تقارير منوعة

كم من شوفال بن نتان موجودون الآن في غزة، متلهّفون للانتقام ومتعطِّشون للقتل؟

“في إسرائيل الراهنة، وزراء يدعون إلى التطهير العِرقي بدون أن تردد أو تأتأة، أشخاص يحتفلون بالموت على شبكات التواصل الاجتماعي، جنود يحرقون منازل لإسعاد الرفاق وعلى أصوات هتافاتهم وجمهور بأكمله يفضّل التخلي عن المخطوفين وتركهم للتعذيب، مقابل الحصول على قطعة أرض في قطاع غزة. من أعراس الكراهية انتقلنا إلى جنازات الكراهية وليس هناك حتى ما يشبه التحقيق الذي من شأنه أن يشير إلى حدوث شيء ما شاذ هناك. ربما كان المخربون اليهود هم الطبيعيون بالذات هنا، والقلائل الذين يصابون بالصدمة هم الشواذ وغير العاقلين”.

تحت هذا العنوان المثير نشرت “هآرتس” مقالاً تحليلياً مؤخراً بقلم ” سبستيان بن دانيئيل (جون براون)” مرفقاً بشريط فيديو حيّ، بدأه بالقول: “طبيعي، بحسب القاموس، هو شخص عادي، عاقل وغير شاذ. (توثيق جنازة الجندي) شوفال بن نتان يبدو لي غير طبيعي. رثاه شقيقه فقال: (نحن نريد الانتقام! لقد دخلتَ أنت إلى غزة لكي تنتقم بأكبر قدر ممكن، من النساء، الأطفال وكل من رأيت، أكثر ما أمكن، هذا ما كنت تريده. وفي هذا اليوم، بعد مرور سنة على يوم السبت سمحات توراه، وحيث اعتقدنا بأننا سنذبح العدوّ، سنذبحهم جميعًا، سنطردهم من هنا، من البلاد… بأنّ كل شعب إسرائيل سيحظى بالأخذ بثأرك، ثأر الدم، ليس الثأر بإحراق البيوت، ليس الثأر بإحراق الأشجار، ليس الثأر بإحراق السيارات، بل الثأر لدماء عبيدك المسفوكة). بعد ذلك، صعد رفيقه في الوحدة العسكرية وقال: (كنت الإنسان الأكثر سعادة وتفاؤلًا وبلهًا في الوحدة. التقينا معًا للمرة الأولى في غزة حين أحرقتَ منزلًا دون إذن، من أجل الأجواء فقط). ولخّص صديقه شلومي فقال: (أعدُك بأننا سندخل إلى لبنان وإلى غزة مرة أخرى وإلى كل قرية في السامرة (في الصفة الغربية) وسننتقم وسنحارب حتى النهاية دون توقف. عندما كنتَ في غزة، كانوا ينادونك بـ (شوفي المُشعِل)، لأنك كنتَ تحرق المنازل حين تخرج منها. ونحن سوف نُحرق. ماذا سنُحرِق؟ شوفيك، ماذا سنحرق؟ دعهم يخافون! حتى الخَلاص، سنقاتل حتى جبل الهيكل!”.

