تزايد التوتر بين الغرب وروسيا قد يتحول إلى صدام مباشر بعد الانتخابات الأمريكية
بقلم د. ايمن أبو الشعر
• الغرب لم يسمح لكييف بقصف الأراضي الروسية، ولم يدعها للانضمام إلى الناتو، لكنه يوحي بأن ذلك بات قاب قوسين أو أدنى وموسكو تتوعد
احتمال حدوث مثل هذه الانعطافات لا يرتبط بالدعم الهائل الذي تقدمه دول الغرب لأوكرانيا ماليا وعسكريا رغم خطورتها، بل من بعض المؤشرات التي لم تحسم بعد وخاصة في إطارين اثنين احتمال السماح لأوكرانيا بقصف عمق الأراضي الروسية بأسلحة غربية بعيدة المدى، واحتمال قبول أوكرانيا في حلف الناتو، وكلاهما مرهون بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
موسكو تحذر
هذه الأجواء بدأت تعُبّر عن نفسها في بعض المؤشرات ما دفع بوزير الخارجية الروسية لافروف إلى الإعلان أن الحرب الذي يخوضها الغرب ضد روسيا رغم أنها لا تزال هجينة إلا انها بدأت تتحول بشكل متزايد إلى حرب فعلية مباشرة، ويدرك لافروف جيدا أن قرار كييف مرهون بما تقرره واشنطن من هنا أوضح أن موسكو تتابع المعركة الانتخابية في الولايات المتحدة، ولا ترى وجود علامات تشير إلى أن البلدين سيعودان إلى حوار متكافئ بعد الانتخابات، بمعنى أن تردي العلاقات الروسية الأمريكية سيستمر أمدا طويلا، وأن التناحرات في حومة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية هي للاستهلاك المحلي، وأن روسيا تدرك ذلك جيدا وتعرف أن الموقف الأمريكي تجاه روسيا سيبقى سلبيا وعدائيا أيا كان سيد البيت الأبيض بعد انتهاء الانتخابات.
وقد حذرت الخارجية الروسية الغرب من دعم ما يسمى بخطة النصر التي أعدها الرئيس الأوكراني زيلينسكي، وكذلك الإجراءات التي تقترحها كييف في تجديد قمة السلام، في حين تعتبرها موسكو مجرد ألاعيب سياسية لشد الناتو للدخول في الحرب ضد روسيا، والحصول على مساعدات جديدة ، وهنا لا بد من التنويه بأن خطة زيلينسكي تتضمن دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو، وكذلك رفع القيود عن استخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى بقصف الأراضي الروسية، وهما خطان أحمران حاسمان بالنسبة لموسكو، وقد أعلنت الخارجية الروسية بوضوح أن انضمام أوكرانيا المحتمل إلى الناتو سيقضي على احتمالات التسوية السياسية لهذا الصراع، كما أنه يجعل التدخل المباشر لحف شمال الأطلسي في الصراع أمرا لا مفر منه، أي أنه سيزيد من احتمال حدوث الحرب العالمية الثالثة.
توسع الاحتمال
جميع الأصدقاء والخصوم يعرفون مدى خطورة مثل هذه الخطوة، عدا عن كونها من جهة مخالفة لتقاليد الناتو التي تؤكد عدم قبول أية دولة تخوض صراعا مسلحا مع دولة أخرى، ذاك أن المادة الخامسة من ميثاقه تشير بوضوح إلى أن الناتو يتدخل عسكريا لمناصرة أية دولة عضوة فيه في حال تعرضها لعدوان خارجي، وبالتالي سيكون قبول أوكرانيا في الناتو هو قبول التورط في حرب جاهزة مشتعلة، ومن هنا بدأت بعض أصوات التذمر تعلو ولو على حياء ضد مثل هذه الأطروحات، ومن جهة ثانية بدت فرنسا متحمسة لتجاوز هذه القيود سواء في مجال السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى لقصف الأراضي الروسية، أو في مسألة قبول أوكرانيا بشكل استثنائي في الناتو حيث تتحمس فرنسا بشكل خاص إلى تحقيق هذه الخطوة، وأعلن جان نويل بارو أن بلاده تجري مناقشات مع شركائها في الناتو بشأن دعوة أوكرانيا إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بشكل فوري معبرا عن قناعته بأن مثل هذا الاحتمال غير مستبعد، كما أوضح بنيامين حداد وزير الشؤون الأوربية في الخارجية الفرنسية أن باريس تعتبر من أولوياتها تحقيق الاتفاق على توجيه دعوة أوكرانيا رسميا للانضمام إلى الناتو، وتبدو المفارقة كبيرة في هذا المجال حيث سبق للرئيس بوتين أن أعلن بوضوح أن مسألة احتمال انضمام أوكرانيا إلى الناتو كان من بواعث القيام بالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
من جهة ثانية وفي السياق نفسه أعلن فاسيلي نيبينزا مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي غير مقبولة على الإطلاق بالنسبة لروسيا، وشدد على انه لا يجوز أن يكون لدى أي إنسان أية أوهام بهذا الشأن، منوها في غضون ذلك بأن روسيا مستعدة لتطوير علاقات حسن الجوار مع أوكرانيا على أن تكون محايدة غير منحازة، وهو ما جاء في دستورها، وفي المذكور في الاتفاقيات الروسية الأوكرانية قبل انقلاب عام 2014.
مناقشة خطة زيلينسكي تناقض واستفزاز
إن كانت أهم بنود خطة زيلينسكي مرفوضة وغير واقعية، فإن الاهتمام بها ومناقشتها على أعلى المستويات هو عمل استفزازي غير مفهوم حيث قام زعماء الدول الأربعة: الولايات المتحدة -“بايدن”، وألمانيا -“شولتس”، وبريطانيا -“كير ستارمر”، وفرنسا- “ماكرون” بمناقشة خطة زيلينسكي في برلين، وأكدوا أنهم سيواصلون دعمهم لأوكرانيا وتعزيز أمنها وتزويدها بالمساعدات اللازمة بما في ذلك استخدام عائدات الأصول الروسية السيادية المجمدة، حتى أن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو أعلن أن بلاده حصلت على 300 مليون يورو من فوائد الأصول الروسية المجمدة فُرزت لشراء معدات عسكرية لأوكرانيا حتى نهاية العام الحالي، لكن الملفت للنظر أن هؤلاء الزعماء الكبار لم يقدموا تصريحات مباشرة حول الخطة وتقييمها ومدى إمكانية تنفيذها، بمعنى أنها ظلت مهملة في الإطار العملي، واستخدمت فقط في إطار إعلامي عام.
أطروحات اكثر من خطيرة
كان مفاجئا حقا أن يعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي في بروكسل علنا وبوضوح لا لبس فيه أن كييف تسعى للحصول على السلاح النووي، وذلك لردع روسيا، وذلك إن لم بتح له الدخول إلى حلف شمال الأطلسي، أي أنه بدأ يهدد الدول الغربية نفسها، وينسف كل المعايير الدولية التي توصلت بعد جهود كبرى إلى قرار منع الانتشار، والحيلولة دون ظهور دول نووية جديدة، نعم أعلن بوضوح بصيغة التهديد المبطن، “إما أن تمتلك أوكرانيا أسلحة نووية توفر لها الحماية، وإما أن تنضم إلى حلف يحميها وأضاف، أنه لا يعرف حلفا بفعالية الناتو.
وقد كان بديهيا أن يعتبر الرئيس بوتين هذه التصريحات استفزازا بالغ الخطورة، وسيلقى الرد المناسب، وأكد أن روسيا لا يمكن أن تسمح بأن تمتلك أوكرانيا أسلحة نووية في أي ظرف كان.