
مراسل “بي بي سي” يعود إلى منزله في مخيم اليرموك إحدى أكثر المناطق تضررا في دمشق
ماتريوشكا نيوز
من البداهة القول مجدداً أن استراتيجية “الكيان” بعد نكبة فلسطين عام 1948 قد تمحورت حول: إنكار وجود جريمة النكبة استناداً لإنكار وجود الشعب الفلسطيني من الأساس فوق ترابه الوطني التاريخي، وفق أكذوبة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” والحق الزائف في فِرية “أرض الميعاد”.. وإنكار وجود قضية اللاجئين الفلسطينيين التي نتجت عن تلك “النكبة” واضطر العالم للتعامل معها والاعتراف بها كأمر واقع تساوقاً مع رفض ” الكيان المجرم لتطبيق القرار الدولي 194 المتعلق بعودتهم وتعويضهم والذي إدّعى الموافقة عليه والاستعداد لتطبيقه كي يختطف الاعتراف الدولي به، بل وسن ما دعاه “قانون العودة” عام 1950 ليجعل من حق العودة حكراً على “اليهود” وحدهم، وليقطع الطريق نهائياً على إلزامه بتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.. وإمعاناً في تنكّره للحقوق المشروعة والمقرّرة دولياً للشعب الفلسطيني، كان لزاماً عليه السعي لمحو وإبادة كافة شهود “النكبة” جريمة العصر، فجعل من اللاجيء والمخيم الفلسطيني هدفاً استراتيجياً له، بل وتمادى في جعل منظمة “الأونروا” الدولية المناط بها رعايتهما هدفاً موازياً كذلك… ولم يدّخر جهداً أو فرصة إلّا وبادر في اقتناصها لتحقيق مسعاه، وإن لم يجدها عمل على خلقها بنفسه واستثمار كافة الأدوات المساعدة لذلك بمنتهى الخِسّة والوضاعة، وهو ما حصل في لبنان ثم سوريا وفي غزة والضفة والقدس والحبل على الجرّار…
منذ بداية الاحداث السورية، اقتنص “الكيان” المجرم هذه الفرصة، بدءأ بإقحام مخيم درعا، مروراً بمخيم الرمل في اللاذقية، ثم مخيم النيرب في حلب، وانتهاءً بمخيمات العاصمة دمشق وأكبرها في الشتات الفلسطيني كان مخيم اليرموك طبعاً.. ومع الأسف ساعدته في ذلك ما صنعه بمعية واشنطن وتحالف الغرب الاستعماري من أدوات إرهابية تدثّرت زوراً وبهتاناً بعباءة “الثورة” السورية، وبغطاء من عواصم عربية، والأنكى بتواطؤ واضح من النظام السوري البائد ذاته.. وكان ما كان، وهو ما يحتاج إلى أبحاث معمّقة لكشف المستور وأدوار مختلف اللاعبين في هذا الملف الحسّاس ليس في سوريا فقط وإنما في شتى دول اللجوء الفلسطيني بلا استثناء، ولكن عبثاً يحاولون، فالحرب لم تنته بعد، ولن تنتهي أبداً، فالمكر السيء سيُحيق بأهله، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال…(محرّر ماتريوشكا نيوز).
فراس كيلاني أحد مراسلي “بي بي سي” البريطانية، وأحد أبناء مخيم اليرموك عاد بعد سنوات إلى مخيّمه المنكوب، وأعدّ التقرير التالي:
ما لم يدمر بالقصف نهب بالكامل
“من داخل الزنازين والسجون والدمارالهائل بدأ يتكشف حجم الكارثة التي خلفها نظام حكم الرئيس السابق بشار الأسد، ليس بحق السوريين فحسب وإنما بحق اللاجئين الفلسطينيين أيضا. إنه مخيم اليرموك أو ما تبقى منه جنوب دمشق، حيث ولدت وترعرعت، هذه هي المرة الأولى التي يتاح لي فيها زيارة المكان منذ 15 عاما.
(هذه الحارة التي ولدت فيها، تقاطع شارع حطين الذي تعرض للقصف منذ بداية أحداث العنف التي وصلت إلى هنا، النظام قصف هذا الشارع بقذائف هاون، وفي إحدى المرات وقعت مجزرة بحق أكثر من 20 شاب فلسطيني كانوا في هذا الشارع).
لسنوات طويلة حاصر النظام مَن تبقى في اليرموك، وقضى منهم أكثر من 150 شخصا بسبب الجوع والمرض. كان غالبية سكان المخيم قد غادروه بسبب عشوائية القصف الذي استهدف مسلحي المعارضة، وما لم يدمر بالقصف نهب بالكامل.
(لم أجد حتى باب المنزل الذي فرت منه عائلتي عام 2013، مشهد يدمي القلب لا أثر لشيء حتى أسلاك الكهرباء سرقت من داخل الجدران بعد أن استعاد النظام السيطرة على المخيم منذ أعوام دون أن يسمح لسكانه بالعودة). يعني أمر غير مفهوم لماذا قد يقصف نظام حكم مناطق مأهولة بهذه الطريقة؟ يعني حجم صاروخ ينزل على منزل وأدى إلى دمار هائل وهذا الأمر غير مفهوم ولا يوجد أي مبرر!).
إلتقطت بعض الصور لأرسلها لعائلتي في المنفى وغادرت سريعا، قليل من السكان معظمهم من كبار السن فضلوا البقاء وسط الدمار على مدار هذه السنوات. وبعض من غادر إلى أمكان أخرى في دمشق بدأوا بالعودة. يزداد حجم الدمار في الإتجاه الجنوبي للمخيم، هنا لم تسلم حتى المقابر من القصف بالبراميل المتفجرة، وأكمل تنظيم الدولة الإسلامية المهمة بتكسير ما نجى من القبور”.
الكارثة التي حلت باليرموك ربما تكون الأكبر في دمشق وريفها
“تحاول أم العبد وزوجها العثور على قبر إبنهما الذي قتل بقصف طائرات النظام للمخيم عام 2013،
أم العبد: (كان إسمه مكتوب على القبر، وأيضا ولدي الثاني تم أخذه من قبل النظام ولم نعرف عنه شيء منذ العام 2018 ، كان موجود في صيدنايا، ومنذ ذاك اليوم أخبروني أنه لا يمكنني زيارته لأنه تم أخذه إلى فرع التحقيق فرع التسوية، لكن كل أصدقائه الذين أطلق سراحهم أخبروني أنه كان متعب جدا، تم أخذه إلى المشفى ولم يعيدوه).
غادر الوالدان المكان دون العثور على قبر إبنهما البكر، ولم يعرفا أبدا مصير إبنهما الأصغر. هذه هي مقبرة الشهداء القديمة في مخيم اليرموك أو ما تبقى منها وهي تعني الكثير لسكان المخيم، دمار هائل يحيط بالمقبرة من كل الإتجاهات نتيجة القصف العنيف الذي تعرضت له من قبل الطيران والبراميل المتفجرة. شواهد القبور دمرت بالكامل حين سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على هذه المنطقة في المخيم، ويقول التنظيم بطبيعة الحال أنها مخالفة للشريعة الإسلامية، هنا أهم قبر في المقبرة كان لخليل الوزير والذي كان نائب القائد العام للقوات المسلحة الفلسطينية ياسرعرفات واغتيل في تونس عام 1988، يعني هناك من جاء ولملم ما تبقى من شاهدة القبر الي كان يعتز به سكان المخيم، وآنذاك سمح حافظ الأسد بدفن أبو جهاد هنا في هذا القبر رغم خلافه الكبير مع ياسر عرفات (أبو عمار) .
الكارثة التي حلت باليرموك ربما تكون الأكبر في دمشق وريفها لكنها لم تفت من عضد أهله لإستئناف العمل على إعادة تأهيله بعد سقوط النظام، المهمة تبدو شاقة لكنها تستحق التضحية.