وأضاف معقّباً: “جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية التي غطت هذه الجنازة، قطعت هذه المَقاطع ولم تبثّها. في تقرير مُطوَّل بُثّ ضمن برنامج “استوديو الجمعة” (في القناة 12)، لم تورد روتي شيلوني سوى كلمات الرثاء التي لم تتضمّن اعترافات بارتكاب جرائم حرب. هذه، كما يبدو، لم تبدُ لها شاذة وتستحق البث. بعد ذلك، بثوا تقريرًا عن وسائل الإعلام المُجنَّدَة في إيران، وعن صحفيي الجزيرة الذين اشتُبِه بأنهم مقاتلون في حماس، ثم قام داني كوشمارو بخطوة صحفية طبيعية ففجَّر منزلًا. خلال عطلته من الجيش قبل سنة بالضبط، أطلق شوفال بن نتان النار على بلال صلاح (40 عامًا) وأرداه قتيلًا بينما كان يعمل في قطف الزيتون قرب منزله. لم يكن صلاح مسلّحًا، لم يشكل أي خطر على حياة أي شخص، لكن بن نتان أطلق عليه النار وقتله. في تشرين الأول إياه، كانت هذه طريقة العمل الثابتة التي سلكها مستوطنون كثيرون جدًا في الضفة الغربية، ممّن استغلوا مذبحة السابع من تشرين الأول للاعتداء على فلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون. رئيس مجلس (شومرون)، يوسي دغان، المقرب من والد بن نتان، الذي يترأس المدرسة الدينية (ييشيفاه) رحَليم التي خرج منها قتَلَة عائشة الرابي، سارع إلى الإعلان في ذلك السبت بأنّ شيئًا لم يكن ولم يحدث أي شيء. في كلمة الرثاء التي ألقاها لصديقه، قال شيئًا مغايرًا بالذات: (لقد انفعلتُ كثيرًا وأُعجِبتُ بك كثيرًا. كان هنالك قاطفو زيتون ملعونون، مخرّبون، الجيش الإسرائيلي البائس… يمح لهم بالاقتراب من المستوطنات. أنت تطلق النار، أنت تتحدث، أنت تطردهم… حتى أنهم لم يحققوا مع العرب). رغم أن الملف ما زال مفتوحًا، ورغم أن بن نتان روى لمقرّبيه أنه يريد قتل نساء وأطفال، إلا أنه تم إرساله إلى قطاع غزة. ولكي يبعث الفرح في نفوس رفاقه من جنود الاحتياط، قام بإحراق منزل. لقد حدث هذا، كما يبدو، عدة مرات، ومن هنا وصْفُه ـ (شوفي المُشعِل). لم ير أيّ أحد من المحيطين به أية مشكلة في هذا، بل العكس هو الصحيح. فقد كان بن نتان طبيعيًا ومحبوبًا. كذلك الجيش نفسه كان يعتقد ذلك أيضًا، إذ أنهم أرسلوه بعد غزة إلى لبنان أيضًا. الصدفة المأساوية هي أنه لو لم يُمنَح الحصانة عن قتل بلال صلاح، لكان من الأرجح أنه لا يزال على قيد الحياة الآن. مُعتَقَل، لكن حَيّ”.

وعلّق قائلاً: “لو كانت التصريحات التي أدلى بها المتحدثون خلال الجنازة مشهدًا هزليًّا فكاهيًّا تقدمه مجموعة متديّنة في برنامج ساخر، لقالوا إنهم معادون للساميّة. لكن بالنسبة للحضور في الجنازة، وبينهم وزير كان قد دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، بدت تلك الأقوال طبيعية تمامًا. وهكذا أيضًا بالنسبة لرفاق الجندي وضباط الجيش الإسرائيلي الذين تواجدوا هناك. ليست طبيعية فحسب، بل أقوال يمكن الفخر بها أيضًا في رثائه، وهو ما يجدر أن نتذكّر منه. أنه كان يسعى إلى قتل النساء والأطفال، بأكبر عدد ممكن، روح البلَه في إحراق المنازل. كم من شوفال بن نتان في صفوف الجيش الإسرائيلي ممّن خرجوا للانتقام ولقتل الأطفال، وفي قطاع غزة الآن بالتحديد؟ بموجب التقارير الصحفية الاستقصائية التي أجراها صحفيون رياديون في العالم خلال الأشهر الأخيرة ـ العدد غير قليل. ثمة شهادات تتراكم بكثرة تتحدث عن أطفال تعرضوا لإطلاق النيران الحية عليهم في الرؤوس والصدور. هذه الحقائق تواجَه في إسرائيل، بالطبع، بالادعاءات المعروفة: هذا لم يحدث. هذه فبركات. وإن حدث، فبِطريق الخطأ. وإن لم يكن بطريق الخطأ، فإنها عشبة ضارة واحدة، فلمَ التعميم؟ وعلى أية حال، ليس هنالك أبرياء في قطاع غزة وحماس هي المذنبة. لكن لا أعشاب ولا ضارة: جندي متدين، في بوغروم في قرية أم صفا، أشعل منزلًا وحاول إحراق عائلة، ألصق كرسيًا بالباب لكي يضمن احتراق الأم مع أطفالها. هل هو في قطاع غزة الآن؟ أفيعاد فريجة يتأكد من قتل شخص ألقى سلاحه ويفاخر بذلك خلال مقابلة مع وسائل الإعلام (لأسفه الشديد، تبين أن القتيل كان يهوديًا). هل ستقود ضائقة القوى البشرية القتالية إلى إرساله إلى لبنان؟ ثلاثة جنود في لواء “كفير” يطلقون النار على طفل في سيارة ويقتلونه ثم تتم تبرئتهم لأن أسلحتهم لم تُخضَع للفحص. ضابط يطلق النار من فوق جسر في شارع 443. جندي يطلق النار لى طفل في قرية في الضفة الغربية لأنه رأى مصابيح سيارة. جنود يطبقون “إجراء بعوضة” على أبرياء في قطاع غزة للتفتيش في أنفاق ملغَّمة لأن حيواتهم تساوي أقلّ من بطارية طائرة مٌسيَّرَة. ضباط الصهيونية الدينية دعون إلى تدمير القرى والتجويع م يشعرون بالإهانة حين يصفونهم بأنهم “آكلو الموت”. هل ثمة من لا يزال يعتقد بأن هذا القتل الجماعي المكثف والواسع في قطاع غزة لا ينبع، بصورة جزئية على الأقل، من الرغبة ذاتها في الانتقام، كما عبّرت عنه الكلمات في الجنازة بصورة علنية؟”.

وأشار الكاتب إلى أنه: “منذ تشرين الأول الماضي، تم تجنيد عدد كبير من المستوطنين لوحدات الدفاع في المناطق الطرفية وقام الجيش الإسرائيلي بتسليحهم. في زيّ الجيش الإسرائيلي وبواسطة أسلحته، نفذوا عددًا لا نهائيّ من الهجمات بدوافع إيديولوجية ضد السكان المحليين في المناطق الفلسطينية والشرطة لا تجري أي تحقيق لأن المنفذين هم (جنود). والجيش، من جانبه، لا يجري أي تحقيق لأن (الأحداث لم تقع ضمن الأنشطة العسكرية). وبين الكراسي، يتفشى العنف ويتصاعد تحت رعاية الجيش. في يوم الجمعة، قتل صاروخ أطلقه حزب الله من لبنان مواطنَيْن في قرية مجد الكروم. التعقيبات هلّلت وأشادت بالصاروخ لذي قتل شخصين ساء حظهما بأن يكونا عربيين، وأصبحت هذه هي القاعدة. أشخاص يعقبون بأسمائهم الكاملة والصريحة فيكتبون “اثنان، لا شيء”، “ليس واضحًا لماذا هذا المنشور قاتم” وغير ذلك الكثير. من المؤكد أنه لو كانت هذه معلمة عربية تكتب أمورًا أقل من هذه بكثير، أو مجرد قريبة منها، لكان تم اختطافها إلى الاعتقال مع عصابة تغطي عينيها. لو أن جمهور الجنازات هناك دعوا إلى القتل، صراحة وجهرًا، لكانت تمت تصفيتهم باعتبارهم قنبلة موقوتة”.

وختم بالقول: “لكن في إسرائيل الراهنة، وزراء يدعون إلى التطهير العِرقي بدون أن تردد أو تأتأة، أشخاص يحتفلون بالموت على شبكات التواصل الاجتماعي، جنود يحرقون منازل لإسعاد الرفاق وعلى أصوات هتافاتهم وجمهور بأكمله يفضّل التخلي عن المخطوفين وتركهم للتعذيب، مقابل الحصول على قطعة أرض في قطاع غزة. من أعراس الكراهية انتقلنا إلى جنازات الكراهية وليس هناك حتى ما يشبه التحقيق الذي من شأنه أن يشير إلى حدوث شيء ما شاذ هناك. ربما كان المخربون اليهود هم الطبيعيون بالذات هنا، والقلائل الذين يصابون بالصدمة هم الشواذ وغير العاقلين”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى