أفيخاي أدرعي… الرجل الذي يخبرنا عن موتنا
“يطل علينا بوجه بشوش، ونصف ابتسامة. حين تراه إعلم أن الموت آتٍ لا محالة. يخبرنا أن الحي الذي نسكنه أو الذي كنا نسكنه، سيختفي، ومعه تتبخر ذكريات كثيرة، وأوقات ممتعة، لن تعود يوماً. وإذا لم تسمع أو تقرأ ما قاله الرجل صاحب النصف ابتسامة، فتأكد أنك ستكون جريحاً أو قتيلاً أو مفقوداً، إطلالة هذا الرجل تُخبرنا عن موتنا، تؤكد لنا غياباً أزلياً، وتُيتّم أولاداً، تاركة وراءها عويلاً وصراخاً وأنيناً لن ينطفئ”.
نشرت “الإندبندنت” تقريراً مطوّلاً بالعنوان أعلاه يوم 12/10 الجاري أعده مدير المراسلين “محمد غندور”، استهله بالقول: “أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هو وجه إسرائيل وصوتها للعالم الناطق بالعربية. ملك الموت في العصر الحديث، منذ سنة تكثفت إطلالاته وتغريداته المفخخة. يوجه تحذيراً لسكان جنوب لبنان، ويدعو إلى (عدم العودة إلى المنازل التي أخليت حتى إشعار آخر)، مشدداً على (أهمية ذلك للحفاظ على سلامتهم وسلامة أحبائهم). يطل علينا بوجه بشوش، ونصف ابتسامة. حين تراه إعلم أن الموت آتٍ لا محالة. يخبرنا أن الحي الذي نسكنه أو الذي كنا نسكنه، سيختفي، ومعه تتبخر ذكريات كثيرة، وأوقات ممتعة، لن تعود يوماً. وإذا لم تسمع أو تقرأ ما قاله الرجل صاحب النصف ابتسامة، فتأكد أنك ستكون جريحاً أو قتيلاً أو مفقوداً، إطلالة هذا الرجل تُخبرنا عن موتنا، تؤكد لنا غياباً أزلياً، وتُيتّم أولاداً، تاركة وراءها عويلاً وصراخاً وأنيناً لن ينطفئ. أفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش هو وجه إسرائيل وصوتها للعالم الناطق بالعربية. ملك الموت في العصر الحديث، منذ سنة تكثفت إطلالاته وتغريداته المفخخة. يوجه تحذيراً لسكان جنوب لبنان، و يدعو إلى (عدم العودة إلى المنازل التي أخليت حتى إشعار آخر)، مشدداً على (أهمية ذلك للحفاظ على سلامتهم وسلامة أحبائهم). دقائق وتعود التغريدات القاتلة بالظهور مع معلومات تفيد بضرورة إخلاء مبانٍ في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع صور من الأقمار الاصطناعية لهذه المباني التي بحسب ما يقول أدرعي تضم مخازن سلاح. إذاً، اطلالة واحدة منه، كافية لتغيير وجه المدينة، وكافية أيضاً لسرقة ما تبقى من عمرك”.
استعراض
“ولا يكتفي الرجل بالتحذيرات الأمنية، بل يستعرض (الإنجازات العسكرية) للجيش الإسرائيلي، ومنظومات سلاحه المتطورة، ويؤكد باستمرار أن إسرائيل (قوة إقليمية رائدة، وجيشها لا يقهر) وأنه (جيش الدفاع عن إسرائيل). بلغة عربية سليمة، يتوجه أفيخاي إلى الجمهور العربي، معتمداً في ذلك على اطلاع واسع على الثقافة العربية والعادات والتقاليد وفهم عميق للتعابير المألوفة لدى العرب. ولا يكتفي بذلك، إذ يستخدم أمثالاً شعبية، وآيات من القرآن وأحاديث نبوية وبيوتاً شعرية، لبناء تواصل حميمي مع المشاهد فضلاً عن توظيف الاستشهادات بعد تحريف سياقها في خدمة سرديته”.
أفيخاي أدرعي (مواقع التواصل)
“وتكمن أهمية دوره في توجيه الرسائل واستقبال ردود الأفعال. وبهذا يخلق نوعاً من التفاعل معه على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وإن تعرض بذلك لإهانات شخصية. ولا يقتصر دوره على توجيه التحذيرات الأمنية والمشاركة في حوارات تلفزيونية، إذ يهاجم جمهوراً أو شخصية ما عبر مقاطع فيديو أو رسوم كاريكاتورية، لإجبار كثيرين على الرد واستفزازهم. ولا ينسى طبعاً تهنئة المسلمين مثلاً بحلول شهر رمضان المبارك، أو توجيه المعايدات، والتدخل في ما لا يعنيه. الرجل الذي يخبرنا بموعد موتنا، يدير شخصياً صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، يورط نفسه في سجالات مع شخصيات عامة وسياسية وإعلامية وفنية، ليفرض وجوده الحقيقي قبل الافتراضي”.
كيف يتعامل أدرعي مع وسائل الإعلام العربية؟
“يقول غوبلز وزير الدعاية الألمانية النازية في زمن هتلر (إن سر الدعاية الفعّالة لا يكمن في إذاعة بيانات تتناول آلاف الأشياء، ولكن في التركيز على بعض الحقائق فقط، وتوجيه آذان الناس وأبصارهم إليها مراراً وتكراراً). وهذه بالضبط القاعدة الذهبية التي يعتمدها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بالعربية. مخطئ من يعتقد أن أدرعي يتصرف بشكل عفوي، بل كل خطواته مدروسة ومتقنة أيضاً، ويسير ضمن خطة إعلامية، نجح حتى الآن في تكريسها، ومن خلالها حقق نجاحات، كترويج مثلاً مصطلح (جيش الدفاع الإسرائيلي)، بدلاً من الجيش الإسرائيلي. وفي حال واجهه مذيع ما ضمن حوار ببعض الحقائق، يتهرب من الإجابة بطريقة ذكية، عبر قوله إن (الجيش يحقق في الحادثة، ونحن في انتظار النتيجة). وبهذه الطريقة يلتف على الإجابة ويغيّر مسار الحديث. ومن واجباته الأساسية أيضاً تأكيد فكرة أن إسرائيل لا تستهدف المدنيين، ولا أماكن العبادة أو المرافق العامة، ويؤكد دوماً على أن إسرائيل تدافع عن وجودها ضد ما يسميهم المخربين. في المقابل، يتعامل أدرعي مع المذيع بشكل ودود، عله يكسب ثقته أو احترامه، ويحاول بناء صداقة معه، فيما يهاجم البعض ويتهمهم بتضليل المشاهد. وحتى انفعالاته تظهر أنها مدروسة، إذ غالباً ما يقول للمذيع إنه يمنعه من إكمال جملته، وبهذه الطريقة يظهر أدرعي بصورة المهمّش، وهذا ما يسعى إليه لتأكيد روايته”.
وجه إسرائيل وصوتها للعالم الناطق بالعربية
“ومن أدواته التي يعتمدها أيضاً، طرح أسئلة على محاوره، ليظهر أنه متقدم عليه، لكن الحقيقة تكون في أنه يتهرب من أسئلة المذيع، ويريد تمرير إجاباته المعروفة مسبقاً، كـ (إسرائيل لا تستهدف المدنيين، ولا تقصف المساجد، ولا تأخذ مواطنيها كدروع بشرية). ويحرص الرجل صاحب النصف ابتسامة، على الظهور دوماً بالزي العسكري، تأكيداً على انضباطه وترسيخ هذه الصورة لدى المشاهد. كما يعتمد لغة حاسمة في صياغته بياناته على قاعدة (وقد أعذر من أنذر). وفي حديث لـ (جيروزاليم بوست)، يقول أدرعي إن (التحدث إلى وسائل الإعلام العربية باسم إسرائيل، واسم الجيش الإسرائيلي تحديداً، مهمة معقدة. فغرف الأخبار هنا قد تكون أكثر عداءً من نظيراتها الغربية، وحتى لو لم تكن معادية، فهي أقرب بكثير إلى مصادر الدعاية الحمساوية والإيرانية. ويفهم المحور الموالي لإيران أيضاً استخدام وسائل الإعلام. فـحزب الله والحوثيون وحماس وغيرهم لديهم قنواتهم الإعلامية الخاصة بهم، وهم يستغلون حاجة الجمهور للمعلومات السريعة من خلال بث الدعاية). ويشير إلى أنه (يمكنهم أن يخبروا وسائل الإعلام على الفور بما يريدون. يجب على إسرائيل أن تأخذ الوقت الكافي للرد بالحقيقة وتقديم الأدلة واستخدام أدواتها لتحديد ما حدث بالفعل). يقع المكتب الذي يعمل فيه الرجل صاحب النصف ابتسامة، داخل مبنى في تل أبيب، قرب جامعة تل أبيب. وهو حديث، ويضم مسرحاً يمكن استخدامه للبث.
