
يطل علينا مجرم الحرب نتنياهو، مرتديًا بدلته السوداء الملطخة بالدم، ليعن في مسرحية هزلية المفاجأة الكبرى: لقد رشحتُ صديقي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، دعونا نتوقف هنا ونضحك، فحين يرشّح مجرم حربٍ محكومٍ من أعلى سلطة قضائية في العالم رجلًا آخر يسانده في تسليح وتغطية المجازر لنيل جائزة السلام، فإننا لا نشهد نكتة سياسية، بل انهيارًا مدويًا لمعايير الأخلاق، لم يكن سوى خدعة من الطراز الرخيص، أشبه بقطعة سكاكر تُلقى أمام طفل ليبدأ في الطاعة العمياء.فنتنياهو يعرف نقطة ضعف ترامب جيدًا: رجل نرجسي، يعشق الأضواء، ويلهث خلف الجوائز حتى لو كانت من علب كرتون، ولذا، لم يكن الترشيح سوى لترويض ترامب وشراء ولائه، لأنه يعلم أن طريق التحكم بترامب يبدأ بعبارة بسيطة: رشحتك لجائزة نوبل، إنه زواج مصلحة بين الوقاحة والدجل، بين كاذب محترف، ومُصفّق لا يفرّق بين الحق والنجومية، والنتيجة: مزيد من الدم، مزيد من الادّعاء، ومسرحية ” السلام” التي تُعرض على خشبة من الجماجم. استعراض ونفاق لشخصيتين صهيونيتين مهووستين، كلاهما ممثلان بارعان، لكن المسرحية رديئة، فالجمهور بدأ يغادر، والدم على الخشبة لا يُخفيه البريق.
في الرسالة التي بعث بها نتنياهو إلى لجنة نوبل، تحدّث عن دور ترامب في جلب الاستقرار إلى الشرق الأوسط، لكن من يقصد تحديدًا؟ ما يُعرف إعلاميًا بصفقة القرن!? والتي كانت أشبه بصفعة مليئة بالنكبات، هل هو نفسه ترامب الذي أهدى القدس والجولان لإسرائيل بقرار فردي؟ أم ترامب الذي قطع تمويل الأونروا وشرعن المستوطنات وصفّق للمجازر كأنها نجاحات اقتصادية؟, أي سلام هذا الذي صنعه ترامب؟ سلام الفوقية، حيث يكتب المحتل شروط الحياة لمن يحتلّه؟ أم سلام الابتزاز، حيث يُطلب من الفلسطيني أن يشكر قاتله مقابل تصريح عبور؟ولا تتعجب عزيزي القارئ، حين تقرأ في الرسالة أن السلام مع الفلسطينيين ممكن إذا تمّ ضمان الأمن الإسرائيلي أي الإحتلال الدائم مع سلام على طريقة أفلام الأكشن: اخرج من بيتك، تنازل عن وطنك وسنمنحك تصريح بقاء في قريتك، هذا إذا بقيت قريتك أصلًا! أي بعبارة أوضح: سنسالمكم حين تصمتون، وتتنازلون، وتذوبون وتموتون بهدوء. سلام مشروط بصيغة الإبادة الجماعية وحرية مشروطة برضا المحتل. أما قيام الدولة الفلسطينية، ورفع الحصار، وعودة اللاجئين؟ فهذه في نظرهم خرافات وهمية لا تليق بعالم الواقعية الإسرائيلية!
لكن مهلاً… ألم يقرأ نتنياهو الصحف؟ ألم تصله أصداء المظاهرات حول العالم؟ أم أنه ما زال يعتقد أن بإمكانه تغيير التاريخ بآلة بروباغندا إعلامية، مثلما يحاول تغيير الجغرافيا بجرافاته العسكرية؟ لم يدرك هذا المجرم أن العالم قد تغيّر، وأن الفلسطينيين، رغم المجازر والحصار، يكتبون فصلًا جديدًا من النصر بإرادة وصمودٍ يُعيد تعريف معنى المقاومة.
فهل يمكن أن نصدق اليوم أن لجنة نوبل بحاجة إلى إضافة قسم جديد في جوائزها تحت عنوان: السلام القاتل برعاية الاحتلال!
لن نتعجب إن أعلن نتنياهو أن بن غفير مؤهل لجائزة الأونروا للعمل الإنساني، وأن سموتريتش مرشح لجائزة اليونسكو في الحفاظ على التراث، بشرط أن يكون تراثًا بلا أصحاب.
إن ترشيح مجرم حرب لرئيسٍ ساند جرائمه ليس حدثًا عابرًا، بل إهانة صريحة وتشويه فجٌ لفكرة السلام، لكن المؤلم أن هذا المشهد يُعرض على مسرح العالم، بينما يسقط الأطفال في غزة ، ويُسحق الحق تحت وقع التصفيق المزيد.
ربما يستحق ترامب جائزة أسوأ صفقة أخلاقية في التاريخ، أو أكثر رئيس يمكن التلاعب به بابتسامة نتنياهو. أما نتنياهو فيستحق أفضل مخرج بارع لفيلم رديء يحاول فيه تحويل الجريمة إلى وسام.
الشعوب لم تعد تنخدع، العالم تغيّر، والفلسطيني، الذي صمدَ أكثر من خمسة وسبعون عامًا، لم يُهزم لا بقنابل، ولا بجدران، هو يعرف أن السلام لا يصنعه محتلّ، ولا يُهدى إليه عبر ورقة وابتسامة كاذبة، بل السلام الحقّ يولد من عدالة وكرامة ومقاومة، ومن دولة فلسطينية تُقام على ترابها.
وفي الختام، قد يظن نتنياهو أن بوسعه تزيين مشهد الإبادة بأكاذيب مزيفة، وأن ترامب سيبقى الطفل السعيد بجائزة لا يستحقها، لكن الحقيقة، مهما طال زمن السخرية، الحق أقوى من كل بروباغندا، والشعب الفلسطيني هو الوحيد الذي يكتب تاريخ هذه الأرض بالدم، والنصر قريب انشاء الله،