صحافة وآراء

ولّى زمن الجيوش المُصنّعة والنخب المُعلّبة طوفان الوعي الشعبي.. ومواجهات اللحم الحيّ؟!

فضل المهلوس

“ثالوث الشر العابر للأزمان والعضوي البنيان: “فرعون” المتألِّه المستبد وجنوده والذي استخف قومه فأطاعوه، و”هامان” رأس سدنة كهنوت “التديّن”، و”قارون” ممثل الاقتصاد ورجال المال والأعمال. هذا المثلث الذي تتعاضد وتتوافق مصالح أضلاعه الثلاث في المحافظة عليه من الكسر، فيسند بعضه بعضاً ويدافع كلّ ضلع منه بالباع والذراع عن الأخرى، فكسر أحد أضلاعه انكسار وهزيمة لهم جميعاً، وهو ما نراه مجسّداً في كافة النظم القمعية والدكتاتورية على اختلاف مسمّياتها. ليس مستغرباً أن يظهر مَن يتمظهرون بمظهر “رجال الدين” أو بالأحرى ما يُطلق عليهم البعض اسم “علماء السلاطين”، سواء منهم المعممّين بعمامة “الشيعة” ـ أمثال مَن ينتحل لقب “الحسيني” ـ وينطقون بلسان “إفيخاي أدرعي”، ومثلهم المنتحلين مظهر أهل “السّنة والجماعة”، فيهتمون بفتاوى “التنزّه” من البول على نصرة المسلمين المكلومين في فلسطين، وهم في حقيقة الأمر لا يخدمون ولاء أمرهم ولا أوطانهم ولا “دين الإسلام الحنيف”، بقدر ما يخدمون أعداء ولاء الأمر والمتربصين بأوطانهم ودينهم الحقّ.. وأن نجد مَن يُعطي الأولوية لحرائق كاليفورنيا واستثمار الأموال الطائلة في الولايات المتحدة وتكديسها في بنوك الغرب، على غوث المحتاجين من العرب والمسلمين، والاستثمار في مشاريع انتاجية حتى في بلدانهم. كيف لمَن لا وطن ولا أرض له أن يستوعب هكذا مواجهة غير متكافئة بلحمه الحيّ، ويُضحّي بحياته كي يعانق ركاماً؟! إنه (طوفان الوعي) القادم لشعوب بدأت تستيقظ لتصنع بلحمها الحيّ حاضرها ومستقبلها، مستلهمة من (طوفان الأقصى) نهجاً وبوصلة”.

هناك أمور كثيرة يستحيل إخضاعها للقياس والحساب، وتستعصي على فهم واستيعاب النّخب المُبرمَجة، ويصعُب على ممتهني التجارة وعمالقة أسواق البيع والشراء إدراك كُنْهها.. فهي لا تخضع لقياس المسّاحين واجتهاد المجتهدين، ولا تنتمي لعالم أرقام الرياضيات القديمة والحديثة ولا لكافة صنوف علوم المعادلات الصارمة، ولم تدخل في إطار البرمجيّات وفضاء الخوارزميات، ولا تندرج في سياقات التشييء والتسليع والتبضيع التي جهد الغرب الاستعماري بمفكّريه وفلاسفته وجهابذته على اختلافهم وتنوّعهم لعولمتها وفرضها بالحديد والنار على شعوب المعمورة طيلة قرون خلت…

منذ نكبة فلسطين، وربّما قبلها بعقود طويلة، أرسل الغرب الاستعماري خيرة نخبه وباحثيه إلى المنطقة، حيث مهد الحضارات ومحط أنظار الطامحين والطامعين، ثم استند إلى عصارة دراساتهم وأبحاثهم لتطويعها بجيوشه الجرّارة، بالتوازي مع صناعة نُخب من أبنائها العاقّين لتسوّغ وتشرعن له ذلك. ثم كان له تقسيمها وإقامة كيانات سياسية وظيفية، وتصنيع جيوش هزيلة يُراد لها ومنها أن تُهزم مقابل عصابات إجرامية إوروبية درّبوها ودجّجوها بل وخطّطوا لها مسارها وخطواتها. فكانت النكبة عام 1948، ثم كانت “النكسة” عام 1967، ثم كان تحويل “حرب التحرير” إلى “حرب التحريك” عام 1973، ونهاية حروب الجيوش إلى غير رجعة، لتبدأ الشعوب باستلام زمام الأمور بطرقها الخاصة وبدائلها المناسبة، وليولد “الوعي الشعبي الجمعي” في مواجهة جبهات متعددة لا يتّسع المقام لتفصيلها.. وصولاً إلى زلزال “طوفان الأقصى” وما أعقبه، والذي تجاوز بنتائجه مقاييس السلاح والعسكر، إلى “طوفان الوعي” ليس الفلسطيني والعربي والإسلامي فحسب، وإنّما العالمي والغربي على وجه الخصوص، مفشلاً عقود طويلة من عمليات “كي الوعي” و”غسل الأدمغة” و”التضليل” و”التزوير” و”قلب الحقائق”.. استنزفت الوقت والجهد ومئات المليارات من الدولارات. ولتبدأ الشعوب الاستيقاظ من جديد، وتُباشر وظيفتها كمصدر أول وأوحد للسيادة والاستقلال وحتى الشرعية والتشريع، بعد كبوة قرون طويلة ومعاناة مضنية مع ثالوث الشر العابر للأزمان والعضوي البنيان: “فرعون” المتألِّه المستبد وجنوده والذي استخف قومه فأطاعوه، و”هامان” رأس سدنة كهنوت “التديّن”، و”قارون” ممثل الاقتصاد ورجال المال والأعمال. هذا المثلث الذي تتعاضد وتتوافق مصالح أضلاعه الثلاث في المحافظة عليه من الكسر، فيسند بعضه بعضاً ويدافع كلّ ضلع منه بالباع والذراع عن الأخرى، فكسر أحد أضلاعه انكسار وهزيمة لهم جميعاً، وهو ما نراه مجسّداً في كافة النظم القمعية والدكتاتورية على اختلاف مسمّياتها.

انطلاقاً مما تقدّم، ليس مستغرباً أن يظهر مَن يتمظهرون بمظهر “رجال الدين” أو بالأحرى ما يُطلق عليهم البعض اسم “علماء السلاطين”، سواء منهم المعممّين بعمامة “الشيعة” ـ أمثال مَن ينتحل لقب “الحسيني” ـ وينطقون بلسان “إفيخاي أدرعي”، ومثلهم المنتحلين مظهر أهل “السّنة والجماعة”، فيهتمون بفتاوى “التنزّه” من البول على نصرة المسلمين المكلومين في فلسطين، وهم في حقيقة الأمر لا يخدمون ولاء أمرهم ولا أوطانهم ولا “دين الإسلام الحنيف”، بقدر ما يخدمون أعداء ولاء الأمر والمتربصين بأوطانهم ودينهم الحقّ. فيتساوقون مع أهداف “الموساد” التي ترعى “المستعربين” من الإسرائيليين والعرب والمسلمين ضمن جامعة تل أبيب التي تأسست يوم 6/6/1956 وتطورت لتصبح أكبر مؤسسة للأبحاث في العالم، وتؤهل عملاءها الناطقين بالعربية، وحتى باللهجات العامية المختلفة، كما بالفقه والشريعة الإسلامية، للعب ما تحدده لهم مستقبلاً في الدول العربية والإسلامية من أدوار تجسسية وفتنوية ومعلوماتية وتجنيدية وتخريبية مختلفة، ثم تقوم برعايتهم والترويج لهم وإشهارهم بصورة ممنهجة كنّخب وشخصيات عامة، لكسب العامة وتضليلهم وإشاعة الهزيمة في صفوفهم، بحيث يشاركونهم في أداء ما يريدونه، ومن حيث لا يعلمون، وهناك نماذج وعيّنات من هذا القبيل جرى اكتشافها لمَن أراد أن يستبين…

كما أنه ليس مستغرباً كذلك، أن نجد مَن يُعطي الأولوية لحرائق كاليفورنيا واستثمار الأموال الطائلة في الولايات المتحدة وتكديسها في بنوك الغرب، على غوث المحتاجين من العرب والمسلمين، والاستثمار في مشاريع انتاجية حتى في بلدانهم.. وأن نجد ترامب ذو الأصول الألمانية يُقرّع رئيسة وزراء الدنمارك لقولها “غرينلاند ليست للبيع”، وتهديده كندا وبنما والمكسيك بالثبور وعظائم الأمور، إن لم ترضح لما يُريد. وأن يعرض كتاجر عقارات محترف على الأردن ومصر قبول “التهجير” و”التطهير العرقي” للغزيين الذين ارتضوا الإبادة الجماعية والحياة فوق ركام المنازل على التخلّي عن وطنهم التاريخي أو استبداله برغد الحياة ومغرياتها…

من الطبيعي أن يستهجن ترامب وأمثاله من رجال المال والأعمال، حيث وطنهم أينما يكون الاستثمار مجدياً وتتعاظم فيه الأموال وتزدهر الأعمال، فلا يُدركون معنى “الأرض” ومفاهيم “الوطن” و”الكرامة” و “الحرية” و “التضحية”، فهذه المفردات وما يشابهها لا مكان لها في عالم المال والأعمال.. كما أن من الطبيعي ان لا يستوعب “الطوفان البشري” لإبناء شمال غزة وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، جوعى وعطشى ومرضى، يواجهون باللحم الحيّ ترسانة السلاح الأمريكي التدميري، توّاقين للعودة لركام منازلهم ومساجدهم وكنائسهم ومستشفياتهم ومدارسهم المدّمرة.. وكذلك “الطوفان البشري” المماثل في جنوب لبنان. فكيف لمَن لا وطن ولا أرض له أن يستوعب هكذا مواجهة غير متكافئة بلحمه الحيّ، ويُضحّي بحياته كي يعانق ركاماً؟! إنه “طوفان الوعي” القادم لشعوب بدأت تستيقظ لتصنع بلحمها الحيّ حاضرها ومستقبلها، مستلهمة من “طوفان الأقصى” نهجاً وبوصلة، نقطة أول السطر.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى