قاعدة ميرون تحت النار: بين أهمية الموقع والاختيار – قاسم دنش
قرية ميرون، كمعظم القرى الفلسطينية، تحمل تاريخاً ثرياً ومؤلماً في مرحلة النكبة عام 1948. تمّ احتلالها في سياق عملية “حيرام” في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1948، وكانت واحدة من أوائل القرى التي تعرّضت للاحتلال خلال تلك الفترة الصعبة.
قرية ميرون، التي كانت تقع في جبال الجليل الأعلى وتاريخها يعود إلى العهد الروماني، كانت جزءاً من النسيج الثقافي والتاريخي لفلسطين. يشير اسمها إلى كلمة “ميروم” الكنعانية، والتي تعني المكان المرتفع. كانت القرية موقعاً حيوياً بالنسبة للسكان الفلسطينيين الذين عاشوا فيها، ولكن بعد الاحتلال، تمّ تدميرها بالكامل، ولم يبقَ فيها أيّ أثر عربي باستثناء بعض البنية الحجرية.
اليوم، أصبحت أراضي ميرون جزءاً من “موشاف ميرون” الذي أُسس في عام 1948 على أراضي القرية الفلسطينية المدمّرة. بينما يستمر التاريخ الثقافي والتراثي لميرون في الحضور الذاكري للفلسطينيين، يظهر الموقع اليوم كجزء من المستعمرة الإسرائيلية مع بعض الأشجار والغابات والمراعي، ويُستخدم لأغراض سياحية.
أهمية قاعدة ميرون
تعدّ قاعدة ميرون للمراقبة الجوية موقعاً حيوياً في الكيان الغاصب، حيث تقع على قمة جبل الجرمق، الذي يُعتبر أعلى قمة جبل في فلسطين المحتلة. تشغل هذه القاعدة دوراً حاسماً في الإدارة والمراقبة والتحكّم بالأجواء في شمال الكيان الغاصب.
بوصفها المركز الرئيسي للإدارة والمراقبة والتحكّم الجوي في هذه المنطقة، تؤدّي قاعدة ميرون دوراً مهماً في تأمين ما يُسمّونه بـ”السيادة الجوية والأمان” في المنطقة الشمالية. تبرز أهمية هذه القاعدة في استراتيجية “الدفاع” لدى الاحتلال الإسرائيلي، باعتبارها واحدة من القواعد الرئيسية في الكيان الغاصب، جنباً إلى جنب مع قاعدة “متسبيه رامون” في الجنوب.
إن ارتفاع الجبل وموقعها الاستراتيجي يمنحان قاعدة ميرون ميزة استراتيجية في رصد ومراقبة الأجواء، وهي عنصر رئيسي في النظام الدفاعي الجوي للكيان الغاصب. بفضل موقعها على قمة جبل الجرمق، يتيح لها السيطرة الشاملة على المنطقة المحيطة والتفاعل الفعّال مع التحديات الأمنية.
بهذا يظهر الدور الحيوي لقاعدة ميرون في تعزيز قدرات الرصد والمراقبة والتحكّم الجوي، مما يسهم في قوة الكيان الغاصب وفعاليته في التصدّي للتحديات الأمنية في المنطقة.
ماذا يعني وجود قاعدة للمراقبة الجوية؟
قاعدة للمراقبة الجوية العسكرية تعني موقعاً أو مركزاً تتمّ فيه مراقبة ورصد الأنشطة الجوية باستخدام أنظمة متقدّمة وتكنولوجيا حديثة جداً. هذا الموقع يخصص للقوات الجوية العسكرية لمتابعة وفحص المجال الجوي لضمان عدم اجتياز أي تهديد.
تعتمد قواعد المراقبة الجوية على شبكة من الرادارات والأنظمة الإلكترونية الأخرى لمراقبة المجال الجوي. يتم تجهيز هذه القواعد بأحدث التقنيات لتحديد وتتبع الطائرات والصواريخ والأهداف الجوية الأخرى. تؤدّي هذه القواعد دوراً حيوياً في توجيه الأنظمة الدفاعية مثل القبة الحديدية، حيث يتمّ توجيه صواريخ الاعتراض الجوي بناءً على المعلومات التي تقدّمها هذه القواعد.
استهداف قاعدة ميرون.. من دون صواريخ اعتراضية
أعلنت المقاومة الإسلامية، أن مجاهديها قاموا عند الساعة 08:10 من صباح يوم السبت 06-01-2024 وفي إطار الرد الأوّلي على جريمة اغتيال الشيخ صالح العاروري وإخوانه الشهداء في الضاحية الجنوبية لبيروت، باستهداف قاعدة ميرون للمراقبة الجوية بـ62 صاروخاً من أنواع متعدّدة وأوقعت فيها إصابات مباشرة ومؤكّدة.
وأشارت المقاومة في بيان، إلى أن قاعدة ميرون للمراقبة الجوية تقع على قمّة جبل الجرمق في شمال فلسطين المحتلة، وأنها أعلى قمّة جبل في فلسطين المحتلة، وأنها تُعتبر مركزاً للإدارة والمراقبة والتحكّم الجوّي الوحيد في شمال فلسطين المحتلة ولا بديل رئيسياً عنها.
