صحافة وآراء

ما وراء فتوى نتنياهو بقتل السيستاني؟!

بقلم د. علي عزيزأمين

أعلن وزير مالية “الكيان الصهيوني” والوزير في وزارة الدفاع بالفم الملآن المجرم الأوكراني الأصل “بتسئيل سموتريتش”: “نريد دولة يهودية تضم الأردن ومصر والسعودية ولبنان وسوريا والعراق”، وذهب في تصريح لاحق أبعد من ذلك موجهاً كلامه للأتراك بالقول: “أقول للأتراك إن إسطنبول ستصبح عاصمة لليهود قريباً. كل ما عليكم فعله هو انتظار المفاجأة”. وبذلك يكون قد أفصح عمّا يخطط له هذا “الكيان” العدواني التوسعي من استراتيجية قيد التنفيذ، وبلا مواربة أو لبس ومداراة، وهو المعروف بأنه يمثل والمجرم “بن غفير” الناطقين الفعليين بلسان زعيمهم المجرم النازي البولندي “بنزيون ميليكوفسكي”. والأهم أن أقواله لا تتوافق مع خرافة “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل” فحسب، وإنما هي ترجمة للمشروع الأمريكي المقرّ والمدعّم بالخرائط منذ النصف الأول من عقد ثمانينيات القرن العشرين الماضي بما عرف لاحقاً باسم “الشرق الأوسط الكبير”، والذي أفشله أو بالاحرى أرجأه الصمود اللبناني الأسطوري عام 2006، ثم تعثّر مخططات “الربيع العربي” لاحقاً، وإخفاق مشروعهم الدموي الذي أرادوه “مِعوَل” هدم لإعادة تجزئة المجزأ وفك وتركيب المنطقة وتحويلها إلى كيانات متناحرة تسوسها “الدولة القومية اليهودية” كلب حراسة مصالح الغرب الاستعماري في الشرق الأوسط المسعور.

وحسناً فعل “سموتريتش” بصراحته المتغطرسة، حيث وضع النقاط على الحروف، وبدّد أوهام الواهمين الحمقى ممَّن لا يزالون يعتقدون بأنهم بمنآى عن الاستهداف، وينامون على وسادات اتفاقيات العار والخيانة التي أبرموها برعاية واشنطن ومباركة الأمم المتحدة، من كامب ديفيد التي يصر نظام السيسي على تقديسها ويتباهى بالتزامه الصارم بها ولو من طرف واحد ويصطنع خطوطه الحمراء المستباحة إيّما استباحة، إلى وادي عربة وأوسلو التي أكل عليها الدهر وشرب، ومزّقها شر ممزّق مشروع “الدولة القومية اليهودية” الساري المفعول منذ لحظة إقراره عام 2018.

وإذا كان يقصد “سموتريتش” في مخاطبة الشعب التركي بأنهم لا يستطيعون تغيير ما ينتظرهم من استهداف، سوى انتظار المفاجأة والتي يلمح بها بوجود قرار محسوم قد اتخذته واشنطن وعصابة تل أبيب بضرورة القيام بإنقلاب عسكري وشيك في تركيا، كما فعلوا من قبل مع عدنان مندريس. وكما يعملون على تحضير شاه جديد لتغيير نظام الجمهورية الإسلامية في طهران ويحضرون شاه جديد يعيدها بالقوة إلى بيت الطاعة الأمريكية الصهيونية مجدداً.

وإذا كان مستوعباً استهداف لبنان وسوريا، فإنه من غير المستوعب طعن مصر كامب ديفيد، وأردن وادي عربة ووضعهما في دائرة الاستهداف، ومعهما السعودية التي أعلنت مراراً وتكراراً رغبتها في الالتحاق بقاطرة المطبّعين وجوقة “التطبيع” أو بالأحرى “التطويع” الإبراهيمي، وهو ما يحتاج إلى بحث تفصيلي آخر لا تتسع له هذه العجالة.

