الدولار الأميركي يسجل أفضل أداء فصلي منذ عام في الربع الثالث
أنهى الدولار الأميركي الربع الثالث من عام 2023، مرتفعًا بنحو 2.8%، مسجلًا أفضل أداء فصلي له خلال هذا العام. تأتي تلك المكاسب بعد أشهر من التقلبات التي تغذيها المخاوف من أن الدولار قد يفقد وضعه ومكانته كأكبر عملة احتياطية فى العالم.
وقد زادت التكهنات حيال امكانية إلغاء الدولار فى التعامل مع التجارة العالمية مرة أخرى في شهر آب الماضي، بعد توسع مجموعة دول “البريكس” بقيادة الصين، لتضم منتجي النفط الرئيسيين مثل السعودية؛ ولكن العديد من الخبراء يرون أن الشائعات حول زوال الدولار الأميركي لا تزال أمرا مبالغ فيه إلى حد كبير.
وقد تلقى مؤشر الدولار الأميركي الذي يتداول حاليًا بالقرب من أعلى مستوى له منذ 10 أشهر في سوق “فوركس”، مدعومًا بسلسلة من البيانات الاقتصادية الايجابية عن الاقتصاد الأميركي فى الأسابيع الأخيرة، مما غذى التوقعات بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي سيبقي سعر الفائدة مرتفعة لمدة أطول. وتميل أسعار الفائدة المرتفعة إلى دعم قيمة عملة البلد عن طريق جذب الكثير من رؤوس الأموال، حيث يتوقع المستثمرون تحقيق عوائد أكبر.
في الوقت نفسه، كانت البيانات الاقتصادية للصين وأوروبا في الفترة نفسها مخيبة للآمال، فبينما يواصل الاقتصاد الأميركي اظهار قوة ملحوظة، يبدو أن الأوضات الاقتصادية فى الصين وأوروبا، على وجه الخصوص، تنحدر إلى مكان أكثر ركودًا بكثير.
الاقتصاد الأميركي المرن
وتحوم مستويات البطالة في الولايات المتحدة بالقرب من أدنى مستوى لها منذ 50 عاما، ولا يزال التوظيف قويًا حيث حقق نموًا للشهر الثاني والثلاثين على التوالي في آب، كما أن بيانات الأجور آخذة في الارتفاع عند تعديلها وفقًا للتضخم.
وقد قام العديد من الاقتصاديين بمراجعة توقعاتهم للنمو إلى الأعلى استجابة لكل الأخبار الجيدة، ويبدو الآن على نحو متزايد أن ما يسمى “الهبوط الناعم”، أي عندما ينجح البنك المركزي في خفض التضخم دون دفع الاقتصاد إلى الركود، هو المسيطر على المشهد الاقتصادي.
يشير أحد خبراء الاقتصاد إلى أن “الاقتصاد الأميركي يواصل مفاجآته في الاتجاه الصعودي، ويبدو أنه أكثر مرونة مما كان يُخشى، وهذا من شأنه أن يمنح المستهلكين الأميركيين الثقة للاستمرار في الإنفاق، وأن يمنح البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حافزاً أكبر لإبقاء أسعار الفائدة عند أعلى مستوياتها منذ 22 عاماً، في محاولة لتهدئة التضخم”.
وأوضح أن “البنك الاحتياطي الفيدراليليس لديه سبب كاف لخفض أسعار الفائدة بقوة في العام المقبل”، مبيّنًا أنّ “الأداء الاقتصادي الضعيف نسبيًا لأوروبا، لا يترك مساحة كبيرة للبنك المركزي الأوروبي لمواصلة رفع سعر الإقراض الرئيسي. لقد كان الفرق بين سعري الفائدة في أوروبا والولايات المتحدة، “واحتمال بقائه وعدم تقلصه” كان عاملاً كبيراً في نهضة الدولار”.
اقتصادات ضعيفة في الصين وأوروبا
شهدت العملة الموحدة “اليورو” انخفاضًا بنحو 4.4% منذ منتصف شهر تموز الماضي، وتراجَع اليوان الصيني بنحو 2.6% خلال تلك الفترة، ليصل إلى أدنى مستوى له أمام الدولار في 16 عامًا.
في حين أن الولايات المتحدة يمكن أن تتوصل إلى “هبوط سلس”، تبدو منطقة اليورو أقرب إلى سيناريو الركود التضخمي، وهو المزيج المخيف من التضخم المرتفع والقليل من النمو الاقتصادي.
وقد قامت وكالة الإحصاء الرسمية الأوروبية بتخفيض توقعاتها لمعدلات النمو الاجمالية للناتج المحلي للدول العشرين التى تتعامل باليورو، من 0.3% إلى 0.1% خلال الربع الثاني من هذا العام.
