من ملطشة العالم إلى حكامه.. القبائل الجرمانية برابرة أوروبا وشعبها الأصلي..!
برابرة أوروبا، فوضويون لا يعرفون سوى العنف، وهمجيون لا يعرفون الخوف، قبائل غامضة رجالها شجعان وأقوياء. يستعملون الأسلحة بمهارة عالية ويرتدون ملابس غريبة ومخيفة لإرهاب أعدائهم. نظراتهم حادة، حتى يوليوس قيصر نفسه تجنب النظر في عيونهم. أذلتهم الإمبراطورية الرومانية على مدى عقود، وعندما انتقموا لم يربحوا المعركة فقط، وإنما قضوا على أقوى امبراطورية في التاريخ. القبائل الجرمانية، الشعوب التي بتنا نعرفها بالشعوب الأوروبية، كيف تحولوا من قبائل بدائية إلى شعوب تحكم العالم؟ وهل يدور التاريخ دورته ويعودون كما كانوا؟
نشأ مصطلح الجرمانية في العصور الكلاسيكية للإشارة إلى القبائل التي عاشت بشكل عام في شمال وشرق أوروبا، إنتشرت هذه القبائل فيما بعد في جميع أنحاء أوروبا ليصبحوا الأساس المستقبلي للشعوب الأوروبية. لا تمثل شعوب الجرمانية ألمانيا فقط التي تعرف بإسم ” جيرماني” وإنما شكلت هذه القبائل كل من الدنمارك وهولندا وسويسرا وبلجيكا وتشيك وفيما بعد إنجلترا وإسبانيا وتم إستخدام الإسم الجرماني من قبل الرومان الذين نقلوا لنا تاريخ تلك القبائل وخصائصهم وطريقة معيشتهم. ولأن الرومان وجدوا صعوبة كبيرة في التفريق بين هذه القبائل أطلقوا عليهم جميعا إسم الشعوب الجرمانية، لكن الحقيقة أن الشعوب الجرمانية تتألف من عدد كبير من القبائل أشهرهم القوت والسكسونيون والفرنج والفايكينج و الفاندال. لم تعرف هذه القبائل سوى الحياة الريفية ولم يجيدوا العمل سوى بالرعي، حيث جاء الجزء الأكبر من طعامهم من الحليب والجبن واللحوم، وقاموا أيضا بزراعة المحاصيل الرئيسية مثل الحبوب والخضروات، وكان الرومان ينظرون لهذه الشعوب نظرة دونية لدرجة أنهم كانوا يعاملون حيوانتهم معاملة أفضل من معاملتهم لهذه الشعوب المبعثرة في جميع أنحاء أوروبا في منازل هشة. لكنهم كانوا يتميزوا بأمر واحد لم يكن متواجد عند الرومان وهي قوتهم الجسدية وشراستهم في المعارك، وقدراتهم القتالية. حيث ارتبط حبهم لمعارك بممارستهم الدينية التي ارتبطت بآلهة الحرب دانواثور. وكان الرجل عندهم يبدأ التدريب على القتال بسن صغيرة وكان يعطى درعا ورمحا يجب عليه أن يحافظ عليهما جيدا، وفي حال خسراته لدرعه أو رمحه فهذا يعني أنه قد خسر شرفه. وبينما كانت الإمبراطورية الرومانية تخوض المعارك بهدف التوسع والسيطرة، كانت القبائل الجرمانية تقوم بغارات بسيطة للإستيلاء على الموارد لأن فكرة الحرب لدى الشعوب الجرمانية كانت متمثلة فقط بالبحث عن الطعام والمكان.
الجرمان يسقطون روما
جاء أول إشتباك كبير بين الشعوب الجرمانية مع الرومان في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، كان الإنتصار بشكل شبه دائم الى جانب الجيش الروماني المتطور والمدرب فقد ارتدوا المعادن كدروع واتخذوا السيوف الحادة كسلاح، بينما كانت الشعوب الجرمانية لا تعرف الحديد مطلقا وكانوا يقاتلون برماح خشبية وأسلحة بدائية وبعد عقود من الإهانة والقتل والتدمير التي تعرضت لها القبائل من قبل الرومان تمكنوا أخيرا من توحيد أنفسهم ومواجهة الجيش الروماني، وكانت معركة غابة تويتوبورغ أول معركة ذات تأثير كبير ينتصرون بها بعد أن قضوا على ثلاثة جحافل رومانية بالكامل، وذلك بمساعدة القائد العسكري الروماني أرمينيوس الذي ينتمي أساسا للقبائل الجرمانية والذي يعرف تكتيكات الجيش الروماني. لكنه إنقلب على الرومان وخدعهم بعد أن إنحاز إلى شعبه وتمكن أرمينيوس من قيادة الجيوش الرومانية التي يقودها فاروس إلى كمين محكم والقضاء عليها، ولم ينجو من الجيش الروماني إلا مجموعة صغيرة جدا، تسببت هذه المعركة بفقدان روما سيطرتها على غرب نهر الراين. وبسبب هذه الخسارة القاسية يقال أن إمبراطور روما أغسطس دخل في حالة إنهيار شديدة بعد أن مزق ملابسه وأرخى لحيته، وباتت حالته يرثى لها. ويقال أنه بين الحين والحين يضرب رأسه في الحائط ويبكي مناديا ” فاروس أعد لي جيشي”.
في وقت لاحق بدأت الجيوش الجرمانية بالتطور بعد أن قاموا بتحديث معداتهم العسكرية، وبعد أربعة قرون تمكنت القبائل الجرمانية البدائية من إسقاط الإمبراطورية الرومانية التي لفظت أنفاسها الأخيرة عام 476 للميلاد حين تمكن القائد الجرماني أودواكر من القضاء على رومولوس أوغستولوس آخر إمبراطور لروما وأصبح أودواكر أول جرماني يحكم إيطاليا، ثم بدأت القبائل الجرمانية بالهجرة إلى جميع أنحاء أوروبا حيث استقر القوت و اللمبارديين في إيطاليا وتوغل الفاندال والقوت الغربيين في إسبانيا ووصولوا إلى شمال إفريقيا أما السكسون والمجموعات الأخرى فانتشروا في إنجلترا واندمجوا مع السكان الأصليين ليشكلون لاحقا ما بدأ يعرف بالأنجلوس اكسكسون. ولاحقا تحولت هذه الشعوب إلى المسيحية تدريجيا بين القرنين الرابع والسابع الميلادي فهل سمعت عن هذه القبائل؟ وبرأيك هل تعيش أوروبا أيامها الأخيرة وتعود قبائلا متناثرة متنازعة كما كانت خاصة في ظل جو الوعيد بحرب نووية تعيد أوروبا إلى العصر الحجري؟