ويبقى العراق، عراق “بول بريمر” الذي لم يُظهر بعد التطبيع من فوق الطاولة، ويتظاهر بتمسّكه بما يسميه قادته “الحياد” في زمن لا حياد فيه، أو حسب منطق المجرم بحق العراق وطناً وشعباً جورج بوش الابن “مَن ليس معنا فهو عدوّنا”. وهنا لا بدّ من التنويه بإن العراق تحديداً لن تنقذه حتى الالتحاق بقافلة المطبّعين ولا كل الاتفاقيات والتفاهمات الأمنية مع واشنطن، ولا حتى الاعتراف بالكيان الغاصب أو تبادل السفارات معه، ومهما فعل قادته الحاليين ومرجعياته المختلفة فلن يفيدهم ذلك في شيء، وعبثاً يحاولون. حيث أن كافة خرافات التوراة والتلمود تشدد على ضرورة الانتقام من العراق ومحوه من الوجود، أو وفق العبارات التوراتية الزائفة “تحريمه” صغيره وكبيره ونسائه ورجاله وحتى بهائمه وشجره وحجره، ليغدو أثراً بعد عين. وذلك انتقاماً للسبي البابلي وما فعله نبوخذ نصّر قبل آلاف السنين، ولعلّ ما فعلته “داعش” صنيعة واشنطن وتل أبيب بحسب اعترافاتهما، ما هو سوى نموذج مُصغّر لما سيفعله الأصيل الإسرائيلي بمباركة ودعم صهاينة الولايات المتحدة بالعراق أرضاً وشعباً وتراثاً حضارياً.  

ويبدو أن قادة العراق ومرجعياته لم يدركوا بعد هذه المسلّمات والبديهيات، ولم يستيقظوا بعد من نشوة انتزاعهم مقاليد الحكم عام 2003 على ظهر الدبابات الأمريكية وبفعل آلة التدمير الشامل الغربية التي سفكت دماء مئات آلاف العراقيين الأبرياء ودمرت عشرات المدن والقرى العراقية الآمنة، واستباحت مقدّراته وحتى تراثه الحضاري الضارب آلاف السنين في عمق التاريخ الحضاري الإنساني. فها هو مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي يعرب متوهّماً عن حسن السير والسلوك “بان العراق ليس بمحور المقاومة أو أي محور آخر”، وهو لايملك من مسماه الوظيفي شيئاً ولا حتى أمنه الشخصي، ثم يعبّر في اليوم التالي عن رفضه القاطع المساس بالمرجعية ممثلة بالسيد علي السيستاني بعد أن وضعته قناة عصابة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير “14” في مقدّمة قائمة المستهدفين بالإغتيال، بل القتل مع سبق الإصرار والترصّد، ولن تفيده تصريحات السفيرة الأمريكية المنافقة بعكس ذلك، وهي التي تعكس سياسة رأس الكذب والنفاق العالمي “اليهودي الصهيوني” بلينكن المعتزّ بخدمة يهوديته وصهيونيته. وهنا نستذكر الفتوى التي أصدرها السيستاني عام 2003 بعدم قتال الأمريكان واعتبارهم محرِّرين! تلك الفتوى الفتنوية التي أوصلت حال العراق لما هو عليه اليوم، وشرعنت محاكمة وقتل الرئيس الشهيد صدام حسين وأولاده وحفيده الذين أفتى المرجع ذاته بأنهم ليسوا شهداء! لا لشيء سوى لأنه تجرأ على قصف “الكيان” الذي يستهدف المرجع الآن بـ 39 صاروخاً فاستحق الشنق بحبل صهيوني أمتاره تتماهى مع عدد الصواريخ، ليقدّموه ضحية للأمة العربية فجر عيد الأضحى ومع تكبيرات الأضحى المبارك إمعاناً في إهانة العرب والمسلمين جميعاً وبمباركة ذات المرجع. ولعل وضع المرجع في رأس قائمة استهداف “الكيان” المجرم لا يعبّر عن مدى الغل والحقد الدفين فقط بل على نكران الجميل لا سيما بعد كل ما قدّمه من خدمات جليلة للأمريكي وتحالفه الشرير ومن خلالهم للإسرائيلي في المحصّلة النهائية، وهذا ديدنهم في التعامل مع عملائهم وخُدّامهم بعد أخذ المراد منهم وانتهاء صلاحيّتهم، نعم فبعد أن أحكموا قبضتهم على العراق انتهت بالضرورة صلاحية العملاء.. وها هو رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بعد إدانته استهداف المرجعية، يُطالب الدول الكبرى بوضع حد لعدوانية “الكيان الصهيوني”، كمَن يتوسّل الباشا الأمريكي والغربي بلجم كلبهم المسعور، وهم الذين أطلقوا له الحبل على غاربه، فإذا كان غريمك القاضي فمن غير اللائق أن ترفع قضيّتك إليه أو تضع شكواك بين يديه، فالنتيجة محسومة سلفاً، وما هكذا تورد الإبل يا دولة رئيس وزراء العراق العظيم، الأكبر من كلّ شخوصه ومرجعياته والمفترض أن يحميه أبناؤه الأقوياء وجيشه التليد، ولا يستجدي أحداً كائناً مَن كان لحمايته والدفاع عنه والذود عن حماه، وهم الذين أثبتوا عبر تاريخه الطويل بأنهم قادرون على ذلك وأكثر، ولا يحتاجون سوى قيادة وطنية حكيمة تمتلك الإرادة والشجاعة، لا غير. وإعلم وتيقّن بأن كل الوطنيين العراقيين تواقين فعلاً لقيادة شجاعة تنتصر لفلسطين ولبنان وتنتفض لتحرير بلدهم من قبضة أمريكا الشر مهما تعددت قواعدها والتي مع كل أسف تحاول سيادتك ومعك زملائك، خداع الشعب بأنها قواعد لما يعرف بالقوات المشتركة الصديقة وهي لحمايتنا من داعش “قميص عثمان”. وتطهيره كذلك من محطات الموساد المنتشرة في كل العراق والتي مازال رجال المخابرات السابقين يتابعونهم ويضعونهم تحت مجهرهم حرصاً على بلدهم، وهم الذين اجتثهم الدستور الذي تحكمون بموجبه اليوم، لأن واضعه وكاتبه الصهيوني نوح فيلتمان كان يعلم إن هكذا رجال يجب اجتثاثهم من الحياة لأنهم الخطر الأول على كيانه الصهيوني وعلى وجوده، ولعلك تسمع الآن ذات المصطلح “الاجتثاث” الذي أطلقه المجرم النازي بنيامين نتنياهو زاعماً خاسئاً بأنه سوف يجتث حزب الله من لبنان.. فهل علمت يا مستشار الأمن القومي بحق أي أحزاب يطلق الغرب الصهيوني وعلى رأسه أمريكا الشر “الاجتثاث”؟ أكيد بقرارة أنفسكم تعلمون لكن حكم السيد الأمريكي أأنفع لشخوصكم المباعة برخص التراب وتفتقدون الجرأة على حتى قول ما  يخدش أي صهيوني،.كما فعلتم عام 1991 حين استنكرتم استهداف الجيش العراقي الباسل للكيان الصهيوني، حين كنتم في المعارضة طبعاً. وهنا إن كانت لديكم ثمة تطلع لتنظيف كل الماضي المصاحب لكم بكلّ قاذوراته، عليكم المسارعة قبل فوات الأوان بتصحيح كل شاذ حل بنا بعد عام 2003 فالوطنيون الأصلاء والقوميون الأنقياء لا يحملون صفة الحقد مهما فعل معهم ابن جلدتهم. سارعوا وصححوا خطأكم بحق شخص الشهيد أمين عام حزب الله حين شتمتموه ووصفتموه بأبشع الأوصاف حين نصحكم عندما كنتم وقتذاك في المعارضة عام 2003 وقبل بدء العدوان العسكري الغاشم بأسابيع بعدم الاصطفاف مع الأمريكان ضد بلدكم، بأن عليكم الجلوس مع الرئيس صدام حسين وتتناقشوا معه بدل أن تصطفوا مع الأمريكان لأنهم اذا احتلوا بلدكم فسوف يمزقون المنطقة بأكملها، صححوا كل شيء فالوقت ليس لصالحكم قطعا  فقادة وكوادر وقواعد حزب الله اليوم يتذكرون جيدا شتائمكم تلك، سارعوا فحتى في إيران اليوم كل الطبقة الحاكمة من أعلى رأس الهرم السيد علي الخامنئي نزولا لأبسط مواطن أدركوا جيدا بأنكم وعلى مدى 45 سنة كنتم تخدعونهم وأوّلكم حزب الدعوة الذي عمل حثيثا مع بقايا ضباط الشاه على توريط إيران في الحرب مع العراق، كما حكام الخليج، والمحرك واحد وهي أمريكا التي كان هدفها تدمير البلدين، الآن فُهم كل شيء ومن الجميع، سارعوا قبل أن تنتهي صلاحيتكم ويلفظكم مشغليكم في سلة المهملات هذا إن أبقى على حياتكم، كغيركم الكثيرين من تجار الأوطان عبر التاريخ، مصحوبين بالعار المحفور في أجيال الشعب العراقي المتعاقبة.

خصوصاً بعد أن جعلتم من حدود إيران الغربية وكراً للتآمر عليها، ومنصة انطلاق لمسيّرات ومقذوفات أعدائها، وهي التي كانت آمنة مطمئنة قبل اختطافكم الحكم فيها، وبعد تبديدكم لمخاوف “الكيان” من تهديد جبهة العراق الشرقية فيما مضى من تاريخ العراق المجيد، وجعلتم الأجواء العراقية مستباحة باتجاه الشرق الإيراني فقط، رغم ادعائكم بالحيادية المنقوصة وحسن الجوار الخدّاع وكأنكم تملكون من أمركم شيئاً.

وأمّا موّال الحياد العراقي، والمرفوض جملة وتفصيلاً من كل قادة عصابات “الكيان” المسكون بروح الغلّ والانتقام التاريخي من العراق أرضاً وشعباً، وأغلق كل الأبواب والخيارات في وجهه حتى خيار الاستسلام، بحيث لم يبق أمامه سوى الاستعداد للمواجهة درءأً للموت الزؤام المحتوم. وهنا لا بدّ لكافة القوى والمكوّنات العراقية أن تبحث بجدية الخطر المحدق بالجميع، وتعود إلى الشعب العراقي الأبيّ، ولا تركن للوعود الأمريكية المعسولة، وهنا نستذكر قول الرئيس المصري الذي خدم الإدارات الأمريكية المعاقبة ولعدة عقود: “اللي متغطّي بالأمريكان عريان”.    

ولعل خيار المواجهة الأوحد يتطلب المبادرة بتحصين البيت العراقي الداخلي، بدءاً بتنظيف البيت الداخلي العراقي من أوكار “الموساد” وبقية أجهزة التجسس والتآمر الغربي التي تستبيح الوطن العراقي، وتحويل المنطقة الخضراء إلى حديقة شعبية عامة وليس مقرّاً لقيادة العراق الفعلية الأجنبية، مروراً بمحاربة فعلية لاجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، وليس انتهاءً بتلبية المطالب الشعبية بتطوير المشاريع الخدمية والبنى التحتية وتشغيل العاطلين عن العمل من الكفاءات العراقية، وما أكثرها.. وإلّا فانتظروا مقصلة سموتريتش وقطعانه من الوحوش المتربصة برؤوس جميع العراقيين وليس المرجع وحده، وأولّهم دعاة الحياد وصهاينة الذباب الإلكتروني العراقي وحتى المدثّرين بعباءة العروبة والمذهبية البغيضة، الذين تجاوز بعضهم حدود “الدياثة” على منصات التواصل الاجتماعي من خلال التعبير عن الشماتة والنيل من ضيوف العراق المضياف العوائل اللبنانية التي قدّمت فلذات أكبادها دفاعاً عن العراق عام 2003 المشؤوم في مقارعة المحتل الامريكي، في الوقت الذي استنكفوا فيه هم أنفسهم عن أداء واجبهم الوطني والشرعي. ومن الضروري بل والواجب علينا جميعنا اليوم، اتخاذ إجراءات أكثر فعالية ضد هذا الوحش الصهيوني، الذي يشكل أكبر تهديد لسلامة الإنسانية جمعاء. في ظل جهود تبذلها إسرائيل لتدمر ثم تحتل المنطقة بأكملها من ناحية. ومواجهة كافة الأنشطة المثيرة للانقسام والمدمرة التي تقوم بها منظمات إرهابية تحت يافطات عديدة، من ناحية أخرى. وبالتالي يجب علينا أن نتخلى عن حسابات المصالح التافهة، وننقذ المنطقة بالتضامن والتشبيك وبالعودة إلى استنهاض مكامن قوة الشعب العراقي العتيد الملتحم مع إخوانه من أحرار وشرفاء العرب والمسلمين حيث أن العبء ثقيل ولدينا الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به معاً. وبنوايا صادقة ومخلصة. وقد صدق الشهيد الرئيس صدّام حسين بسؤاله المدوّي: “متى تهتزّ الشوارب” وحتى اللحى؟!

كاتب

  • د. علي عزيزأمين

    مسؤول المكتب السياسي لتنظيم البديل الثوري للتغيير في العراق. ورئيس مؤسسة بابل للدراسات والأبحاث والإعلام والأخبار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى