإسرائيلي وسُمعته يبدوان مثل حيّ من أحياء غزة؛ أو بدون ياريف ليفين، الذي يعد 21 شهرًا من إشغاله منصب وزير القضاء، أصبح الجهاز القضائي يصارع من أجل استقلاليته ومحاولاته المستمرة للقضاء على هذا الجهاز يرد ذكرها في بيان شركة (موديس) للتصنيف الائتماني كواحدٍ من أسباب الخفض المزدوج لتدريج الدولة الائتماني في يوم السبت الأخير. في الوقت الذي يجلس فيه في وزارة المالية مجرم اقتصادي؛ في وزارة القضاء مجرم قضائي؛ وفي وزارة الأمن القومي مجرم؛ ومن فوقهم رئيس حكومة جميع خطواته موبوءة باعتبارات غريبة، سياسية ـ حزبية وشخصية، فإنه ليس في وسع عملية الاغتيال الأكثر نجاحًا أن تنقذ إسرائيل من مصيرها السيء والمرير الذي تنزلق إليه بخطى متسارعة. كل المجد الذي في العالم لن يكون قادرًا على تغيير الطرق الملتوية التي يسير بها مَن يقود إسرائيل. ويحدث هذا بينما يدفع وزير المالية تصنيف إسرائيل الائتماني نحو مجموعة تضم كازخستان وبلغاريا، لكنه يعلم انه لا يمكن المساس به، بل العكس تمامًا ـ سيحصل على كل ما يطلب”.

ويضيف: “في المقابل، وزير الأمن ـ الذي يركّز كل اهتمامه على وظيفته فقط، والذي يحصل في استطلاعات الرأي على تقييمات مرتفعة، أعلى من أي عضو آخر في هذه الحكومة ـ لا يزال في مرمى النيران، مُستهدّفًا، وتحت المراقبة حاليًا. صحيح أن حالة الابتهاج الجماعي التي شهدناها جميعًا كانت في مكانها، لكن يجب ألا نخطئ وألا نكون لا مبالين. هكذا هم نتنياهو، بن غفير، سموتريتش وبقية أعضاء العصابة الضارّة. المحاولة المثيرة للشفقة لتحويل الرحلة غير الضرورية إلى نيويورك وعطلة نهاية الأسبوع التبذيرية ـ التلذذية، أي كان مخططًا هناك، إلى (عملية تمويه) لم تصمد ولم تنجح. فالحقائق، على عكس الرواية التي حاول رجال نتنياهو، وكأنهم وجدوا غنائم وفيرة، بناها منذ يوم الجمع، هي عكس ذلك تمامًا. لقد ماطل نتنياهو وتردد ولم يكن يريد، على أية حال، أن تتم عملية (الترتيب الجديد) قبل انتهاء عملية (السبت في مانهاتن) (تلبية أهواء سارة نتنياهو). في الحقيقة، لو لم تخرج فقاعة إعلامية جوفاء وكاذبة من هذا المكتب بعد الحدث، لكنّا ـ عندها فقط ـ سنتفاجأ”.

ويتابع: “حتى قبل تقرير ميخائيل هاوزرـ طوف حول هذا الموضوع في (هآرتس)، كان قد أصبح من الواضح بالفعل أن الرحلة كانت بالضبط ما كان من المفترض أن تكون: أسبوعًا من المتعة وتعظيم الذات. وقد أوضح توثيق حفل استقبال يوم السبت، في الفندق الذي كان يقيم فيه الوفد، هذا بالفعل، واستدعى مجموعة كبيرة من النكات المستحقة على الإنترنت. نتنياهو يتمنى (سبتًا هادئًا)، فتتذمر سارة ردًا على ذلك: (كان يجب أن يكون مختلفًا)، فيضطر زوجها إلى الرد: (حسنًا، هذا هو الموجود). تجدر الإشارة هنا إلى أنه بعد ساعة من النشر عن الحدث، طُلب من المسافرين في الرحلة إلى البلاد على متن طائرة (جناح صهيون) أن يستعدوا للعودة بسرعة فائقة. في نهاية الأمر، لم تقلع الطائرة سوى بعد مضي 12 ساعة. ما الذي حصل خلال تلك الساعات؟ العلم عند ربّ المعتوهين. من تجربة الماضي مع هذين الشخصين، يمكن القول إن التأخير المذكور لم يكن مرتبطًا بأمور عملانية”. لا تجوز المبالغة في تقدير أداء سلاح الجو خلال هذه السنة بشكل عام، وخلال الأسبوعين الأخيرين بشكل خاص. هذا إلى جانب المعلومات الاستخبارية الرائعة التي جمعها بواسطة (الشاباك) (جهاز الأمن العام)، (أمان) (شعبة الاستخبارات العسكرية) و(الموساد) (جهاز الاستخبارات الخارجية) على مدى 18 سنة، منذ حرب لبنان الثانية، تحت قيادة كثيرين من قادة (أمان)، بمن فيهم هرتسي هليفي أيضًا. في أعقاب اغتيال مجموعة قادة المخربين الكبار، بقي الشقيقان سنوار. لكن سلاح الجو لم يعد يستطيع المساعدة هنا، كما يبدو. ووجه زعيم حماس، الذي بقي نظيفًا من الإصابة على لوحة الأهداف، يجب أن يذكّر القيادة والمنظومة العسكرية ونحن جميعًا ـ المخطوفون الـ 101 يُتمّون الآن سنة كاملة من الجحيم في قطاع غزة، فجميع الانتصارات الإسرائيلية ستنتهي إلى الخسارة إذا لم تتم إعادتهم. قبل ساعة من الهجوم في بيروت، ألقى نتنياهو خطابًا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أمام قاعة فارغة، إذ تم إفراغها قبل الخطاب ومع بدايته. الخروج الجماعي لغالبية الوفود كان بمثابة مؤشر على المكانة الدولية التي تراجعت إليها إسرائيل بعد نحو عام واحد من 7 أكتوبر. لم يكن إلزاميًا أن يكون الوضع كذلك. مغادرة الشعوب أبقت في القاعة، بشكل أساسي، مؤيدي نتنياهو الذين تم نقل بعضهم برحلات جوية من البلاد بينما استُدعي آخرون للحضور إلى هناك من مختلف أنحاء المعمورة. صفق هؤلاء بحماس وهتفوا بطريقة جهويّة ومُثيرة للحرج بشكل فظيع. فقد بدا وكأنّ البناية في الجادة الثانية قد أصبحت مقرّ الليكود. ولم يكن في ذلك سوى تسليط الضوء على مدى بؤس الموقف”.

وختم: “أحد المعلقين المقربين من نتنياهو برر، مساء السبت، هذه الرحلة بالقول إن (الجهات الأكثر أهمية في العالم تتواجد اليوم في نيويورك). خطأ لغويّ. هذه الجهات (كانت) في نيويورك وغادرتها قبل أن يهبط فيها رئيس الحكومة نتنياهو. رئيسا حكوميّ صربيا وهولندا فقط هما اللذان بقيا هناك لمقابلة نظيرهما الإسرائيلي. لا بد أنهما تأثرا، تأثرًا بالغًا، بالإطراء الذي حظيا به في وسائل الإعلام الإسرائيلية. الخطاب نفسه كان مخيِّبًا للآمال، بل مُحرِجًا في كثير من أجزائه. كان الخطيبُ باهتًا، كثير الارتباك، وحتى في مجال وسائل الإيضاح كان يبحث عن ألعوبة خرائط (اللعنة والرقّة). وكان مُحرِجًا استذكاره المتباهي لـ(السلام مع السعودية) في الوقت الذي كانت فيه مقاعد أعضاء وفدها مهجورة، بشكل تظاهريّ، وفي الوقت الذي يعرف فيه الجميع ثمن هذا السلام ـ الاعتراف بدولة فلسطينية؛ أو القول الأجوف: (سأفعل كل شيء لإعادة المخطوفين). كانت تلك مسخرة. أمس (السبت)، أدلى ببيان الانتصار: أنا وأنا وأنا. فليكن. هو القبطان، على أية حال، وهو صاحب الكلمة الأخيرة. هكذا هي المسؤولية أيضًا. لكن أين كان الـ (أنا) بعد يوم 7 أكتوبر؟ لقد أجزل الشكر، بحق، لجميع الأذرع الأمنية، باستثناء أوركسترا الجيش الإسرائيلي، لكنّه قفز عن وزير الأمن يوآف غالانت الذي دفع قُدُمًا في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة لا يزال مترددًا. كيف يستطيع أن يكون صغيرًا، حتى في اللحظات الكبيرة.تحتاج إسرائيل في هذا الوقت إلى قائد سياسي، لا إلى مُستعرِض ترويجيّ أو خطيب موهوب (أقل مما كان سابقًا). تحتاج إلى شخص يحوّل الإنجازات مقابل حماس في قطاع غزة ومقابل حزب الله في لبنان إلى رافعة في خدمة الهدف الأكثر أهمية: إعادة المخطوفين. ثم، بعد ذلك، إرساء نظام إقليمي جديد، استعادة التعقّل في إدارة شؤون الدولة، إعادة ترميم علاقاتنا في المنطقة ومع الولايات المتحدة (الغاضبة على نتنياهو، مرة أخرى)، السعي الحقيقي لعقد تحالف مع السعودية لا يكون مرهونًا بحق النقض (الفيتو) من كلا الضارّين، سموتريتش وبن غفير، وإعادة الحياة إلى مجراها الطبيعي. نحن نستحق ذلك”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى