ماتريوشكا نيوز تجري حوارا خاصا مع الإعلامي الأديب د. أيمن أبو الشعر حول خبر محاولة اغتيال بشار الأسد في موسكو… تسميم الأسد جعجعة بلا طحن
ماتريوشكا نيوز
• خبر محاولة اغتيال الأسد في موسكو يذكر بعنوان مسرحية “جعجعة بلا طحن” لشكسبير كلغو أو كثرثرة في الفراغ، ولكنَّ للخبر أهدافا أخرى.
• أوراق الأسد احترقت كطاغية، وقد يكون مصيره العزلة الكاملة، أو الانتحار أو الاغتيال، وأستبعد أن يسلمه بوتن كما سلم غورباتشوف هونيكر
• الشعب السوري شعب مسالم يؤمن بالتعددية كلوحة فسيفسائية جمالها بتعدد ألوان وأحجام أحجارها، ولم يرفض ديكتاتورية ليقع في براثن أخرى.
انتشر خبر محاولة اغتيال بشار الأسد كالنار في الهشيم، وهو كما يبدو بغض النظر عن مدى موثوقيته جسر لتوقعات وسيناريوهات محتملة، ولهذا توجهنا للحوار حول حيثيات هذا الخبر وغيره مع الدكتور الأديب أيمن أبو الشعر كونه إعلاميا واسع الاطلاع وأديبا سوريا يتابع بدقة كل ما يجري في بلده، وفيما يلي نص المقابلة:
دكتور أيمن أولا كيف تنظر كإعلامي إلى هذا الخبر؟
من حيث المحتوى إنه استنهاض لحديث أشبه ما يكون بلغو عن لا شيء، كما في مسرحية شكسبير “جعجعة بلا طحن” هذا إن كان مفتعلا لا أساس واقعيا له وهذا الأرجح، ناهيك عن احتمال أن يكون قد أصيب بنزلة برد في طقس موسكو الصقيعي واستدعى الطبيب فانتشرت هذه الشائعة مضخمة، ثم إن أي خبر يأخذ مصداقيته الأولى من المصدر، وهو هنا موقع لجنرال في المخابرات الروسية، ولكن دون اسم أو معطيات واضحة، ويقال أن هذا الموقع أنشئ تحديدا بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومعظم تسريباته عن الكرملين أو ما يرتبط به تفتقر إلى الأدلة، ناهيك عن أن هذا الحساب مجهول الهوية.
حسنا ولكن الخبر نقلته صحيفة “ذا صن” البريطانية، ألا يعطي اسم هذه الصحيفة المشهورة نوعا من المصداقية للخبر؟
لا بالطبع كان يمكن لاسم الصحيفة وثقلها أن يقدما مصداقية معقولة لو كان الخبر عن طريق مراسلها، وأن يكون شاهد عيان أي أنه عايش الحدث أو شاهده، أو علم من مصدر موثوق رسمي أو طبي يذكره كشاهد موثوق، فالخبر يقول أنه أصيب بوعكة صحية طالت جهاز تنفسه وداهمته نوبة سعال وضيق تنفس، وطلب المساعدة الطبية حيث جاء فريق طبي حسب الخبر إلى شقته وعالجه، وحسب الخبر تم اكتشاف مادة سمية في جسده أي أن مخبر التحليل تدخل..
ألا يكفي هذا الوصف الدقيق؟
لا يكفي طبعا، لأن أي إنسان يمكن أن يصف حالة ضيق التنفس ونوبة السعال وربما أكثر من ذلك، المصداقية تأتي من ذكر ما قاله الطبيب المعالج، أو الخبير المخبري الذي اكتشف السم في جسده كما يقول الخبر، وأن يتم الاستشهاد بهما كشخصيتين واقعيتين لهما اسماهما.
ما الهدف من اختلاق خبر كهذا إن كان لا أساس له على أرض الواقع؟
أولا لننطلق من أن بشار الأسد في هذه الفترة شخصية إعلامية مثيرة للاهتمام من عدة جوانب، أولا لأن إسقاطه أرَّخ لنهاية تسلط أسرة على الحكم لأكثر من خمسين عاما، وثانيا لأن المعطيات التي تكشفت بعد هروبه عن حجم وقسوة وشناعة القمع الذي مارسه هو وأعوانه وأجهزته الأمنية كان خياليا، وسجن صيدنايا الذي يضاهي سجن بوغريب الذي عانى الشعب العراقي كثيرا من ممارساته القمعية، وحتى غوانتانامو بات وصمة عار لا يمكن أن تمر مرور الكرام، ومن هنا سيبقى الأسد مادة حيوية كمطلوب للعدالة خلال المرحلة القادمة أيضا. ونشر خبر عن محاولة تسميمه هو تذكير بهذه الحقيقة، لكن للخبر أبعادا أخرى أيضا لها طبيعة حساسة …
هل تقصد الغمز على روسيا؟ كون الخبر يتحدث عن محاولة تسميمه في شقته في موسكو؟
نعم وليس روسيا وحدها، فطرح خبر كهذا يعني أن المخابرات الروسية ضعيفة إلى درجة أنها لا تستطيع ضبط شؤون مطبخ لاجئ عندها، أو أنها مخترقة، وهناك بعض التلميحات إلى احتمال أن تكون إسرائيل وراء العملية ربما لطمس بعض الأمور السرية بينها وبين الأسد، ومن جهة ثانية، هو خبر تحفيزي لكي ترتب السلطات الجديدة في دمشق -التي لم تهتم للخبر بالمناسبة- قائمة اتهامات بكل الجرائم التي ارتُكبت في عهده، وتقدمها للمحكمة الدولية والانتربول للمطالبة بالقبض عليه ومحاكمته، وهو أمر سيُحرج روسيا، لذا يوحي الخبر بأن على روسيا التخلص من لاجئ لأسباب إنسانية في رقبته كل هذه الجرائم التي تجعله عدوا للإنسانية، وهذا مبعث مهم في هذه الظروف غير العادية.
وكيف كانت ردود فعل موسكو التي يوحي الخبر بتصرفات تجري في عقر دارها ولا تعلم بها؟
موسكو تجاهلت الأمر وكأنه لا يعنيها…
ولكن الكرملين علق على خبر أقل حدة حين أشيع أن أسماء زوجة الأسد طلبت الطلاق وتستعد للسفر إلى بريطانيا للعلاج!
نعم لقد أثار الخبر السابق زوبعة حقيقية حيث كانت الأوضاع في سوريا لا تزال حامية جدا وتشغل العالم كحدث رئيسي، كما أن الجهة التي نشرته صديقة لروسيا، فقد نشرته الصحافة التركية، وانتشر بشكل واسع، ورُبط بمرض زوجته بسرطان الدم -أي قدمت بعض المعطيات الصحيحة- وأن والدتها تسعى لأن تعود ابنتها إلى بريطانيا كونها تملك الجنسية البريطانية، وتضمَّن الخبر معطيات عن منع تحرك الأسد وتجميد أصوله العقارية، وهذا إجراء يحتاج إلى قرار سياسي من السلطة العليا، وكان لا بد من توضيح، لذا اضطرا الكرملين لنفي مضمون ذاك الخبر جملة وتفصيلا، أما الخبر الجديد عن تسميم الأسد فيبدو أن الأوساط الرسمية شعرت أنه لا يستحق الاهتمام، وحتى بعض وسائل الإعلام الروسية قدمت الخبر على أنه ضعيف، مركزة على أنها نقلته عن مصدره البريطاني، مع التنويه بأنه مشكوك فيه، هذا ناهيك عن أن صورة بشار الأسد وهو نائم في السرير كمريض هي من صنع الذكاء الصناعي، وتوقفت بعض المنابر الروسية متسائلة عن حقيقة وجود هذا الجنرال في المخابرات الخارجية الذي استقت منه صحيفة “ذا صن” الخبر الذي حمَّلوه خصيصا طابع التسريب كي يبدو قريبا من الحقيقة.
في رأيك دكتور أيمن أي مصير ينتظر بشار الأسد؟ وهل يمكن أن تقوم موسكو بتسليمه للمحاكمة؟
صعب جدا تقدير مصير إنسان مرهون بعوامل عديدة خاصة حين يتكشف مزيد من الحقائق التي قد تزيد من حراجة الوضع بالنسبة لموسكو، فهو منذ الآن شخصية لا تحظى بأي تعاطف لدى مختلف شعوب العالم بما في ذلك الشعب الروسي، وقد سبق لموسكو أن سلَّمت الزعيم الألماني هونيكر الذي طالب الألمان آنذاك بمحاكمته على ما نسب إليه فترة حكمه وكونه مسؤولا عن بناء جدار برلين، وقد تم تسليمه رغم أنه التجأ ليس للسلطات السوفييتية بل إلى سفارة تشيلي في موسكو، ولكن ذلك كان أواخر أيام غورباتشوف الذي كان أساسا مناهضا لهونيكر… ومع ذلك يمكن ترشيح السيناريوهات الأكثر احتمالا وهي: أن ينتحر أو أن يغتاله أحد السوريين الذين عانوا من أجهزته القمعية، أو أن تضطر موسكو لإخفائه عن الأنظار ليكمل حياته منفيا بصمت، فهي تدرك تماما أن أوراقه احترقت وربما ستضطر لتسليمه مع الأرصدة الكبيرة التي لديه في روسيا خاصة إن ثبتت الأنباء التي تتحدث عن انه اصطحب معه أموالا هائلة لكني لا أرجح ذلك…
ألم يؤثر دعم روسيا للأسد بتاريخه الدموي وممارسات أجهزته الأمنية على سمعة روسيا ومكانتها، مع ظهور كوارث حقيقية عن تعذيب وإعدام أعداد كبيرة من المعارضين له؟
من لا يعرف حقيقة وجوهر الموقف الروسي يمكن أن ينساق إلى الطعن بموقف روسيا، ولهذا لا بد من تدقيق السؤال قليلا، فروسيا لم تدعم الأسد بل دعمت الشعب السوري في مواجهة الفصائل المسلحة المدانة دوليا باعتبارها إرهابية وخاصة داعش، وقبل سقوط نظام الأسد كان تموضع معظم هذه الجماعات في إدلب بمساعدة روسيا للحيلولة دون المواجهات الدامية، وكانت عناصر من بعض هذه الفصائل تنطلق من هناك حتى لمهاجمة مواقع القوات الروسية، مت يضطر القوات الروسية إلى قصفها، وكانت داعش عمليا محمية من قبل القوات الأمريكية التي تستخدمها في الوقت نفسه كمبرر لوجودها، وهي بدل ان تقاتلها كانت تعطيها الإحداثيات للقيام بهجماتها التي طالت مناطق عدة وخاصة في البادية والسويداء.
ولكن أليس صحيحا أن هذه الفصائل هي التي أسقطت نظام الأسد، فكيف سيكون تعامل موسكو معها خاصة إن طالبت بتسليم الأسد؟
نعم هذا صحيح ولكن الظروف اختلفت إلى حد كبير، ويبدو أن سقوط نظام الأسد كان حتميا من خلال تزايد الممارسات الإجرامية بحق الشعب حتى لم يبق له مؤيد واقعي، ناهيك عن تزايد الفساد والتسلط ، والواضح أن روسيا نفسها ملت من مماطلة الأسد وعدم رغبته في تنفيذ تفاهم جدي مع المعارضة السورية، ولا القرار 2254 الذي صدر قبل قرابة عشر سنوات وكان يمكن أن يشكل حلا وسطيا مقبولا، ولم يقبل حتى بالتفاهم مع تركيا وتطبيع العلاقات معها، وبما أن النظام القمعي الاستبدادي لا يسمح بظهور قوى سياسية قوية قد تكون بديلا له في الظروف الاستثنائية، لذا لم يكن في الساحة سوى الفصائل المسلحة في إدلب، ولا بد من أن نذكر أن روسيا هي التي طلبت من الأسد أن يعطي أوامره للجيش بأن يتم تسليم السلطة بشكل سلمي وعدم إراقة الدماء، وهو ما يفسر هذا الانهيار السريع الشامل للمدن، وبهذا المعنى قامت موسكو واقعيا بإنقاذ الشعب السوري من مجزرة دموية محتملة. أما عن احتمال تسليم الأسد للمحاكمة فهذا في تصوري غير وارد حاليا، وربما يحتاج إلى ظهور ظروف نوعية جدا تدفع لذلك.
الواضح أن طابع الأخوان المسلمين هو المسيطر على مجمل تشكيلة السلطة الجديدة، ومع ذلك خرج الملايين من الشعب السوري ابتهاجا وتأييدا لها هل يعني ذلك أن الطابع الإسلامي المتشدد هو الذي سيسيطر على مشهد المرحلة القادمة؟
خرج الملايين من الشعب السوري تأييدا لسقوط نظام الأسد وابتهاجا بهذا الحدث، وليس لتأييد الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية الراديكالية تحديدا، ومع ذلك لا بد من الاعتراف أولا بوجود شعبية كبيرة لهم، وثانيا بأن خطابهم بات معتدلا وأقرب إلى الموضوعية بعد تسلم السلطة، ولكن من جهة ثانية الشعب السوري شعب مسالم ويتعايش بود، والتناحر الطائفي صنيع النظام البائد في الواقع، وأهل الشام عبر تاريخهم يفضلون تكريس السلم الأهلي وتشكيل لوحة فسيفسائية يسطع جمالها بتلاصق أحجارها التي تكون مختلفة الحجوم والألوان، لذا التوجس من البديل ما زال قائما لدى قسم كبير من الشعب الذي يريد دولة مدنية متعددة الأطياف وليس استبدال ديكتاتورية بديكتاتورية أخرى.