تغطية “اللحظات الأخيرة” من حياة قائد حماس في القنوات الإسرائيلية سوف ندفع ثمن الاستهتار بيحيى السنوار وتشبيهه بفأرٍ جبان
“لقد أصبح سنوار أسطورة بالفعل: شخصية أكبر بكثير من الشخص نفسه. جيدٌ أنه تم القضاء عليه، لكن ليس في وسع أية عمليات اغتيال أو تصفية أن تغيّر هذا، لأجيال قادمة أيضًا. يجب القول: “يقف يحيى سنوار هنا خائر القوى وهكذا يتم تأطيره ـ كشخصٍ قاتَلَ حتى الرمق الأخير. بالنسبة لهم، هذه صور انتصار، وليس أقل من ذلك”.
نشرت “هآرتس” مقالاً تحليلياً بقلم “ياسمين ليفي”حول اشتشهاد القائد يحيى السنوار بالعنوان أعلاه يوم 21/10 الجاري، بدأته بالقول: “في إسرائيل، جرى الاحتفال بموت يحيى سنوار بنشوة مثيرة للحَرَج. في العديد من الأماكن وزّعوا الحلوى، فتحوا زجاجات العرَق وكادوا يرقصون في الاستوديوهات لحظة إعلان البُشرى التاريخية التي لم تأتِ إلا بعد مرور سنة كاملة من بدء الحرب. لم يُقتَل قائد حماس في عملية اغتيال مُحدَّدَة ومخطَّط لها، وإنما بمحض الصدفة تمامًا، لكن كان هناك من رأى في هذا الإنجاز العشوائي قدرة عملانيّة بارعة. ولم يقتصر الأمر على تداول صورة جثة سنوار المصابة بالكدمات من كل زاوية ممكنة فحسب، بل تم بث لحظاته الأخيرة بفخرٍ على القنوات المختلفة أيضًا. وفي شريط الفيديو الذي نشره الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، ظهر مهندس مذبحة السابع من تشرين الأول وحيدًا على كنبة مُغبَرَّة مثله، في بناية تعرضت للقصف، مصابًا بجروح خطيرة في يده لكنه يتمالك نفسه ليلقي باليد الأخرى عصًا نحو طائرة بدون طيّار تابعة للجيش الإسرائيلي. لم يكن من الضروري في هذا الوقت نشر توثيق الإرهابيّ الكبير وهو في لحظات انهياره الأخيرة، وهو شريط الفيديو الذي أذلَّه حتى بعد أن كان قد “وحَّد الساحات” مع نصر الله الجثّة. هذا الشريط، الذي قد يؤدي كشفُه على انتقام مسلحي حماس من المخطوفين، كان بمثابة الحلوى التي تم توزيعها على المشاهدين بينما كانت الجماعة البربرية تنتشي من الشماتة وتنظر إلى سنوار باعتباره فأرًا جبانًا تمّ القبض عليه وسَحقُه. لكنّ ما يُرى من هنا لا يُرى من هناك، والوحيد الذي أشار، بشكل دقيق وحاسم، إلى الفارق في الطريقة التي رأى بها العالم العربي لحظاته الأخيرة مقارنةً مع إسرائيل، كما اشار إليئور ليفي، رئيس القسم الفلسطيني في أخبار قناة “كان”، خلال النشرة الإخبارية مساء يوم الجمعة”.
وأضاف: “التوثيق الذي ترونَه هو ليس ما يراه أعضاء حماس أو الجهاد الإسلامي أو حزب الله. فهؤلاء يرون إنسانًا قاتَلَ حتى اللحظة الأخيرة، حتى قطرة الدم الأخيرة. حتى وهو مُصاب، أيضًا. وليس ذليلًا، بالتأكيد. لقد أصبح سنوار أسطورة بالفعل: شخصية أكبر بكثير من الشخص نفسه. جيدٌ أنه تم القضاء عليه، لكن ليس في وسع أية عمليات اغتيال أو تصفية أن تغيّر هذا، لأجيال قادمة أيضًا. يجب القول…: “يقف يحيى سنوار هنا خائر القوى وهكذا يتم تأطيره ـ كشخصٍ قاتَلَ حتى الرمق الأخير. بالنسبة لهم، هذه صور انتصار، وليس أقل من ذلك”، جزَمَ القول عن الشخص الذي سيبقى محفورًا في ذاكرة العديد من الفلسطينيين كشهيدٍ وبطل ناضَلَ ضد الصهيونية المحتلّة والفاسدة، كقائد عربيّ شجاع قاتلَ وهو مصابٌ في يده، حتى لحظاته الأخيرة. “وإن كانوا في إسرائيل يعتقدون بأنّ هذه الصورة تؤدي إلى إذلال سنوار بين الغزيّين مؤيدي المحور الداعم لإيران، فإنهم يرتكبون خطأ فادحًا”، قال ليفي وأوضح كيف ساهم نشر شريط الفيديو في بناء شخصية سنوار الأسطورية التي ستبقى حاضرة في الوعي لسنوات عديدة قادمة”.
وخلص للقول: “كان من الواضح أن ليفي كان غاضبًا من الرواية المتغطرسة التي تشكلت في إسرائيل مقابل محلل الشؤون العسكرية روعي شارون الذي أيّد نشر لحظات سنوار الأخيرة، لم يجد فيها ما يمجّد سنوار واعتبره شخصًا مرعوبًا قبل نهايته المريرة. “أنتم لا تفهمون ما هي حماس. يجب عليكم التوقف عن النظر إليها بأعين إسرائيلية”، قال ليفي موبِّخًا ثم كرّر كلامه وأكّد واقع الإشادة بسنوار وتمجيده في العالم العربي. كان ليفي مُحقّا. إسرائيل هي التي بَنَتْهُ في حياته وفي مماته ومرة أخرى يقع في الخطأ أولئك الذين يستخفّون بمَن كان العدوّ الأشجع الذي ظهر في الشرق الأوسط ويقللون من شأنه. استراتيجيٌّ مُحنّكٌ وقاتِلٌ خادع إسرائيل وأنزلَ بها الضربة الأكبر في تاريخها. شخص لم يهرب إلى مصر، كالهراء الذي أطلقته الأبواق أو إلى ميامي ولم يتحصَّن لدى ملياردير مثل فاليك. في لحظاته الأخيرة، لم يكن سنوار محاطًا بالحراس حتى. “بسقوط عدوّك، لا تفرح”. من الأجدر القضاء على الغطرسة الإسرائيلية، لأنها قد تجلب علينا 7 أكتوبر جديدًا، يومًا ما في المستقبل”.