أربعة آلاف جندي يحملون الجنسية الفرنسية يشاركون في “جرائم الحرب” بغزة
“فتح تحقيقات في الجرائم التي ارتكبها مواطنون من حملة الجنسية المزدوجة في إطار خدمتهم بالجيش الإسرائيلي يعد جزءاً أساسياً من الاستجابة القضائية الواجب اتخاذها تجاه الفظائع الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة. بالنظر إلى حجم هذه الجرائم، فإن التحقيق الذي تُجريه المحكمة الجنائية الدولية وحده لا يكفي، ويجب على كل الدول القادرة على ممارسة اختصاصها القضائي أن تباشر على الفور بفتح تحقيقات في هذه الجرائم.
يوماً بعد يوم تفضح حرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي الممنهج التي يقترفها “الكيان” المجرم بدعم ومشاركة غربية لا لبس فيها، بحق المدنيين الأبرياء.. ليس حقيقة عصابات هذا “الكيان” كمشروع غربي بامتياز فحسب، وإنما درجة الانحطاط الغربي وحجم النفاق المتمادي لهذا الغرب، وخصوصاً في عواصم أوروبا التي ملأت شعاراتها الخدّاعة العالم حول “العدالة” وحقوق الإنسان” ومباديء “القانون الإنساني الدولي”، وفي مقدّمتهم فرنسا الاستعمارية صانعة الثورة الفرنسية الملهمة ومحطّمة قيود سجن “الباستيل”، والتي لا تزال مصرّة على تصدير هذه البضاعة الفاسدة لشعوب العالم، وحتى بعد ما كشفته غزة وفلسطين من حقائق دامغة بالصوت والصورة، وبلا خجل أو حياء، ولا حتى احترام لعقول الشعب الفرنسي وشعوب الغرب الأوروبي الذي يسمع ويرى حقيقة قياداته السياسية المتصهينة تتجسّد مع أشلاء الاجساد المتشظّية والمحترقة لأطفال ونساء غزة.
آخر لا أخير الفضائح فرنسا الرسمية، تجلّى في تأكيد منظمات حقوقية دولية وفلسطينية، وجود أربعة آلاف جندي إسرائيلي يحملون الجنسية الفرنسية، شاركوا في “جرائم الحرب” المستمرة ضد قطاع غزة، حيث لامت هذه المنظمات السلطات الفرنسية، لعدم قيامها بفتح تحقيق معهم، بينهم جندي أثبت بنفسه بالأدلة القطعية المصوّرة قيامه بارتكاب هذه الجرائم. كما تشير الدلائل لوجود مئات من هؤلاء الجنود “المتورطين في جرائم دولية” بقطاع غزة، يحملون جنسية مزدوجة (فرنسية- إسرائيلية). وعلى الرغم من ذلك، لم تبادر السلطات الفرنسية حتى الآن بفتح أي تحقيق رسمي في هذا الصدد، وشددت هذه المراكز الحقوقية ومنها مراكز دولية وأخرى فلسطينية، على ضرورة فتح تحقيق فوري ضد أحد هؤلاء الجنود، ويدعى يونيل أونونا الذي أدان نفسه بنفسه بتسجيلاته واعترافاته الإجرامية المبثوثة.
وذكر مركز الميزان لحقوق الإنسان، وهو مركز حقوقي فلسطيني، شارك في تقديم الدعوى: أن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان “الفلسطينية والفرنسية” المشتركة، بمؤسساتها الأعضاء ومنها مؤسسة الحق ومركز الميزان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان.. تقدّموا بشكوى قانونية لدى وحدة جرائم الحرب في محكمة باريس، ضد هذا الجندي الفرنسي الإسرائيلي المذكور “الذي خدم في غزة خلال حملة الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، وذلك بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية والتعذيب، بالإضافة إلى التواطؤ في هذه الجرائم ضد الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل”. وقد استندت الشكوى المُقدمة إلى مقطع فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يتضمن عدة مشاهد تُظهر معتقلين فلسطينيين يرتدون ملابس بيضاء وأيديهم مقيدة وأعينهم معصوبة، ويتعرضون لإهانات باللغة الفرنسية من قِبل أحد الجنود، كما يظهر على أحد المعتقلين على الأقل علامات تعذيب واضحة، حيث يُعتقد أن الجندي المدعو يونيل هو من قام بتصوير هذا الفيديو.
وقال عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان: “قدمنا للسلطات القضائية الفرنسية شهادات من ضحايا فلسطينيين تعرضوا لأساليب قاسية من التعذيب أثناء احتجازهم لدى السلطات الإسرائيلية”، وأضاف: “تتطابق هذه الشهادات بشكل كبير مع الأساليب الموثقة في مقطع الفيديو المنشور، مما يعكس سياسة ممنهجة مدعومة رسمياً من قبل الدولة. كما تؤكد هذه الأدلة على ضرورة فتح تحقيق عاجل في مثل هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها قانونيا على كافة المستويات، بما في ذلك آليات الولاية القضائية الوطنية”. كما شدد شعوان جبارين، المدير العام لمؤسسة الحق، على ضرورة أن تتحرك السلطات الفرنسية للتحقيق في هذه الجرائم، وملاحقة مواطنيها المتورطين في ارتكاب “جرائم مروعة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة”. وقال راجي الصوراني، مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، معقبا على ذلك: “يتعين على أي دولة تدّعي الديمقراطية واحترام القانون الدولي أن تبادر فورا إلى التحقيق مع مواطنيها المسؤولين عن ارتكاب جرائم دولية مثل التعذيب، ومحاسبتهم. هناك مئات من المواطنين الفرنسيين متورطون في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين في سياق استمرار جريمة الإبادة في قطاع غزة”.
وحسب المراكز الحقوقية، فان هناك أدلة قوية تؤكد تورط عدد لا يقل عن 4,000 مواطن فرنسي يخدمون في الجيش الإسرائيلي، في ارتكاب “جرائم دولية”، إلا أن السلطات الفرنسية لم تقم حتى الآن بفتح أي تحقيق قضائي في هذه الجرائم المحتملة. ونقل المركز الحقوقي الفلسطيني كذلك عن أليكسيس ديسواف، محامي المدعين، ونائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وكليمانس بيكتارت، محامية ومنسقة مجموعة العمل القضائي في الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان: “إن فتح تحقيقات في الجرائم التي ارتكبها مواطنون من حملة الجنسية المزدوجة في إطار خدمتهم بالجيش الإسرائيلي يعد جزءاً أساسياً من الاستجابة القضائية الواجب اتخاذها تجاه الفظائع الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة”. وأضافا: “بالنظر إلى حجم هذه الجرائم، فإن التحقيق الذي تُجريه المحكمة الجنائية الدولية وحده لا يكفي، ويجب على كل الدول القادرة على ممارسة اختصاصها القضائي أن تباشر على الفور بفتح تحقيقات في هذه الجرائم”.
ويُذكر انه سبق أن تم تقديم شكوى أولية ضد الجندي يونيل في أبريل 2024، إلا أن مكتب المدعي العام الفرنسي قد رفض الشكوى في حينه بسبب نقص الأدلة الكافية لإثبات الجريمة بحسب وصفه، ولذلك تقدم تحالف المؤسسات الحقوقية بهذه الشكوى بصفتها طرفا مدنيا، في محاولة لمواجهة الجمود الذي يعتري عمل المدعي العام.