كما وبيّنت القناة 12 العبرية أنّ صفارات الإنذار دوّت في 94 بلدة ومدينة على الحدود مع لبنان، بينها صفد وكرميئيل في الجليل، ما استدعى إغلاق عدد من الطرقات في شمال الأراضي المحتلة بناء على طلب من “جيش” الاحتلال.
من ناحية أخرى، أكدت وسائل إعلام اسرائيلية وجود حالة تخبّط كبيرة في الجبهة الشمالية، معتبرين بأنّه “جن جنون رجال نصر الله ، فأين غالانت وأين القبة الحديدية؟”.
يبدو جلياً وبعيداً عن الإعلام الإسرائيلي التسويقي الكاذب بأنّه حين تريد المقاومة ضرب هدف معيّن، فلا القبة الحديدية ولا غيرها من الأنظمة الدفاعية الاعتراضية الإسرائيلية تستطيع منعها.
هل تستطيعون تخيّل المعنى الحقيقي لاستهداف قاعدة استخبارات مهمّتها منع التهديد الجوي إضافة إلى التشويش الهائل؟! هل تستطيعون تخيّل عجز القبة الحديدية عن الدفاع عن قاعدة من اثنتين للمراقبة الجوية؟
في المعيار العسكري: استهداف قاعدة ميرون يساوي غوش دان
قبل أيامٍ قليلة حين قالها بالصريح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأنّ الرد على اغتيال الشيخ صالح العاروري هو حتمي وآتٍ لا محالة، لم ينم الشعب الإسرائيلي ممن تبقّى منه في الشمال حتى كل منطقة “غوش دان”.
حين تستطيع المقاومة تخطّي الأنظمة الاعتراضية الإسرائيلية في دائرة أولى أولويات هذه الأنظمة وهي حماية قواعد المراقبة والرصد، وحين تكون دائرة الاستهداف هي قاعدة رئيسية من اثنتين فقط في كل الكيان، وحين تقصف صواريخها وتصيب أهدافها بكل دقة هذه القاعدة المحمية، فهل يمكن لعاقل ألا يدرك أنّ الرسالة البليغة التي تم إرسالها بنجاح: قدرة المقاومة على ضرب أي نقطة وأي هدف إسرائيلي بنجاح من دون اكتراث بأنظمة الدفاعات الجوية الصهيونية.
من خلال المسلك العملاني للمقاومة اللبنانية منذ تأسيسها إلى حرب تموز 2006، يدرك الجميع بأنها تحاول دوماً ردع العدو بطبيعة ردّها من جهة مع المحافظة على تكتيك مهم ومقلق للإسرائيلي ألا وهو الارتقاء في الردّ.
اليوم، ردّت المقاومة في الجليل ولكن ردّها كان على هدفٍ يعتبره الصهاينة آمناً لما يحصّنه به من أنظمة تكنولوجية متطورة ومعتبرة. الردّ في أبعاده إضافة إلى تأثيره الميداني، يبيّن جلياً بأنّ يد المقاومة هي العليا على جبهة العدو الشمالية.
غوش دان، كما غيرها من المناطق والمستوطنات الصهيونية، يحميها الإسرائيلي بنظام القبة الحديدية التي تعجز عند كثير من العوامل مثل إطلاق عدد كبير من الصواريخ. وحيث يعلم الإسرائيلي قدرة المقاومة بما تمتلكه من مسيّرات وصواريخ ثقيلة وبعيدة المدى بكميات كبيرة جداً على ضرب غوش دان وغيرها، أتت رسالة اليوم أوضح وأبهى: تستطيع المقاومة ضرب أهداف أمنية استخباراتية محميّة بكل ما استطاع الكيان من قدراته الدفاعية.
رسالتان بين سطور بيان المقاومة
حوى بيان المقاومة رسالتين مهمتين وعسى أن يفهمهما الإسرائيلي حين يختار طبيعة ردّه على عملية المقاومة:
1- العملية النوعية للمقاومة ما هي إلا ردّ أولي، وبالتالي على الإسرائيلي أن ينتظر التالي بما هو نوعي أكثر ومؤذٍ أكثر.
2- ذكّر بيان المقاومة بأنّ الاستهداف هو لقاعدة مراقبة جوية من اثنتين، مع تحديد وذكر القاعدة الثانية بالاسم والموقع. وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدل على إرسال المقاومة رسالة واضحة للإسرائيلي بأنها تدرك القاعدة الثانية وهي أيضاً تحت نيرانها.
أتت رسالة المقاومة بشكل واضح من خلال استهداف قاعدة ميرون، حيث يُظهر الردّ الفوري والقوي أن المقاومة لديها القدرة على ضرب أهداف حسّاسة ومهمة في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة. يُظهر ذلك أيضاً عجز القبة الحديدية وأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية عن منع هذا النوع من الهجمات.
المصدر: الميادين