كما كشفت بيانات رسمية أن معدلات الإنتاج الصناعي فى ألمانيا تراجع لثالث شهر على التوالي فى تموز، مما يزيد من مجموعة المشاكل التي يعاني منها أكبر اقتصاد فى أوروبا.
ومن المتوقع أن يؤدي ضعف العملة الموحدة إلى ارتفاع أسعار الواردات، مما يؤدي بدوره إلى تغذية التضخم، ومما يزيد من الضغوط الصعودية أسعار النفط الخام التي ارتفعت في الأسابيع الأخيرة، مع قيام السعودية وروسيا بتمديد قيود العرض.
ويواجه الاقتصاد الصيني أيضًا مجموعة من التحديات الكبيرة، المتمثلة فى تراجع أسعار المستهلك وتصاعد أزمة العقارات وانخفاض الصادرات. وقد خفض بنك الشعب الصيني أسعار الفائدة الرئيسية على القروض العقارية وعلى قروضه للبنوك في الأشهر الأخيرة، للمساعدة في تعزيز الطلب على الائتمان.
يؤكّد أحد المحللين أنّ “ضعف الصين لم يؤثر على اليوان فحسب، بل أثر أيضًا على العملات الرئيسية الأخرى في المنطقة، بالإضافة إلى الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك اليورو”.
هل الدولار الأميركي لا يزال العملة الاحتياطية الأولى؟
المقصود بالعملة الاحتياطية هي العملة التي تحتفظ بها العديد من الدول في بنوكها ومؤسساتها المركزية، لأنها تُعتبر ذات قيمة ويمكن الاعتماد عليها.
في عام 2023، يمثل الدولار الأميركي نحو 59% من إجمالي الاحتياطيات الأجنبية، ويحتل اليورو المركز الثاني بنسبة 20%، والين الياباني في المركز الثالث بنسبة 5%، ويحتل الجنيه الإسترليني المركز الرابع تحت نسبة 5%، واليوان الصيني أو الرنمينبي في المركز الخامس بنسبة 2.6%.
تمتلك اليابان والصين أول وثاني أكبر احتياطي من سندات الخزانة الأميركية على التوالي، حيث تبلغ قيمة كل منهما أكثر من تريليون دولار. اليوم، توجد نحو 65 دولة مرتبطة بالدولار الأميركي (سعر صرف ثابت)، وتستخدمه 11 دولة كعملة رسمية لها.
ما هي التحديات الخارجية المحتملة للدولار الأميركي؟
تحديات اليورو: تعتبر العملة الموحدة أو اليورو هي البديل الأفضل التالي بعد الدولار الأميركي، كونها العملة الأساسية لنحو 20 دولة ذات اقتصاديات جيدة.
تحديات اليوان: من المحتمل أن يكون هذا تحديًا محتملاً إذا حققالاقتصاد الصينينموًا أكبر (يبلغ حاليًا 70% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة)، وقام بالاستفادة من شبكته التجارية، لكنها لم تجتذب هذا المستوى من الاستثمار الأجنبي وتتحكم في سعر صرف عملتها، لذا يبدو أنها تسعى إلى تحقيق هذا الهدف.
وقد ناقشت الصين والسعودية تداول النفط باليوان في عام 2022، ومع ذلك فإن 80% من تجارة النفط العالمية لا تزال بالدولار الأميركي. ترتبط معظم دول الشرق الأوسط بما في ذلك السعودية بالدولار الأميركي، مما يجعلها عملة مواتية للتجارة، وأصبحت الولايات المتحدة أيضًا مصدرًا صافيًا للنفط، مما يجعل الدولار مفيدًا للتجارة.
تُعد الصين أكبر شريك تجاري لحوالي 120 دولة وهو أمر مثير للإعجاب، وعادة ما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، ولكن في حالة العديد من العلاقات التجارية الغربية المتقدمة، بما في ذلك الكتلة الأكبر بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة تتقدم بفارق كبير على الصين وغيرها بسبب الخدمات والاستثمارات المتقدمة.
الدولار الأميركي هو الخيار الآمن للعديد من البلدان. تتمتع الولايات المتحدة باستقرار سياسي واجتماعي، بالإضافة إلى أساسيات اقتصادية تجعلها جذابة للغاية مقارنة بالخيارات الأخرى، كما أنها تتمتع بالقدر الكافي من الحس السليم في سياساتها المتعلقة بالدولار، ولكن يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك أن القوة العظمى تأتي معها مسؤولية عظيمة، تتمثل في التحلي بالحكمة وزيادة الإنتاج والتجارة والاضطلاع بدور قيادي بين المؤسسات الدولية.