إسرائيل في أسوأ وضعية منذ تأسيسها: الداخل أخطر ساحات المواجهة
“ جيش الاحتياط في وضع صعب، تآكل وشرخ اجتماعي ووضع اقتصادي صعب. وشهدت احتجاجات الحريديين، التي تجاوزت كل القوانين الإسرائيلية، مواجهات مع الشرطة، وعكست صورة مصغرة لوضعية المجتمع الإسرائيلي وما يمر به من خلافات وصراعات. فهذه المشاهد هي انعكاس لحرب دينية، كما اعتبرها بعض المراقبين أو حتى حرب أهلية. إنشاء ما يسمى بـ(الهيكل الثالث) على أنقاض المسجد الأقصى، على أن يكون هدفاً من أهداف الحرب“.
كتبت “أمال شحادة” مقالاً تحليلياً نشرته “الإندبندنت” بالعنوان أعلاه اليوم 19/11 الجاري، استهلته بالقول: “أشعلت القنبلتان اللتان ألقيتا على بيت بنيامين نتنياهو في قيساريا نيران تحذير، ليس فقط لرئيس الحكومة العالق بين غزة ولبنان منذ 13 شهراً، إنما أيضاً لمتخذي القرار والمعارضة والقيادات العسكرية والأمنية في إسرائيل، التي يزداد الصراع والانقسام والخلافات بينها حتى وصل الأمر إلى مشاركة ضابط احتياط كبير مع آخرين من ناشطي الاحتجاجات التي تشهدها إسرائيل منذ أكثر من سنة، في الاعتداء على رئيس الحكومة بإلقاء القنبلتين على بيته، مما أسهم في تعميق الانهيار الداخلي في إسرائيل والشرخ داخل المجتمع، الذي ظهر بصورة بارزة وخطرة عندما أعلن رئيس (المعسكر الوطني)، بيني غانتس، وهو من داعمي الاحتجاجات، أن (إلقاء القنبلتين هو عمل إرهابي). وعكس حديث غانتس هذا وضعاً داخلياً حذر كثر من خطورته، فعندما تصف شخصية داعمة للاحتجاجات في إسرائيل، مثل غانتس، ضابط احتياط وآخرين بالإرهابيين، فهذه أخطر مؤشرات الانقسام الداخلي وتفكك المجتمع الإسرائيلي. مشاهد الدخان المشتعل بعد إلقاء القنبلتين على ساحة بيت نتنياهو والمنطقة المحاذية له، التي شهدت احتجاجات وتظاهرات حتى فترة قصيرة، تضيف قطعة جديدة إلى لوحة (بازل) المجتمع الإسرائيلي المنهار، التي تشمل 101 أسير في أنفاق غزة، غير معروف مصيرهم ولا عدد الأحياء بينهم، وأكثر من 100 ألف مشرد من الشمال ينتظرون عودة الأمان إلى تلك المنطقة و700 ألف إسرائيلي خارج حدودها، وفق ما نشر في بحث خاص حول موضوع الهجرة، إلى جانب ما وصفه جنرال احتياط، يسرائيل زيف، من وضع داخلي مقلق وخطر على جميع الصعد، فقال إن (جيش الاحتياط في وضع صعب، تآكل وشرخ اجتماعي ووضع اقتصادي صعب). ودعا زيف الحكومة إلى خطوات فورية لإنهاء الحرب على جميع الجبهات. وما بين هذه الملفات يأتي الحريديون المدعومون من أحزاب ائتلاف حكومة نتنياهو ليشعلوا النيران مباشرة في الميدان، بعد خروجهم في تظاهرات واحتجاجات وأعمال فوضى وتخريب احتجاجاً على قرار تجنيد 7 آلاف شاب من بينهم، وهو قرار لم يسبق أن اتُّخذ في إسرائيل، ولكن في أعقاب الحرب والنقص الكبير في أعداد الجنود وضرورة تقاسم الأعباء في حرب هي الأطول في تاريخ إسرائيل، تعالت أصوات جنود الاحتياط وعائلاتهم وحتى الجيش النظامي، تطالب بتجنيدهم. وشهدت احتجاجات الحريديين، التي تجاوزت كل القوانين الإسرائيلية، مواجهات مع الشرطة، وعكست صورة مصغرة لوضعية المجتمع الإسرائيلي وما يمر به من خلافات وصراعات. فهذه المشاهد هي انعكاس لحرب دينية، كما اعتبرها بعض المراقبين أو حتى حرب أهلية، لأن المواجهات العنيفة والاعتداءات والاعتقالات تجري أيضاً في تظاهرات الاحتجاج على سياسة الحكومة وعدم الدفع بملف مفاوضات الأسرى نحو الحل، وينظمها منتدى خاص داعم لعائلات الأسرى في غزة. ولا يقتصر خطر شريحة “الحريديين” في المجتمع الإسرائيلي على رفض الخدمة والمطالبة بموازنات خاصة، وإنما تعمل أيضاً على تأجيج الوضع الأمني، وسط صمت نتنياهو ووزراء حكومته. إذ دعا الحاخام دانيال سجرون، إلى حشد جهود دولية لدعم إنشاء ما يسمى بـ (الهيكل الثالث) على أنقاض المسجد الأقصى، على أن يكون هدفاً من أهداف الحرب”.
101 أسير رهينة سياسة الحكومة
“الشرخ الذي يتعمق في إسرائيل كانت بدايته قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما خرج الإسرائيليون إلى الشوارع ضد الانقلاب القانوني الذي اتهموا نتنياهو بمحاولة تنفيذه، وانضم إليهم جنود احتياط وشرائح واسعة في المجتمع الإسرائيلي سرعان ما توقفت مع بداية حرب (طوفان الأقصى)، ولكن بعد أشهر من الحرب ومن دون أفق لنهايتها وفي ظل رفض الحكومة التوصل إلى صفقة أسرى، وهو موقف أدى إلى مقتل نحو نصف من تبقى هناك، ومعظمهم سقطوا بنيران الجيش الإسرائيلي، عادت أعمال الاحتجاج والصراعات الداخلية لتصل هذا الأسبوع إلى الذروة، بعدما رفضت الحكومة توصية الجيش بالتقدم نحو الصفقة وإنهاء القتال في غزة بعد استكمال الجيش عملياته وأهدافه. وعقد نتنياهو ووزراء حكومته جلسات مطولة وخرجوا من دون أي تقدم نحو الصفقة، وهو موقف زاد الخلاف وعمَّق الشرخ الداخلي، ليأتي ملف لبنان ويضاعف عدم الاستقرار الداخلي. ويرفض وزراء في الحكومة التوصل إلى اتفاق بذريعة أن (حزب الله) سيستغل الوضع ويعود ليعزز قدراته العسكرية، أما رئيس الحكومة، الذي أبدى نوايا حسنة للتوصل إلى اتفاق قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، فأسهم في الترويج لهذه التصريحات، متجاهلاً تقارير الجيش التي تؤكد أنه أنهى بنك أهداف عمليته البرية وبات بانتظار قرار المستوى السياسي. وكما سياسة الإصرار على الشروط التي نجحت إسرائيل من خلالها في إحباط جهود صفقة الأسرى، تمارس تجاه صفقة مع لبنان، السياسة ذاتها، وأكدت أنها لن تتنازل عن تعنتها لضمان حرية عمل سلاح الجو في حال تم انتهاك الاتفاق، كما أنه لا يوجد توافق في شأن بند الدول التي ستراقب تنفيذ الاتفاق. عراقيل تضع الحرب على أكثر من جبهة أمام فترة خطرة، والأضرار التي تلحق بإسرائيل هي أيضاً غير قليلة. فعدم التوصل إلى اتفاق حول صفقة الأسرى يشكل خطراً على حياة من تبقى منهم حياً في أنفاق غزة، إلى جانب الأضرار التي تلحق بالجيش بعد قتال لـ 13 شهراً، أما في لبنان فالوضع أكثر خطورة، فالنازحون يعيشون ظروفاً صعبة وخطرة بعد 13 شهراً من ترك بيوتهم في الشمال، والجيش بات منهكاً وهو يعترف بذلك ويحذر من استمرار القتال مع النقص الكبير لعدد الجنود والوحدات، من دون أن تنجح الحكومة في إلزام الحريديين بالتجنيد، أما الوضع الاقتصادي فتدهور بصورة خطرة”.
صفقة مع نتنياهو
“أمام هذه الوضعية وانعكاساتها على إسرائيل دعت جهات إسرائيلية إلى التوجه نحو (حكومة وحدة وطنية) أو التفاهم مع بنيامين نتنياهو. واقترح المؤرخ ديمتري شومسكي أن تتفق المعارضة على توقيع صفقة مع نتنياهو وبصورة فورية، إذ إنه برأيه (الوضع في إسرائيل لا يُحتمل كثيراً، وعلى الجميع التفكير خارج الصندوق وإجراء مفاوضات مع نتنياهو بدل حماس)، قالها ساخراً. وبحسب شومسكي فإنه (أمام حقيقة استمرار احتجاز 101 أسير في غزة منذ أكثر من سنة، يجب إجراء المفاوضات وعقد صفقة مع من يرفض إعادتهم وهو رئيس الحكومة). وقال إن (رؤساء المعارضة ملزمون بالبدء في التفكير خارج الصندوق. يجب عليهم على الفور بلورة خطة للدفع قدماً بصفقة شاملة مع رئيس الحكومة، التي أساسها هو ضمان بقاء حكمه وحصانته القضائية في مقابل تنفيذ الصفقة بينه وبين حماس. كذلك فإن اقتراحات أحزاب المعارضة كخطوط عريضة لصفقة مع نتنياهو يجب أن تكون واضحة وحاسمة). ويرى شومسكي أن نتنياهو سيواصل عرقلة أي تقدم ينهي الوضع الحالي في إسرائيل، وسيطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر 2023. وأضاف (مع كل الأسف والألم في هذا الأمر، فإنه من الضروري التنازل له أيضاً في هذه المسألة. صحيح أنه سيكون في ذلك نوع من البصق في وجه أبناء عائلات القتلى والمقتولين. إضافة إلى ذلك، فإن إحباط تشكيل لجنة تحقيق رسمية في الفشل الذريع في تاريخ دولة إسرائيل يعني المس الشديد بمبدأ مسؤولية الحكومة، مع إعطاء الشرعية للإهمال والفساد في مؤسسات القيادة السياسية والأجهزة الأمنية).
وحذر قائلاً (لا شك في أن هذه الخطوة ستعطي حقنة تشجيع خطرة لمواصلة تفشي الفساد العام، وعملية قضم قاتلة في أنظمة حراس العتبة في الدولة)”.