مكتب أدرعي مزين بمقتنيات عربية من المنطقة. ثمة سبحة صلاة على المكتب، وطائرة ورقية أطلقت من غزة إليه، وكتاب عليه نجمة داوود واللغة العربية على الغلاف. ويعتبر هذا المكتب واجهة الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام العربية منذ حرب 2006 ضد (حزب الله). يقول: (نحن مسؤولون عن الإعلام العربي، ويتعامل المكتب الآن أيضاً مع الإعلام باللغة الفارسية، وهي إضافة حديثة لنا. وعندما يرغب مراسلو القنوات العربية في إعداد تقرير أو يريدون الوصول إلى تغطية ما، فإنهم ينسقون معنا). أجرى مكتبه 800 مقابلة مع وسائل الإعلام العربية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقام بجولات وتحدث مع مؤثرين وصحافيين في المنطقة. ويشير أدرعي إلى أن (الإعلام العربي ليس شيئاً واحداً فقط. ليست كلها ناقدة. فبعضها قد يكون مثل قناة (الجزيرة)، حيث يجري جيش الدفاع الإسرائيلي مقابلات ويرد على الانتقادات. وقد تكون وسائل إعلام أخرى أقل انتقاداً). كما أن الطريقة التي يتعامل بها أمثال أدرعي مع الرسائل ووسائل الإعلام تتغير أيضاً. فخلال حرب تموز، عندما كان أدرعي قد جاء للتو إلى هذا النوع من العمل، أجرى 400 مقابلة صحافية، وكان يركض من وسيلة إعلامية إلى أخرى في برامجها، ويستقل سيارات الأجرة من استوديو إلى آخر. الآن تغيرت الأمور. تستخدم وسائل الإعلام تقنية زووم، والكثير مما يتم على وسائل التواصل الاجتماعي. تعلم أدرعي وفريقه بحسب قوله على مر السنين ما الذي ينجح في الوصول إلى الجمهور في المنطقة، والطريقة الصحيحة للرد وجعل الرسائل تنتشر على نطاق واسع. ويضيف (غالباً ما تغير وسائل الإعلام في المنطقة وجهات نظرها. فبعض القنوات التي قد تنتقد حزب الله في عام ما، قد تتغير في العام التالي. ويرجع ذلك إلى أن بعض وسائل الإعلام في المنطقة مرتبطة ببلدان مختلفة وهي ليست حرة، مما يعني أنها قد تتلقى أوامرها من أصحاب السلطة”.
مصدر المعلومات
“ثمة منهجية يعتمدها أدرعي في خطابه الإعلامي، وهو لا يعمل وحيداً، إذ يدعمه (جهاز الاستخبارات العسكرية) (أمان) الذي يمده بالمعلومات اللازمة والتقييمات الاستخبارية”.
مواقع التواصل
“وهذا الجهاز تابع لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وهي أكبر الأجهزة الاستخبارية وأكثرها كلفة لموازنة الدولة. وبحسب القانون الإسرائيلي فإن الجهاز مسؤول بشكل أساسي عن تزويد الحكومة بالتقييمات الاستراتيجية التي على أساسها تُصاغ السياسات العامة للدولة، بالذات على صعيد الصراع مع الأطراف العربية. ويعتمد على التقنيات المتقدمة إلى جانب المصادر البشرية في الحصول على معلوماتها الاستخبارية التي توظفها في صياغة تقييماتها الاستراتيجية. يترأس هذه الشعبة ضابط في الجيش برتبة (لواء)، هو أحد أعضاء (هيئة الأركان العامة لقيادة الجيش الإسرائيلي). وتعتبر (شعبة الاستخبارات العسكرية) أحد الأجهزة الأمنية الأكثر أهمية وسرية في إسرائيل. ومن أبرز المهام التي تتولاها:
– جمع معلومات ومواد استخبارية بواسطة استخدام عملاء مختصين يدربون لهذه الغاية على يد اختصاصيين.
– تطوير وتحسين طرق الاستخبارات وكيفية الوصول، بأسرع وقت ممكن وأفضل الطرق، إلى المواد الاستخبارية والمعلومات المزمع القيام بتجميعها.
– تنسيق واسع وشامل مع هيئات استخبارية عاملة داخل البلاد ولكنها تابعة لأجهزة أخرى غير الجيش.
– تقديم توجيهات وتعليمات للمراقب العسكري تتعلق بطبيعة عمله استناداً إلى الظروف القائمة عملياً في الميدان.
– وضع تقييمات استخبارية في شؤون عسكرية وسياسية تستفيد منها الحكومة ووزاراتها والأجهزة العاملة تحت إمرتها.
– تزود هذه الشعبة الملحقين العسكريين الإسرائيليين في السفارات الإسرائيلية بكل المعلومات التي تتعلق بأي شأن له علاقة بعملهم والبلد الذي يوجدون فيه.
باتت هذه الشعبة جهازاً مستقلاً عن الجيش الإسرائيلي ابتداءً من العام 1954، وتحولت مع الزمن إلى عامل مركزي فعال ومؤثر في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. وفي أعقاب حرب أكتوبر 1973، تقرر الفصل بين (شعبة الاستخبارات) وبين (سلاح الاستخبارات)، الذي يترأسه ضابط في الجيش برتبة (عميد)، يكون خاضعاً لمسؤولية رئيس (الشعبة) مباشرة”.
لماذا لا يتوجه العرب إلى إسرائيل بلغتها؟
“منذ مطلع الألفية الثالثة، نجحت إسرائيل في تطوير خطابها الإعلامي مع العرب، من خلال توجهها إليهم بلغتهم وعاداتهم وتقاليدهم. فمنصب الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بالعربية، لم يكن عبثياً، بل مشروعاً لا يزال مستمراً منذ 18 سنة وبنجاح.
تملك تل أبيب الآن أدوات للدعاية ناطقة باللغة العربية، وتنشر بيانات باللغة ذاتها أيضاً، وتقدم معلومات وإحصاءات وأرقاماً سهلة الفهم، وتصل إلى العرب أينما كانوا، سواء عبر قنوات فضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي”.
واشنطن تنتقد إسرائيل بسبب “الأوضاع الكارثية” في غزة
“لم يفهم العرب بعد أهمية هذه الخطوة، والمحاولات في هذا الإطار لم تلق نجاحاً ممكن مقارنته بمشروع أفيخاي أدرعي. وعلى سبيل المثال، تبث قناة (المنار) التابعة لـ(حزب الله)، مقاطع فيديو بالعبرية، لكنها مقاطع لا تؤثر في الرأي العام الإسرائيلي. ومن أسباب نجاح التجربة الإسرائيلية، التوجه إلى العرب بلغتهم وبشخصية علنية، في حين أن الناطق العسكري باسم كتائب القسام (أبو عبيدة)، يغطي وجهه بكوفية، ويستعمل لغة عربية فصحى، ويمكن التخيل مثلاً وقع الكلمات وتأثيرها إن كانت بالعبرية. وبسبب الصراع الإسرائيلي- الإيراني، وبعد تجربة ناجحة في مخاطبة العرب منذ 2005 -2006، يقول أدرعي، إنهم أنشأوا حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي بالفارسية”.
“كول كاهير”
“ثمة إذاعة عبرية لا تزال تبث من القاهرة حتى الآن وهي (كول كاهير) (صوت القاهرة) موجهة للداخل الإسرائيلي، وتهدف منذ نشأتها عام 1953، إلى تقديم الرأي المصري في مختلف القضايا، وسياسة مصر وتوجهاتها ومشروعاتها المختلفة. ترصد الإذاعة جهود مصر في (تبني القضية الفلسطينية ودور الوساطة في حل أزمات القضية المعقدة والدعم المقدم لغزة وسائر فلسطين، والعمل على إدخال المساعدات ومحاولة التوصل لهدنة ووقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي). وعن دور هذه الإذاعة منذ إطلاقها، تقول منال مختار مدير عام إذاعة العبري (أسس الإذاعي الراحل أحمد الحملي البرنامج عام 1953، مع بداية إنشاء شبكة الموجهات، وظل حتى اليوم يخاطب عدواً مجهولاً له طبيعة خاصة، وكانت كتيبة البرنامج العبري من الإذاعيين دائماً على قدر المسؤولية فى بث ما يمكن أن يُقال، ومعرفة ما لا يقال). وتضيف (في البداية كان يدير البرنامج العبري مجموعة من المذيعين الفلسطينيين، وسريعاً أصبح فريق العمل من المصريين، ويتسم مذيع العبري بالثقافة السياسية، ويجري وراء الحدث والخبر والتحليل، نبث 5 ساعات يومياً من البرامج المختلفة باللغة العبرية، معظمها سياسية وثقافية، ولا تخلو من المنوعات، ويتحدث الجانب الإسرائيلي عما نقدمه في إذاعة (كول كاهير)، ويذيعون فقرات من إذاعتنا في إذاعة جيش الإحتلال، لكن ليست لدينا وسيلة لنعرف حجم الاستماع لبرامجنا تحديداً، وليس بيننا وبين الكيان المحتل أي تواصل، سواء مباشر أو بالسوشال ميديا ولا غيره، يصل لهم الإرسال وطلبنا تقويته ليصل لكل الأراضي المحتلة، ووعد بذلك رئيس الإذاعة محمد نوار)”.
