
• الرئيس الصيني يقترح إنشاء نظام حوكمة جديد يلغي سيطرة النظام الغربي الذي يفرض إملاءاته على الدول
تطور مستمر عبر 30 عاما
كان من البديهي أن توصف قمة شانغهاي للتعاون التي أقيمت في تيانجين بأنها قمة نوعية غير مسبوقة، فهذه القمة بالذات شهدت حضورا مكثفا من قادة الدول تجاوز العشرين زعيما، ناهيك عن أنها تأتي في الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس منظمة شانغهاي للتعاون، والذكرى الثلاثين لبداية تأسيسها عندما كانت خماسية أي أن قوامها من خمس دول وحسب هي الصين وروسيا وطاجيكستان وقرقيزيا وكازاخستان عام 1996 ، لكنها تطورت باطراد منذ عام 2001 بانضمام أوزبكستان وبعد ذلك بانضمام دول أخرى لها ثقلها النوعي كالهند وبيلاروسيا وباكستان وإيران، حيث توسعت حتى باتت تشمل عشرة بلدان هامة، وفيها أكثر من ربع سكان المعمورة، ناهيك عن الحضور الاقتصادي الهائل حيث تشكل اقتصاديات بلدان منظمة شنغهاي قرابة 30 تريليون دولار أمريكي.
نشاطات حثيثة تمهد لتكريس التفاقات
وإضافة إلى اللقاءات الثنائية العديدة بين رؤساء أكثر من عشرين دولة حضروا هذه القمة حيث كان هناك العديد من الأعضاء المراقبين والضيوف، كانت هناك لقاءات نوعية تماما لم تكن بالطبع لتبادل الأحاديث بل لتهيئة الاتفاقايات حيث توجت هذه القمة بتوقيع أكثر من عشرين وثيقة وبيان ومذكرة تفاهم شملت مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن أهم الوثائق التي أقرتها القمة إعلان تيانجين الذي شدد على رفضه للتدابير الأحادية ضد الدول بما في ذلك الإجراءات الاقتصادية التي تتعارض مع مبادئ التعاون الدولي وتعيقه عمليا، وأكد الإعلان دعمَ الاستقرار الدولي والاستفادة من دروس الحرب العالمية الثانية، وشدد على إدانة الإرهاب وممارساته وجميع أشكاله، مركزا على أهمية الالتزام بمبادئ عدم التدخل بشؤون الدول الداخلية وكذلك عدم اللجوء إلى القوة في حل الإشكالات، وقد أدانت هذه القمة بشدة الأعمال التي تؤدي إلى سقوط ضحايا في الصراعات وبشكل خاص تفاقم الوضع الإنساني المأساوي في قطاع غزة.
ومن بين النتائج النوعية أن المنظمة أقرت استراتيجية التنمية حتى عام 2035. واللافت للنظر هذا التجانس في الرؤى بين موسكو وبكين حيث اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ أن يتم السعي عبر منظمة شنغهاي للتعاون لإنشاء نظام حوكمة عالمية جديد للخلاص من الهيمنة الغربية وسرعان ما أبدى الرئيس الروسي موافقته وترحيبه بهذا المقترح كونه حسب بوتن سينهي سياسات الإملاءات والهيمنة.
محور جديد في وجه التهديدات الأمريكية
وعبر اللقاءات الثنائية العديدة التي أشرنا إليها يبرز ثلاثي نوعي بالغ الأهمية يمكن اعتباره المحور الأقوى والأهم وهو الصين والهند وروسيا الذي يمكن في الواقع كما يرى المراقبون أن يشكل نواة محورية داخل المنظمة لما يشبه التحالف النوعي للرد على تهديدات ترامب لمصالحهم وأمنهم خاصة بعد فرضه رسوما جمركية إضافية على الهند التي قامت عمليا مع الصين بامتصاص الكثير من تأثير العقوبات الاقتصادية على روسيا من خلال شراء كميات كبيرة من النفط والغاز الروسيين، ناهيك عن تكريس التعامل بالعملات المحلية لسداد المدفوعات وخاصة في مجال الطاقة، زد على ذلك توسيع التعاون مع الدول الأعضاء الآخرين اقتصاديا وأمنيا حتى أن الرئيس شي جينغ بينغ شدد على ضرورة أن يضطلع منتدى الأمن التابع لمنظمة شنغهاي بالمسؤولية الكبرى وهي الحفاظ على السلام والاستقرار مع تعزيز التنمية والإزدهار لجميع دول المنظمة والتي يقترب حجم اقتصاداتها من 30 تريليون دولار أمريكي حسب سي جين بينغ الذي أكد كذلك عزم بلاده إنجاح مئة مشروع في إطار الرعاية الاجتماعية في الدول الأعضاء التي تحتاج لهذا الدعم وتقديم مساعدات بحوالي 300 مليون دولار، وقد ناقش أيضا مع نظيره الروسي نتائج مباحثاته مع ترامب في آلاسكا والأوضاع في أوكرانيا.
من جانبه أكد الرئيس بوتن في هذه القمة أن منظمة شنغهاي يزداد نفوذها يوما بعد يوم بما في ذلك في حل القضايا الدولية الطارئة وتعمل كمحرك قوي للتنمية العالمية وتسعى بقوى لإقامة التعددية القطبية كما أنه أشار إلى ان استخدام العملات الوطنية يتوسع في المعاملات التجارية بين دول المنظمة، كما أكد في رسالة ضمنية للغرب أن الأزمة في أوكرانيا ليست وليدة تدخل عسكري من روسيا بل نتيجة الانقلاب الذي جرى في أوكرانيا بمساعدة الغرب الذي حاول ضمها للناتو رغم أن روسيا أوضحت مرارا أن ذلك يشكل تهديدا مباشرا لأمنها، وأن روسيا تتبنى مبدأ أنه لا يجوز بناء أمن أية دولة على حساب أمن دولة أخرى.
طبعا تركد هذه القمة من جديد فشل المساعي الأوربية في محاولة عزل روسيا التي على العكس من ذلك بدت الدول التي حاولت حصار روسيا وعزلها متضررة أكثر حتى من عقوباتها على موسكو التي تزداد نشاطا وتألقا حتى أن دميترييف ممثل الرئيس الروسي للتعاون الاقتصادي مع الدول الأجنبية نشر صورة للرئيس الروسي وهو يتوسط إلى جانب الزعيم الصيني مجموعة كبيرة من رؤساء وقادة وكبار المسؤولين الذين يمثلون عشرات الدول التي ساهمت في هذا اللقاء الدولي الاقتصادي السياسي الأمني بالغ الأهمية.