إقتصادصحافة وآراء

تصاعد الإشكالات والتخبط في الأوساط الأوربية نتيجة قطع الغاز الروسي (معطيات جديدة استكمالا لمقالتنا السابقة “شتاء قارس لأوروبا هذا العام)

د. أيمن أبو الشعر

• الدول الأوربية هي الخاسرة وستبكي طويلا على تلك الأيام التي كانت فيها تحصل على الغاز الروسي

زيلينسكي أوقف ضخ الغاز وليس بوتين

لعل أول ما يلفت النظر في هذا المعمعان الصاخب أن معظم وسائل الإعلام الغربية تقدم خبر انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا، وكأن موسكو هي التي قامت بهذا الفعل الضار لأوروبا، والمثير في الأمر أن المتابع لهذه الأخبار من وسائل الإعلام الغربية نفسها سرعان ما يكتشف أن انقطاع ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا سببه المباشر والواضح هو قرار الرئيس الأوكراني زيلينسكي بعدم السماح لروسيا بتمرير غازها عبر الأراضي الأوكرانية، وذلك لكيلا تحصل على عائدات بيعه في أوروبا، أما بوتين فظل حتى اللحظة الأخيرة مستعدا لتزويد أوروبا بالغاز الروسي… ولكن المدهش كما سنرى أن روسيا لن تتضرر بالشكل الذي ستتضرر فيه أوكرانيا نفسها من خلال خسارة عائدات الترانزيت التي تصل إلى 800 مليون دولار سنويا، حتى أن دوبينسكي النائب في البرلمان الأوكراني أكد أن وقف ترانزيت الغاز الروسي سيضر بالاقتصاد الأوكراني وسيجلب الربح لتجار الغاز الطبيعي المسال الأمريكيين والقطريين، وأوروبا من خلال تأثر المصانع والإنتاج وخاصة في ألمانيا وفرنسا، ورغم أن الاتحاد الأوروبي حاول طمأنة أعضائه بأن آليات الطاقة لديه مرنة بحيث تسمح بإيجاد البديل بسرعة إلا أن الواقع بعيد عن الإعلانات المتفائلة من زاويتين: الأولى أن تقنيات استيراد الغاز ووصوله وتخزينه متفاوتة بين دول الاتحاد الأوروبي، وستتلقى سلوفاكيا ومولدوفيا ضربة قاسمة إلى درجة أن سلوفاكيا تفكر بقطع الكهرباء عن أوكرانيا نتيجة انقطاع الغاز الروسي عن سلوفاكيا التي تسعى لضمان استمرار تزويدها به والبحث جارٍ عن الأسلوب الممكن، والثاني أن بعض الدول اعتماده كبير جدا على الغاز في صناعاته، وحتى لتوليد الكهرباء، في حين تستخدم دول أخرى مصادر طاقة بديلة مساعدة.

روسيا لن تتأثر كثيرا

المفارقة هنا أن روسيا لن تتأثر كثيرا بهذه الخطوة التي أراد زيلينسكي أن يحجب من خلالها موارد مالية عن موسكو فالاتحاد الأوروبي كان يعتمد على الغاز الروسي قبل الحرب بنسبة 40% من احتياجاته ثم قلص ذلك بعد عام 2022 إلى 10%، ولكن هذه المفارقة لم تدفع موسكو إلى حبس غازها تحت الأرض بل حولت تصديره إلى مستوردين آخرين، وخاصة الصين والهند وتركيا، ثم إن جزءا من كميات الغاز التي رفضت أوكرانيا تمريرها عبر أراضيها يمكن لروسيا بكل بساطة تحويله إلى الخط الجنوبي عبر البحر الأسود إلى تركيا وصربيا والمجر، وإلى مستهلكين آخرين، وروسيا في الحقيقة نوهت بقرب حدوث هذه الأزمة بالنسبة لأوروبا لذا فإن بعض التقديرات التي تشير إلى أن روسيا ستخسر قرابة 5 مليارات دولار سنويا نتيجة وقف تصدير غازها إلى أوروبا عبر أوكرانيا لم تعد دقيقة مع وجود بدائل لبيع الغاز الروسي، ولكن الواضح من جهة ثانية أن روسيا ستخسر موقعها المهيمن في سوق الغاز الأوربية، والواضح أيضا أن أوروبا ستشتري كميات الغاز البديلة بسعر أعلى بكثير من سعر الغاز الروسي، ما سينعكس سلبا على تكاليف انتاج المواد، ناهيك عن تأثير ذلك على تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم وتراجع القدرة التنافسية، وتصدع المستقبل الصناعي لدول تعتبر أعمدة تسند الاقتصاد الأوروبي كألمانيا وفرنسا. ولم يكن صدفة أن يعلن روبرت فيتسو رئيس الوزراء السلوفاكي أن وقف ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا ستكون له عواقب وخيمة على الجميع في الاتحاد الأوروبي، وليس على روسيا، أما الرئيس بوتن فأعلن أن أوكرانيا تسيء إلى أوروبا التي تطعمها، وهي بهذا التصرف تعض اليد التي ساعدتها حسب وصفه، وأن موسكو مستعدة لتزويد أوروبا بالغاز عبر بولونيا أي عبر خط يامال- أوروبا. كما أعلنت زاخاروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية أن واشنطن هي المستفيد الرئيسي من قطع الغاز الروسي عن أوروبا، وأن كييف تضحي برفاهية مواطنيها خدمة للاقتصاد الأمريكي.

التبجحات الأوروبية

من جانبها أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي مستعد لسيناريوهات وقف إمدادات الغاز الروسي عبر أوكرانيا، رغم وجود مخاوف من بعض الدول حسب ممثلة المفوضية الأوربية آنا كايسا أتكونين التي أضافت أن المفوضية الأوربية تعمل منذ أكثر من عام بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوربي للتحضير لهذا السيناريو، ولكن الوقائع حتى في إطار التصرفات السابقة في الاستغناء عن الغاز الروسي تشير إلى أن أوروبا دفعت وتدفع أثمانا باهظة نتيجة استخفافها بالطاقة الروسية التي كانت تُشغِّل معظم المصانع الأوربية، وحين استعاضت عن الغاز الروسي ارتفع سعر الغاز بواقع 500 دولار لكل ألف متر مكعب، والأزمة الجديدة مرشحة لرفع سعره من جديد، وقد حاولت شركات عديدة الضغط على المفوضية الأوربية للتوصل إلى اتفاق يسمح باستمرار تدفق الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا، حتى أن عددا من الشركات وخاصة في سلوفاكيا والمجر وقعت عريضة لهذا الغرض شارك فيها كذلك اتحادات تجارية وعدد من كبار الصناعيين، لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وتوقف ضخ الغاز الروسي منذ صباح اليوم الأول من عام 2025 ، ويرجح أن يتم اللجوء إلى زيادة الإنتاج من النرويج والجزائر، وقد أوضح دمتري بيليك عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي أن دول الاتحاد الأوروبي ستبكي طويلا على تلك الأوقات التي كانت روسيا تمدُّ بلدانها بالغاز الطبيعي مشددا على أن روسيا كانت توفي بالتزاماتها حتى النهاية.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى