
(ذلك لأنّ “كل الشعب جيش”، أليس كذلك؟) بما يجري في قطاع غزة، كل الإسرائيليين متهمون
“من الصعب جداً العثور في العالم كله على دولة أخرى كلها، كل ما ومَن فيها، من مواطنيها، جنودها، رجال شرطتها، مستوطنيها، صناعاتها، إعلامها، ثقافتها ومجمل وجودها وكينونتها، مُجنَّدون ومُسخّرون لقواتها المسلحة إلى هذا الحد. (ضالعون) ناشطون إلى هذا الحدّ في القتال، في الاحتلال، في النهب وفي الشرّ. كل الإسرائيليين ضالعون، منذ الحمل ومنذ الولادة. من الختان وحتى الذبول. مُرَبَّون، مُدرَّبون، مُرَوَّضون، مُذعِنون، مثل الدلافين في حوض الدلافين، مثل الخيول في السيرك، مثل الجنود في الموكب العسكري. مثل الدمى تحركها الخيوط”.
كتب “ب. ميخائيل” في “هآرتس” اليوم 19/1 الجاري، مقالاُ بالعنوان أعلاه، بداه بالقول: “إحدى أكثر الخدع فائدة من بين العديد من الأكاذيب، المغالطات والخدَع التي تحيط بهذه الحرب الدنيئة، هي العبارة الجازمة: (ليس ثمة غير ضالعين هناك). هذا ما يحرص جميع أبواق السلطة ومتملقيها على أن يعلنوه صبح مساء. يشرحون، مرة تلو أخرى، أن جميعهم هناك ضالعون. جميعهم حماس. جميعهم قَتَلَة. جميعهم مغتَصِبون. وجميعهم نازيون معادون للساميّة. خلف هذه الخدعة المفيدة يجري إخفاء كل شيء وتبرير كل شيء: القتل العشوائي لنحو 50 ألف إنسان (لا تقلقوا، سنبلغ هذا العدد بسرعة فائقة)، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال. السحق التام للجهاز الطبي، الدمار التام والشامل لجميع المؤسسات الدينية، الثقافية، التعليمية والاجتماعية. والآن، التدمير المنهجي والتسوية بالأرض لكل البنى التحتية اللازمة للحد الأدنى من الحياة. كل ذلك، في ظاهر الأمر، من أجل تطهير قطاع غزة من الحثالات غير اليهودية وتهيئته ليكون صالحًا لسكن اليهود الأطهار فقط. ويفضَّل أن يكونوا من المتدينين الملائمين. كل ذلك لأنّ جميع سكان القطاع (ضالعون). هذا التبرير، الشرّير، الوقح، والمنافق أساسًا، يبدو غريبًا بشكل خاص عندما تكون دولة إسرائيل هي التي تستخدمه. سيكون من الصعب جداً العثور في العالم كله على دولة أخرى كلها، كل ما ومَن فيها، من مواطنيها، جنودها، رجال شرطتها، مستوطنيها، صناعاتها، إعلامها، ثقافتها ومجمل وجودها وكينونتها، مُجنَّدون ومُسخّرون لقواتها المسلحة إلى هذا الحد. (ضالعون) ناشطون إلى هذا الحدّ في القتال، في الاحتلال، في النهب وفي الشرّ. بالفكر وبالعمل، بالقول وبالفعل، بأجرٍ وبالتطوع، بالتجند الرسمي وبـ (الطلائعية) الفردية، من أجل السماء ومن أجل الجشع. كل الإسرائيليين ضالعون، منذ الحمل ومنذ الولادة. من الختان وحتى الذبول. مُرَبَّون، مُدرَّبون، مُرَوَّضون، مُذعِنون، مثل الدلافين في حوض الدلافين، مثل الخيول في السيرك، مثل الجنود في الموكب العسكري. مثل الدمى تحركها الخيوط”.
ويتابع الكاتب: “هل ثمة في كوريا الشمالية، على الأقل، (ضالعون) مثلنا؟ لا. هناك، أيضاً، لا. هناك ـ كما يروون لنا ـ كل شيء بالإكراه. بالاستبداد. بالدعاية. بغسل الدماغ. أما عندنا، فكل شيء بالإرادة الحرة، بالاختيار الحر. بحرية وموافقة. من غسل دماغ ذاتيّ، إراديّ، في البيت، في المدرسة، مع الأصدقاء، في الخدمة العسكرية في الاحتياط، في حضن العائلة. ذلك أنه في كل بيت في إسرائيل، في كل بيت حقًا (باستثناء بيوت السكن المحميّ، مراكز إيواء المسنين)، يسكن جندي واحد على الأقل. وبجانب باب البيت هنالك حقيبة مجهزة للحرب، فيها كل المستلزمات، إلى جانبها بندقية ساعَر وخوذة، متكئة على عدة القهوة اللامعة بجانب الحقيبة المرتبة، كل شيء مُعدّ وجاهز وينتظر بفارغ الصبر لتنفيذ الأمر العسكري. وشعار (كل الشعب جيش) نحن الذين أوجدناه وطبّقناه، وليس الغزيّين (الضالعين)، ولا حماس. هل ثمة في هذا ما يبرر ما تعرضنا له أو ما نفعله بجيراننا؟ حاشا وكلا. ولا مكان أصلًا للمقارنة، إطلاقًا. فنحن نحن، وهُم مجرد هُم. هم مخرّبون ضالعون، ونحن فقط نسند الحمّالة. تلك التي يربض عليها المتطفلون، المُدَلَّلون، الفاسدون والأشرار. فهل بالإمكان المقارنة؟ باختصار، لن يفيد مروّجي هذه الكذبة: بالكاد 2 بالمائة من سكان القطاع هم (ضالعون). جميع الباقين، الآخرين ـ حوالي مليونيّ إنسان ـ هم لاجئون بائسون كل مبتغاهم هو أن يعيشوا حياتهم بأفضل ما في وسعهم. منهم قتلنا عشرات الآلاف وأبَدنا حيّز حياتهم، نهائيًا. هذه الفظاعة ستبقى ملصقة على جبيننا إلى الأبد”.
وخلص للقول: “وكلمة تحذير أخيرة إلى داني كُشمارو. لقد تم تصويره في لبنان منذ وقت غير بعيد، وقد تشرّف هناك بتفجير بيت قرويّ، بحركة بسيطة بإصبعه. كان يبدو فخورًا جدًا وقت فِعلته هذه. نصيحتي له هي: لا تسافِر إلى خارج البلاد خلال السنة القريبة. هنالك احتمال ما لأن يتم استدعاؤك لتحقيق مثير لحرج شديد. وإن ادّعيتَ، للدفاع عن نفسك، بأنك صحفي، فمن شأن الحرج أن يشتد ويتعاظم فقط”.