تقارير منوعة

حاييم هار – زهاف: الأخوّة والصداقة لا يمكن أن تشكّلا مُبرِّرًا لجرائم حرب

“قتل وتدمير لا يخدمان أي هدف. هذا في الواقع، وصف مفصّل جدًا لجيش يرتكب جرائم حرب بشكل منهجي ويدمّر قطاع غزة من دون أي هدف واضح، في حين أن الأهداف المُعلَنة للحرب، مثل إعادة المخطوفين، لم تعد جزءًا من الخطاب. ليس ثمة تقييدات حقيقية على إطلاق النار على الفلسطينيين خارج الحدود الأخلاقية الشخصية للجندي. المناخ الحالي في إسرائيل يتم تصنيف أي نقدٍ يوُجَّه لأداء الجيش على أنه خيانة. التعبير عن الولاء للدولة بالاستعداد لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية باسمها وبأي ثمن. الروح العسكرية الأساسية نفسها التي ينشأ عليها كل جندي قتاليّ وإسرائيلي، هي روح مُدمِّرة”.

نشرت “هآرتس” مؤخراً مقالاً تحليلياً من واقع الحرب التدميرية في غزة للكاتب المحامي من أجل حقوق الإنسان “سنير كلاين” يحمل العنوان إعلاه، استهله بالقول: “عاد حاييم هارـ زهاف بعد 86 يومًا من الخدمة العسكرية في الاحتياط في (رواق) نتساريم والأمور التي يصفها هناك عصيّة على الهضم: حياة الفلسطينيين في القطاع، والتي تعادل بموجب الأوامر (العسكرية) أقل من حياة الكلاب هناك؛ مدوّنة أخلاقيات الجيش الإسرائيلي التي (أُلقِيَت من النافذة)؛ وليس ثمة تقييدات حقيقية على إطلاق النار على الفلسطينيين خارج تلك (الحدود الأخلاقية الشخصية للجندي). وهو يصف التدمير المنهجي لجميع المباني في منطقة محور نتساريم، إطلاق النار على أي فلسطيني يقترب من خط حدوديّ غير واضح في شمال قطاع غزة، قتل وتدمير لا يخدمان أي هدف. وهذا، في الواقع، وصف مفصّل جدًا لجيش يرتكب جرائم حرب بشكل منهجي ويدمّر قطاع غزة من دون أي هدف واضح، في حين أن الأهداف المُعلَنة للحرب، مثل إعادة المخطوفين، لم تعد جزءًا من الخطاب. لا تغيب العبثية والخراب عن عينيّ هار ـ زهاف الذي يعرّف ذلك بأنه (المهمّة الأكثر لا قيميّة التي نفّذتها في حياتي). يتطلب الأمر شجاعة لكي يقول المرء، صراحة وبوجه مكشوف، ما اختار هارـ زهاف قوله، لا سيما في المناخ الحالي في إسرائيل حيث يتم تصنيف أي نقدٍ يوُجَّه لأداء الجيش على أنه خيانة. وربما كان هذا هو سبب اختياره إنهاء كلامه بما يشبه الاستنتاج الذي ينبع من الفرضيات، إطلاقًا. أولًا، يدّعي بأنّ الجزء الأكبر من هذه الحرب هو رماديّ ومعقد. وهو يشير، بالطبع، إلى حقيقة أن الذهاب إلى هذه الحرب كان مُبرَّرًا في اعقاب أحداث يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلا أنّ الحقيقة هي أنها لم تجرِ، ولا في أي مرحلة من مراحلها، كحرب عادلة. فهو يصف حربًا خيالية تكون فيها إسرائيل مشغولة بهَزْم حماس وتحرير المخطوفين من دون تنفيذ تطهير عرقي، تجويع، تدمير عدد لا يتصوره العقل من المباني، جميع البنى التحتية التي تجعل الحياة ممكنة وقتل عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من الأطفال، بالقصف من الجوّ أو باستخدام الدبابات ونيران الأسلحة الخفيفة. هذه الحرب العادلة قد تكون رمادية، لكنها لم تحدث في الواقع. الشهادات التي يعرضها هارـ زهاف في مقالته تصف، بشكل واضح، حربًا أسود من السواد. إذًا، ما هو ـ بالرغم من ذلك ـ سبب المشاركة في جرائم الحرب تلك؟ الجواب غير المفاجئ تمامًا هي الرفاق. ذلك أنه إذا لم يحضر حاييم إلى الخدمة في الاحتياط، فسوف يُطحَنون في المواقع. مسألة الأصدقاء هي شأن يضطر كثيرون من جنود الاحتياط التعامل معه ولا يجوز الاستهانة بها. إنها جزء من مجموعة كاملة من القيم أوجدها المجتمع الإسرائيلي لنفسه، ويصفها هارـ زهاف في مقاله بأنها (الصداقة، الأخوّة، الولاء للوحدة، للأصدقاء، للجيش وللدولة)، تُستخدم اليوم لتبييض جرائم خطيرة ترتكبها الدولة وتنزع منّا القدرة على التمعّن في هذه الجرائم. التمعّن فيها والشروع في الإصلاح”.

ويستطرد الكاتب مفسّراً: “تعالوا نتحدث عن (الولاء). ممنوع أن يتم التعبير عن الولاء للدولة بالاستعداد لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية باسمها وبأي ثمن. إن العمل من أجل مصلحة الدولة في هذا الوقت يتطلب في الواقع نضالًا عنيدًا من أجل عدم المشاركة في هذه الجرائم، بل والعمل حتى من أجل تغيير وجهها وتصرفاتها. إن فكرة أنّ الطاعة العمياء هي خدمة للدولة، حتى حين ينفذ الجيش ويسمح بتنفيذ هذه الأعمال الفظيعة التي يصفها حاييم، هي فكرة فاشية ترفع خدمة النظام إلى مرتبة القيمة العليا، بصرف النظر عن ماهية ذلك النظام وخصائصه. وهكذا، بقينا مع الأصدقاء، والأخوّة والصداقة، إذًا. الروح العسكرية الأساسية نفسها التي ينشأ عليها كل جندي قتاليّ وإسرائيلي، هي روح مُدمِّرة في الوضع الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي. يصف حاييم ما يشبه معضلة الأسير، حيث يشارك هو ورفاقه في حرب مشبعة بالجرائم التي لا يستطيع هو عدم المشاركة فيها. أي، بدلًا من استخدام الأخوّة، الصداقة، العلاقة الإنسانية الشجاعة التي نشأت ويمكن أن تنشأ بين أشخاص من أجل العمل معًا لتغيير الواقع، تأتي هذه العلاقة وتُغرقهم سويةً في الوحل الذي يجدون أنفسهم فيه. هذه العلاقة تمنعهم من شق الصفوف ومحاربة الجرائم التي يتم إرسالهم لتنفيذها، لمحاربة القتل والهدم غير الضروريين والسياسة التي تدمّر مستقبلهم ومستقبل غزة وسكانها، هذه الأخوّة تحكم عليهم بالتخبط في حالتهم. جندي الاحتياط الذي يصفه هارـ زهاف ليس شخصًا سياسيًا، لا يتحمل أية مسؤولية عن الوضع، محكوم عليه بالخدمة وهو يتفوق على نفسه لأنه لا يتخلى عن أصدقائه/ رفاقه. إنه يطلب مِنّا نحن، الآخرين، أن نتظاهر من أجله لإنقاذه. لإنقاذ الدولة من نفسها. لكن حينما تكون مؤمنًا بأنّ هذه حرب بلا أهداف، بأنّ أهدافها سيئة في هذه المرحلة أو بأنّ جرائم حرب خطيرة تُرتَكَب في إطارها، مثلما يوضح حاييم، فإنّ عليكَ واجبًا واضحًا: أن تتصرف بشكل مختلف”.

ويخلص للقول: “عندما توصَف الأخوّة والصداقة بأنهما العامل الوحيد والحصري الذي يُجبر الفرد على أن يبقى جزءًا من الآلة التي تنفّذ هذه الجرائم، فمن الصعب عدم التفكير بأفلام المافيا وغيرها من مؤامرات الصمت التي تُحاك باسم الأخوّة وتكرّس المزيد من أعمال العنف، كل الوقت. من الممكن، ومن الواجب، كسر مؤامرة الصمت هذه وإن مجرد كتابة ما كتبه حاييم يدل على أن مؤامرة الصمت ليست مُحكمة تمامًا. لكنّ استنتاج الصداقة الذي يخلص إليه من شأنه أن يقود إلى قرار عمليّ معاكس تمامًا لذلك الذي توصل إليه هو: رفض المشاركة في الفظائع، من منطلق الاستعداد لدفع الثمن الاجتماعي الكامل المستحَق على مَن يفهم ماذا يفعل الجيش في قطاع غزة ويعارضه. الأصدقاء؟ سوف يشكرونك في المستقبل على أنك أضأت لهم الطريق وساعدتَ دولة إسرائيل على السير في اتجاه أفضل، تُستخدَم فيه الصداقة لخدمة أهداف جديرة، وليس للقتل والتدمير بدون أي تمييز”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى