أن مفهوم المقاومة بحد ذاته هو مفهوم فلسفي؛ كونهُ فعل يسعى للتغيير، أما المُقاومة في مفهومها العام هي ردة فعل مجتمعية واعية ضد واقع مرفوض أو غير مشروع، أو لمواجهة استبداد واستعباد أو ظلم أو تمييز أو احتلال…. يزخر التراث الثقافي الإنساني بظواهر متنوعة من المقاومة، يتفاعل معها الناس وترتبط بقدرتها على تحقيق أهدافها بدرجات مُتفاوتة حسب أحتضان المجتمع لها، وإدراكها السليم للتحديات التي تواجهها، وامتلاكها الوعي والرؤية المُتماسكة والخلاقة والبنية التنظيمية، والقيادة المؤمنة بقوة الفكرة بإرادتها الواعية، وإمكانيات يقتضيها زمنها ومهارات متراكمة في حشد الطاقات، كما وأن الحكمة الشعبية للسكان تلعب دوراً مهماً في علاقات القوة، فهي تقوم على التراث الشعبي الشامل العلني والموروثات الشعبية المخفية، والتي تلعب دوراً مهماً من ناحية قيامها بالتنبيه ودراسة السلطة والهيمنة والخضوع والمقاومة، ويمكن ان نُرجع ذلك الى أبعد من هذا بأدلة من السيطرة الأبوية والاستعمار والسجون ومعسكرات الاعتقال.
أن الكتابة بهذا الموضوع تكشف عن تحدٍ معرفي حقيقي لجميع محللي العالم الاجتماعي المهتمين بدراسة حالات الهيمنة عبر العالم، وخاصة البلدان التي تخضع لأشكال مختلفة من التبعية والاستعمار، ويكشف عما يختفي خلف قناع التبعية وستار الإجماع والتناغم الاجتماعي الظاهري، وهو: السياسة التحتية للتابعين، والسياسة السرية الخفية للمهيمن عليهم، فهو تشريح مُتعدد النظرات والأدوات لجميع حالات الهيمنة، حتى الأكثر منها تطرفاً والتي يُعبر عنها بطرق مُخفية، وحين يضع خطاب الطرفين أمام بعضهما البعض، يرفعهُ إلى مقام التنافس من أجل الوصول إلى استنتاج مُحكم لرفض نظريات “الوعي الزائف” التي تفترض أن الهيمنة يمكن تبريرها وتسويقها، وخاصة الأيديولوجية منها، التي تصبح في مرحلة ما فعالة جداً، لدرجة أن قيمها وتمثيلاتها يتم تبنيها ودمجها بالضرورة من قبل المهيمن عليهم. ان هذه الفكرة قد تطورت نتيجة للجهود الحثيثة، التي بذلها الباحثين لفهم ماهية هذا الموضوع من خلال فهم العلاقات الطبقية، حيث كُنا نقرأ دائماً ونقارب بما نُشاهد في الميدان، فإن هُناك روايات مُختلفة عن صفقات الأراضي ومستويات الأجور والمكانات الاجتماعية والتغير التكنولوجي، إلا أن ذلك بحد ذاته، لم يكن يُثير الدهشة بقدر ما كانت لأبناء الأرض من المصالح المتناقضة ويلاحظ أن التناقضات كانت ظاهرة بقوة بين الأكثر فقراً منهم، في حين أن الأكثر استقلالية أقل تبعية، وذلك بعرض ما نصف عن أشكالاً مُختلفة من الخطاب، بين الفقراء فيما بينهم وبينهم وبين الملاكين الكبار، وبين هؤلاء ونظرائهم، فان خطاب الهيمنة يدرس التعامل مع الحالات المُتداولة من الشخصيات الأكثر بروزاً بطريقة مضللة، من أجل عدم رؤية المقاومة فعلياً، ويتناول فن الخداع بين المهيمن والمهيمن عليهم من الذين ليسوا احراراً بالقدر الكافي في قول آرائهم في حضور السلطة؛ لذلك يُطورون خطاباً سرياً يقوم على انتقادها من وراء ظهرها، وكذلك الأمر بالنسبة لصاحب الهيمنة الذي يؤسس أطروحة كاملة عن تسلطه والأهداف التي يبتغيها، ويظل هذا الصراع بين الخطابين خفياً ولا يظهر على الملأ، بل إن الرياء هو الذي يحكم العلاقة بين طرفي المُعادلة. وهنا يكشف عن مظاهر من السخرية من خلال أمثلة ووقائع في الخطابين السري والمُعلن، ويدعم دراساته بأمثلة من الأدب والثقافة والتاريخ في مناطق مختلفة من العالم، وهذا ما يجعل منه صالحاً لكُل زمان ومكان من أجل تشخيص وتوصيف الهيمنة بأشكالها المختلفة، وخاصة أشكال المقاومة السرية منها، حيث الحاجة لها في أحيان كثيرة تكون حاضرة بقدر الحاجة إلى المُقاومة العلنية فتوظيف كُل منهما حسب الموقف هو شيء لا يمكن التخلي عنة لتحقيق المُبتغى، وهو الوصول للحقيقة المُتمثلة بعودة الأرض المُغتصبة لأهلها، لذلك سنبقى نُقاوم بشتى الطرق لأننا سنبقى نبحث عن الحقيقة نحن وكُل من تمثل هذا المفهوم فيه بعمق، حيث أن أتخاذه نهجاً يُصل متبنيه الى حالة التجلي باوسع معانيها، عكس ما يشاع تماماً فالمُقاومون الحقيقيون مُحبون للحياة وصانعون للأمل لأن التحدي فيهم حاضراً في كُل تفاصيل الحياة، فبدون هذه الصفة يكون المرأ مُستسلماً للفشل والجهل والخنوع والخضوع، فبها يُقابل حاملها الجهل بالوعي والفشل بالتجارب المُتكررة لحين الوصول الى الهدف، وبها يعرفُ كيف يُغامر، وكيف يبقى يبحث عن العدل والقيم الانسانية حيث الارادة الحرة للانسان الذي تحلى بهذه الصفة بتكوينه الارادي والجيني( عوامل جُبلية)، أما ما نراه اليوم في فلسطين ولبنان عموماً وغزة على وجه الخصوص هو فعل المقاومة بكل معانيها الخفية والظاهرية الواقعية هو استرداد الحرية والكرامة والإنسانية والأرض، فأن المُقاومة تتحرك وفق إطار استعادة الحقوق وتريد إنهاء الخضوع وقطع أسبابه، فهي إذا توسعنا بها نرى أنها تعبير عن عمل ديمقراطي كونها تريد تحقيق رأي الأغلبية، كما أن هناك ثمة فرق بين المُقاومة كمسار والمُقاومة كحق، والحق يختلف عن التوصيف لأي حركة سياسية كون الحق مرسوماً فلسفياً.