سيرة
“في حفل خاص، أقيم مطلع يوليو (تموز) 2024، وترأسه رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال هرتسي هاليفي، رُقّي المقدم أفيحاي أدرعي، إلى رتبة عقيد. وتمثل المناسبة علامة فارقة في مسيرته العسكرية، واعترافاً بمساهماته المستمرة والقيّمة في مجال الإعلام العسكري. يجيد الرجل العبرية والعربية والإنجليزية بطلاقة. ومن خلال خدمته العسكرية ودوره كناطق بلسان الجيش، شارك في حروب ومعارك عدّة منها حرب لبنان الثانية، عملية (الرصاص المصبوب)، عملية (عمود السحاب)، عملية (الجرف الصامد)، عملية (حارس الأسوار)، وحرب (السيوف الحديدية). ولد الرجل صاحب النصف ابتسامة في حيفا عام 1982، لعائلة تنحدر من أصول سورية. نشأ في حي (هادار هاكارميل) بالمدينة، وكانت طفولته بسيطة وعادية كما يصفها هو نفسه، حيث انصب جل اهتمامه على ألعاب الحاسوب ومتابعة مباريات كرة القدم، وألعاب الشوارع. منذ طفولته أحب اللغة العربية وتعلق بها، وكان لوالده دور في ذلك، إذ أصر على أن يتمكن أدرعي منها، فقرأ العديد من الكتب، وتابع أفلام مصرية واستمع إلى نشرات أخبار، حتى أنه كان يقلد مذيعيها. تخرج من مدرسة (هريئالي) العبرية، ونجح في الامتحانات الخاصة بها، وأظهر تفوقاً، فأرسلته وزارة التربية والتعليم إلى مصر، مع مجموعة أخرى، لإتقان العربية. يجيد الرجل العبرية والعربية والإنجليزية بطلاقة (مواقع التواصل). في عام 2001، التحق بالخدمة الإجبارية وخدم في وحدة 8200 التابعة لقسم الاستخبارات. وعندما كان في سن 22، عرضت عليه وظيفة (متحدث باسم الجيش الإسرائيلي) بالعربية عام 2005، وقَبِل ذلك وتقدم في مجال الإعلام العسكري، حيث حصل على رتبة نقيب كرتبة تمثيلية. بعدها التحق بدورة ضباط وتقدم إلى رتبة رائد، وفي عام 2018 حصل على رتبة مقدم. كان أدرعي سعيداً بالعرض، فقد كان يرى أنه حصل على فرصة العمر لأن هذه الوظيفة كما يقول (تجمع بين حبه للإعلام وحبه للعربية وحبه لإسرائيل). واعتبر مهمته (رسالة نبيلة لأنها تمثل جسر سلام يربط بين الجيش الإسرائيلي والجمهور العربي). وفي عام 2008 التحق بجامعة حيفا، حيث حصل على درجة البكالوريوس من كلية العلوم السياسية في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، ثم أتم مرحلة الماجستير في الجامعة نفسها، وتخرج من كلية الإدارة في سبتمبر (أيلول) 2011، وقد تخصص في (دراسات الشرق الأوسط). وفي إطار دوره الإعلامي، يجري أدرعي مقابلات ويمثل الجيش في وسائل الإعلام العربية، إضافة إلى إدارته لمنصات رقمية متعددة موجهة للجمهور العربي، بما في ذلك (إكس)، (تيليغرام)، (فيسبوك)، (إنستغرام)، و(تيك توك). حين تسلم مهامه، كان تقديم البيانات المتعلقة بحرب تموز 2006 أول أنشطته على الساحة الإعلامية العسكرية، ومن هناك بدأت مسيرة لا تزال مستمرة حتى الآن، لشرح وجهة النظر الإسرائيلية على قنوات عربية، وتبرير العنف الذي تمارسه دولته في فلسطين أو لبنان، والإشادة بإنجازات الجيش، وتقديم المعلومات. وبسبب اطلاعه على تاريخ المنطقة وإلمامه بتفاصيلها السياسية والعسكرية والاجتماعية وتعمقه بالصراع العربي- الإسرائيلي، دخل في سجالات إعلامية عدّة، ولذلك تولي السلطات الإسرائيلية أهمية كبيرة للمهمة التي يقوم بها أدرعي، وعملت المؤسسة العسكرية على إلحاقه بدورة لإعداد الضباط، وتم تأهيله وتدريبه بشكل مكثف”.
مواقع التواصل
“نقل أدرعي جزءاً كبيراً من نشاطه إلى منصات التواصل الاجتماعي، وما يميز الرجل، برودة أعصابه، والقدرة على التحكم بإجاباته، إذ من الصعب استفزازه، وهذا ما اكتسبه مع الوقت، بخاصة مع ضيوف لطالما تحدوه واعتبروه دخيلاً على هذه المهنة” .
استفزازي
“مع تطور شبكات التواصل الاجتماعي وسيطرتها على الفضاء الرقمي، وامتلاكها إمكانيات هائلة في التأثير في الشعوب، نقل أدرعي جزءاً كبيراً من نشاطه إلى تلك المنصات، واستغلها بشكل فعال، فحقق عبرها حضوراً قوياً، وشهرة كبيرة في الأوساط العربية. فهو يدير مجموعة من الحسابات النشطة بالعربية على مختلف وسائل التواصل، وله متابعون يعدون بالملايين في العالم العربي، ففي مطلع عام 2024 وصل عدد متابعيه على (فيسبوك) إلى 2.5 مليون متابع، وعلى (تويتر) حظي بأكثر من 662 ألف متابع، وحصل حسابه على (تيك توك) على ما يقارب 575 ألف متابع، وهناك 116 ألف متابع لقناته على (يوتيوب) وأكثر من 100 ألف متابع على (إنستغرام). ويرى أدرعي أن الفكرة من استخدام وسائل التواصل (ليس فقط لنشر البيانات الصحافية، ولكن أيضاً لتوليد خطاب بين جماهير مستهدفة محددة بهدف التأثير لا مجرد العلاقات العامة)”.
ساحة جديدة للمعركة
“اللافت في عمله على هذه المنصات، الاستفزاز للقارئ العربي، وهذا ما يدفع الرواد للتفاعل مع منشوراته والإجابة على تساؤلاته، ما يعرضه لعدد كبير من الاتهامات والشتائم، لكنه يدرك بأن هذا التفاعل هو ما يريده، بغض النظر عن الإهانات الشخصية. ويثير على حساباته موضوعات متنوعة غالبها عسكري وأمني، تتضمن أخبار العمليات العسكرية والتدريبات، كما يعرض صوراً وفيديوهات لمجندين يعرفهم على أنهم مسلمون مجندون في الجيش الإسرائيلي، وينشر صور (أعمال إغاثة ومساعدات) يقدمها الجيش الإسرائيلي. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، بدأ في التعليق على الأحداث وبعض الخطابات بطريقة تستفز جمهور الشخص أو الجماعة التي يتوجه إليها. وبات يخوض حرباً إعلامية على جبهات عدة. على سبيل المثال، وفي تعليق حاد على خطاب للأمين العام الراحل لـ (حزب الله) حسن نصرالله قبل مقتله بغارة إسرائيلية، أعرب أدرعي، عن استياء بلاده مما وصفه بـ (المغامرات) التي يقوم بها الحزب عند الحدود. في تغريدة نشرها عبر منصة (إكس)، أشار إلى أن ما يقوم به نصرالله يُعد محاولة لبيع أرقام مضخمة للشعب اللبناني، بهدف إقناعهم بشرعية أعماله المستمرة في تدمير لبنان. واعتبر أن نصرالله يستخدم كلماته حول إسرائيل من دون التطرق إلى الأضرار الواقعة على لبنان نتيجة لـ (مغامراته)، مشدداً على أن هذه الممارسات تتسبب في انهيار الاقتصاد اللبناني وتجعل الجنوب خالياً من سكانه، مع التجاهل الكامل لمعاناة الشعب اللبناني. وفي تحليله للخطابات الأخيرة لنصرالله، أكد أدرعي أنه لا يلزم أحداً أن يكون خبيراً إحصائياً لمتابعة الأرقام التي يقدمها نصرالله، مشيراً إلى أنها مبالغ فيها وتهدف إلى تحقيق أهداف سياسية. ورأى أن الأمور لا تقتصر على الحديث عن إسرائيل، بل ينبغي التطرق أيضاً إلى الأضرار الواقعة على لبنان نتيجة لتصاعد التوترات والمواجهات. وأوضح أن مغامرات (حزب الله) تتسبب في فقدان لبنان لجزء كبير من سكانه في الجنوب، الذين يضحون في حروب لا تخدم مصلحتهم الوطنية. وقال إن الحديث عن الحرب والمعارك يجب أن يتضمن النظر إلى الخسائر البشرية والاقتصادية التي يتحملها الشعب اللبناني. وختم تغريدته بتصريح قوي، مستنكراً دعم الحزب لمنظمات مثل (حماس) و(داعش)، التي وصفها بأنها (قاتلة للأطفال ومغتصبة للنساء). وأكد أن إسرائيل تواجه تهديداً خطيراً من هذه المنظمات المتطرفة، وأن الدفاع عن أمن الدولة الإسرائيلية يظل أولوية قصوى”.
ممثل
“وفي آخر صيحاته، نشر أدرعي فيديو ساخراً على حسابه في (إكس)، يظهر فيه وهو (يمثل) متقمصاً دور متصل بأحد المستشفيات. إذ رفع سماعة الهاتف وخابر المستشفى سائلاً بشكل ساخر، إن كان يملك بنادق كلاشينكوف إلى جانب جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي. ومتعجباً عند سماع الجواب بالنفي، قال (والله في مستشفى الشفاء بغزة عندهم الكثير من الكلاشينكوف)، في إشارة إلى ما أعلنه الجيش الإسرائيلي سابقاً عن عثوره على أسلحة وذخائر في أقبية مستشفى الشفاء. لينتقل بعدها ويسأل بنفس الأسلوب، (أنا متأكد عندهم نفق عسكري بجوار المستشفى وداخل المجمع الطبي)… ثم يرد لاحقاً بالطريقة عينها معرباً عن استغرابه مما سمع. إلا أن الفيديو الذي أراده أفيخاي (طريفاً ساخراً)، جاء بعكس ما تشتهيه سفنه. إذ فتح عليه باباً من الانتقادات العنيفة والساخرة، ووصف بالمقطع المستفز”.
رواية “حماس”
“كما كتب في منشور على حسابه عبر منصة (كس)، (خلافاً لرواية حماس الكاذبة التي نشرتها باللغتيْن الإنجليزية والعربية، يكشف كتاب الفتاوى الصادر عن مجلس الشورى الحمساوي والذي تم العثور عليه خلال المناورة البرية في خان يونس أنه من عيون حماس لا يوجد فرق بين الرجال والنساء والشيوخ والشبان الذين يجوز الاعتداء عليهم جميعاً). وبسبب دفاعه عن العمليات العسكرية الإسرائيلية، تلقى أدرعي تهديدات بالقتل مطلع عام 2013، الأمر الذي استدعى إقامة حراسة أمنية مشددة على منزله جنوب إسرائيل. وأردف (زعمت حماس أنه لم يصدر إذناً للمخربين بقتل المدنيين أثناء هجوم السابع من تشرين الأول الإرهابي، لكن الفتاوى الحمساوية تثبت العكس، وقد تم تعميم الكتاب الفقهي على مخربي حماس بمن فيهم المشاركون في الهجوم الدموي). وختم (يتضمن الكتاب المقالات، والفتاوى والتوجيهات للمخربين بشأن طريقة تصرفهم ومعاملتهم للعدو، والمختطفين وتوقيت جواز قتلهم). وأكدت حركة (حماس) في وثيقة نشرتها حول هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل أن (عملية طوفان الأقصى كانت خطوة ضرورية واستجابة طبيعية لمواجهة مخططات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية)”.
محاولة اغتيال
“أفادت (لقناة الـ 14) الإسرائيلية، بأن أحد منفذي عملية رعنانا التي وقعت في فبراير (شباط) 2024، كان يسعى إلى اغتيال المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أدرعي. وبحسب موقع (أخبار إسرائيل الوطنية)، كشف أحمد زيدات (24 سنة) عن نواياه هذه أثناء التحقيق معه، إذ شاهد زيدات الذي كان يعمل في رعنانا بصورة غير قانونية، أفيخاي أدرعي في أحد مطاعم المدينة وبدأ بمراقبته حتى قبل اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ونقل الإعلام الإسرائيلي عن أحمد زيدات أثناء التحقيق معه قوله (أردت تنفيذ هجوم نوعي، صادفت أدرعي وتتبعته لأني أردت الهجوم عليه لكن لم أكُن أحمل سكيناً، وفي وقت لاحق وصلت إلى المكان نفسه ومعي سكين في محاولة لتحديد مكانه، لكن لم أجده). وبسبب دفاعه عن العمليات العسكرية الإسرائيلية، تلقى أدرعي تهديدات بالقتل مطلع عام 2013، الأمر الذي استدعى إقامة حراسة أمنية مشددة على منزله جنوب إسرائيل. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، تم اختراق صفحته على (فيسبوك) ووضع المخترقون على صورة الغلاف الخاصة به صورة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس). وفي يوليو (تموز) 2014 اخترقت مرة أخرى، حيث اختفت الصفحة تماماً قبل أن تعود للظهور من جديد، كما تتنامى وتتجدد بين الحين والآخر حملات واسعة من قبل نشطاء تدعو إلى مقاطعة حسابات أدرعي الإلكترونية وإلغاء متابعته باعتباره آلة للدعاية الإسرائيلية”.
أفيخاي والفنانون
“لطالما دخل أفيخاي أدرعي في سجالات مع فنانين عرب، وهذه محاولة منه لانتزاع اعتراف به وبوجوده وبدوره على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لو عرضه لانتقادات ساخرة أو لاذعة، لكن كل ذلك مسموح لنشر الدعاية الإسرائيلية ووجهة النظر. حرب كلامية شرسة اشتعلت بين المطربة المصرية أنغام وبينه بعد تعليقها على منشور له، ودعائها بأن يأخذه الله ليرتاح الناس من شرّه، حيث كتبت (ربنا ياخدك ويريّحنا من وشّك). ورد أدرعي على هجوم أنغام عليه وكتب عبر حسابه في موقع (إكس): (حضرة الفنانة أنغام والتي من المفترض أن تكون على قدر من الرقي في مناشيرها، إن الله سيفتكر عباده جميعاً وليس هناك من معمّر على هذه الأرض، لكن الفرق أن هناك من سيلقى في الآخرة العذاب الأليم، وهناك من سيفتقده، عزّ وجل، برحمته على أفعاله الإنسانية. أرجو ألا تكوني من مصير هذه الفئة). في المقابل، دخل الفنان المصري محمد هنيدي على خط انتقاد أدرعي، على موقع (فيسبوك)، بعدما نشر الأخير صورة بها أربع أكلات بمناسبة اليوم العالمي للتغذية، وعلق عليها قائلاً (حابين نسألكم شو أكلتكم المفضلة من المطبخ الإسرائيلي)، وجاء في الصورة أسماء أربع أكلات عربية شهيرة، لكن أدرعي عرفها بأنها (الشكشوكة الإسرائيلية، والشاورما الإسرائيلية، والحمص الإسرائيلي، والفلافل الإسرائيلية). وفي صراع جديد مع فنان لبناني، استعان أدرعي بكلمات أغنية “طار البلد) للفنان راغب علامة للهجوم على (حزب الله). وتحت هاشتاغ إيران_تورّط_لبنان اعتبر أفيخاي أن استغلال (حزب الله) لبلد الأرز هو الذي (طيّر البلد). رد علامة على تغريدة أفيخاي قائلاً (المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لن ينجح في استدراجنا إلى الرد. فهو لا يستحق منا هذا (الشرف)، لا في الشكل، ولا في المضمون). أفيخاي أعاد التغريد مجدداً مستخدماً هذه المرة أغنية (صباح الخير سوريا) للمطرب السوري علي الديك، متسائلاً (عما سيحصل لسوريا بعد التمدد الإيراني) على حد تعبيره. الأخذ والرد بين أفيخاي وعلامة لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق لأفيخاي أن دخل في سجالات مع فنانين آخرين أبرزهم الفنانة اللبنانية إليسا التي قامت بحظره بعدما رد على تغريدة لها قالت فيها إن (أرض فلسطين تضيع ببطء ونحن متفرجون). كما هنأ أفيخاي الفنان الفلسطيني محمد عساف بمناسبة عيد ميلاده (بالرغم من الخلافات) معتبراً أن (الموسيقى هي اللغة العالمية التي لا تعرف نزاعاً ولا خلافاً سياسياً). ولكن عساف رد بعنف على تغريدة أفيخاي قائلاً (لا يشرفني الرد على قتلة الأطفال). وقد وجهت مدونة (بي بي سي ترند) سؤالاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول الهدف من الزج بأسماء مطربين عرب في تغريدات تتحدث عن مسائل سياسية. وأجاب أدرعي (عالم السوشال ميديا يتطلب وسائل متنوعة لإيصال الرسالة إلى الجماهير المعنية، حيث قمنا في الأسابيع الأخيرة بتفعيل وسائل متنوعة في الحديث عن خطر مشروع حزب الله وإيران ومن دون أدنى شك استخدام أغاني المطربين العرب وبخاصة اللبنانيين تمثل جزءاً من هذه الجهود). ويجرّم القانون في بعض الدول العربية التواصل مع إسرائيل، كذلك انتشرت سابقاً حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى عدم (التطبيع الإلكتروني) مع إسرائيل ومقاطعة المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي”.