• لدى الغرب أصول في روسيا تعادل الأصول الروسية في الغرب وقد بدأت موسكو بالتمهيد لتأميمها في حال مصادرة الأصول الروسية
بدأت موسكو خطوات عملية للرد على احتمال مصادرة الأصول الروسية في الدول الغربية، فقد أصدر الرئيس الروسي بوتن مرسوما بنقل إدارة شركتين تابعتين لشركتي أريستون” Ariston ” الإيطالية وبوش ” وBSH Hausgerate ” الألمانية إلى شركة غاز بروم الروسية، ما دفع بإيطاليا لاستدعاء السفير الروسي في روما للحصول على توضيح بشأن ما اعتبرته الخارجية الإيطالية بمثابة تأميم لمجموعة “أريستون ثيرمو”، وطالبت موسكو بإعادة النظر في قرارها ، كما قام القضاء الروسي بتجميد حسابات بنك جي بي مورغان ” JPMorgan Chase ” وهو أكبر بنك أمريكي في روسيا من حيث الأصول في إطار احترازي، وسبق أن صدر مرسوم رئاسي يفرض الإدارة المؤقتة في أبريل العام الفائت على أصول غربية، وكذلك تم فرض إدارة مؤقتة على شركة دانون الفرنسية الضخمة والتي تضم أنشطتها 13 مصنعا بواقع 7200 عامل وموظف، وتأتي هذه الإجراءات تجسيدا للمثل القائل: ” يداك أوكتا وفوك نفخ”.
وقد جددت موسكو تحذيرها من مغبة مصادرة الأصول الروسية التي ستقضي على النظام الاقتصادي الغربي، جاء ذلك على لسان دمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين الذي أعلن أنه إذا حدث ذلك فعلا، فإنه سيكون سابقة خطيرة، وسيدق مسمارا كبيرا في نعش المنظومة الاقتصادية الغربية بكاملها”.
وأوضح بيسكوف أن المستثمرين الأجانب الذين يقومون بوضع استثماراتهم في الدول الغربية سيكون عليهم أن يفكروا عشر مرات قبل المغامرة بالاستثمار في الغرب، وستزول إثر ذاك المصداقية والثقة بين عشية وضحاها نتيجة قرار غبي وغير مدروس.
ونوه الناطق باسم الكرملين بأن قرارا من هذا النوع لن يمر مرور الكرام بالنسبة لروسيا، وستكون له حتما تداعيات وسجالات وآفاق قضائية، وأن روسيا ستدافع عن مصالحها حتى النهاية.
وقد سبق أن أرسلت موسكو تحذيرات متلاحقة بهذا الشأن بعد أن قام الاتحاد الأوربي والدول السبع ومن بينها الولايات المتحدة بتجميد قرابة 300 مليار دولار في البنوك الأوربية والأمريكية، وقد أقر البرلمان الأمريكي مصادرة الأصول الروسية لتحويلها لصالح أوكرانيا، وهي قليلة جدا إذا ما قورنت بالأصول الروسية في أوروبا، فقد حذرت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي ماتفيينكو الدول الغربية من أن لدى روسيا ردا جاهزا سيتخذ على الفور في حال أقدمت تلك الدول على مصادرة الأصول الروسية ، وسبق أن حذر وزير المالية الروسي أنطون سلوان من أن لدى بلاده ما يكفي من أدوات للرد على مثل هذه التصرفات غير القانونية. وكانت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أرسولا فون دير لاين قد أعلنت أن زعماء الاتحاد متفقون من حيث المبدأ على منح عائدات الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا الأمر الذي اقترحه جوزيب بوريل المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد، وترجح فون دير لاين أن يتم التحرك بهذا الصدد في الصيف القادم، الأمر الذي اعتبرته الخارجية الروسية سرقة علنية، وأن رد روسيا سيكون قاسيا بما فيه الكفاية.
ويشار بهذا الصدد إلى أن استثمارات الاتحاد الأوربي ودول السبع الكبرى وأوستراليا وسويسرا، وهي أكثر من 288 مليار دولار ستكون عرضة للمصادرة مع أصول أخرى إن قام الغرب بمصادرة الأصول الروسية، حيث منعت روسيا معظم الشركات الغربية من سحب أموالها من البنوك الروسية.
يذكر أن الولايات المتحدة سبق أن قامت بتجميد أصول بلدان أخرى ككوبا والعراق بمبالغ غير كبيرة نسبيا، وبعد الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي عام 1979 ومن ثم احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في العراق جمد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر جميع الأصول الإيرانية بما يزيد عن 100 مليار دولار، ثم رفع التجميد عن قسم منها بعد اتفاقية الجزائر عام 1981، وعن القسم الآخر بموجب الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني عام 2016.
نشير أخيرا إلى أن هناك اتفاقية الأمم المتحدة لحصانات الدول وممتلكاتها مؤلفة من 33 بندا مع ملحق، وقد تم اعتمادها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 38/59 المؤرخ بتاريخ 2 – 12- 2004 والتي تضمن تلك الحصانة كمبدأ من مبادئ القانون الدولي والعرفي، وذلك انطلاقا من ميثاق الأمم المتحدة ما يحول حتى دون تعرض ممتلكات الدول ذات السيادة للمساءلة من أية محاكم لدولة أخرى، فكيف إذا كانت قرارات المصادرة جاءت بقرار برلماني لهذه الدولة أو تلك، أي بقرار سياسي بحت، وليس عن طريق محاكم قانونية، إن الغرب يفتح باب الشيطان فعلا بمصادرة الأصول الروسية لأن ذلك سيعتبر سابقة خطيرة تدفع الدول للتوجس وعدم الوثوق بالمؤسسات المالية الرئيسية المعتمدة في تلك الدول، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.