صحافة وآراء

عن الدور الروسي ووجع الانقسام السوري، الحقيقة والتاريخ الماثل أمامنا.. / • الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر

السؤال الأهم، ما الذي قدمته هذه الدول للسوريين عدا أنها صدّرت لها كل مجرمي وشذاذ الآفاق في العالم. وفتحت الباب أكثر فأكثر للتدخلات الخارجية والرصاص الموجهه إلى صدورأبناء البلد الواحد بالتزامن مع غطاء إعلامي أسس لطائفية مقيتة لم يعرفها الشعب السوري عبر تاريخه الطويل.

ساقتني الردود والتعليقات الكثيرة حول مقالتي الأخيرة عن سورية إلى حقيقة تمظهرت مابين سطور المعلقين مؤداها نقطتان؛ أولهما مرارة الانقسام السوري ليس على صعيد المعارضة وحسب وإنما على صعيد الخطاب الشعبوي المنخرط من حيث يدري ولايدري بأجندات ممنهجة لترسيم خطوط التقسيم والانقسام السيكولوجي بين السوريين الذي ظهر باقصى درجاته على جميع الصعد، ليس على صعيد طرفي النظام والمعارضة وحسب بل على صعيد المعارضات ذاتها التي أورثت انقساماً مؤدلجاً أفرز شعبوية مقيتة حالت دون توحد السوريين كمخرج وحيد لمقدمات الحل السياسي استناداً للقرار 2254 الذي أصبح الحامل الأساس الذي يتفق عليه جميع السوريين.

النقطة الثانية؛ وتتمثل بمطالبة الروس في اجتراح الحل السياسي في سورية بعد كل هذا الانقسام والتقسيم الذي عصف بسورية والسوريين قبل أن يكون لهم- أي الروس- أي دور في التأسيس لها سياسياً وجغرافياً، بقدر ما اضطلعت به دولة تحتل ثلث الجغرافيا السورية الآن كالولايات المتحدة الأمريكية، وفي الوقت الذي يُحمّل فيه الكثير من السوريين الروس مسؤولية المحافظة على النظام السوري من جهة، والمطالبة بالتغيير في سورية من جهة أخرى، وهذا مافهمته من المطالبات الشخصية سواء من الجهات التي تعول على الحل عن طريق موسكو أو تلك الجهات التي تعتقد أن الروس تدخلوا في العام 2015 من أجل إنقاذ النظام السوري كفرضية لطالما نفاها الروس الذين لطالما صرحوا أنهم لايدافعون عن شخص بقدر ما يقتصر دورهم على منع انهيار الدولة السورية ومؤسساتها التي كادت – قبل التدخل الروسي- أن تسقط في براثن الجماعات الإرهابية المتطرفة التي سيطرت – قبل التدخل الروسي-  على ثلتي مساحة سورية مايفتح الباب لكارثة تذكرنا بكارثة الخمير الحمر في كمبوديا.. كارثة لو أنها حدثت – لاسمح الله- لشاهدنا الملايين من رقاب السوريين تتدحرج تحت السيف الداعشي في ولادة جديدة لتورابورا جديدة.

بالعودة إلى ماهية الدور الروسي  ، وهنا لابد من التذكير أنه ومنذ الأيام الأشهر الأولى للحراك السوري الذي كانت تتسيد قيادته على الأرض الولايات المتحدة والغرب الأطلسي، وبالعودة إلى تاريخ 30 يونيو / حزيران 2012 في جنيف ( جنيف1)  استضافت الأمم المتحدة ماعرف بـ ” مجموعة العمل من أجل سورية” بناء على دعوة كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة وضم الاجتماع ممثلي الولايات المتحدة وروسيا وجامعة الدول العربية وبريطانية وممثلة الاتحاد الأوروبي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن جنيف 1 كان يقوم على قاعدة الحل السياسي عبر التفاوض بين المعارضة والنظام السوري وإلا على أي أساس ذهب الطرفان. وبالعودة إلى مندرجات جنيف 1 تبنى المؤتمر ست نقاط في مقدمتها البند رقم 1 الذي نص بالحرف ” الالتزام بالعمل مع أنان من أجل عملية سياسية شاملة يقودها السوريين” كما تضمن البند 2 ” الالتزام بوقف جميع أعمال العنف المسلح” في الوقت الذي كانت الدعم الأمريكي والأوروبي يضخ الأسلحة بالمليارات لتأجيج حالة الصراع وتطبيق نظرية ” التوازن على الأرض” التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشكل صريح. وهنا لابد من التذكير بأن كيري ذاته كان قد ذكر المعارضة السورية المسلحة حينها بأن ماوصلهم من دعم مالي وعسكري ولوجيستي يكفي لإسقاط خمس عواصم، قبل أن يتخلى الأمريكان بشكل صريح عن المعارضة المسلحة،  لتبدأ مرحلة أمريكية جديدة مؤداها حرف مسار الحراك السوري والعمل على مشروع تدمير الدولة السورية، وذلك من خلال تغيير البنية الفكرية للمعارضة المسلحة التي بدأت تتحول إلى جماعات ترفع شعارات إسلاموية أساءت للدين الإسلامي الحنيف عدا كونها مصنفة في القرارات الدولية بأنها جماعات إرهابية يتحتم على جميع الدول في العالم محاربتها في إطار قرارات مجلس الأمن الدولي الداعية للتعاون بين أعضاء جميع الدول لمحاربة الإرهاب وأهمها القرارين 1373 و1624اللذين أكدا على التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب وعدم توفير ملاذات آمنة له أينما وجد.

بدءاً من هذه المرحلة دخلت سورية في أتون أعقد وأطول مرحلة مازالت تقف عائقاً في وجه التغيير نحو العدالة والحرية التي خرج من أجلها السوريين وهم محقين في مطالبهم.

وحتى نكون أكثر دقة، وحتى نكون في إطار توضيحنا لماهية الموقف الروسي من سورية، فقد تم خلال هذه الفترة إجهاض المعارضة السورية بكل مكوناتها العسكرية والسياسية لصالح جماعات إرهابية كانت تصرح على العلن بأنها عدوة للديمقراطية، فأصبحت مكونات المعارضة آنفة الذكر مجرد اكسسوارات بدون اي دور وطني حقيقي، وعلى أساس عقيدة الاختلاف والتكفير الممنهج لهذه الجماعات دخلت في صراعات بينية ذهب ضحيتها الآلاف من السوريين والجميع يتذكر معارك جبهة النصرة وداعش في دير الزور وحلب وحمص وحماة، قبل أن تتسيد داعش مع بداية العام 2015 على أكثر من ثلثي الجغرافيا السورية.

من هذه النقطة بالذات لابد من التذكير مرة أخرى بأن روسيا لم تتدخل حتى هذا التاريخ ولم يكن لها أية فعالية على الأرض، واقتصرت مشاركتها على جنيف 1 – كموقف سياسي – تضمن ضرورة وقف إطلاق النار ومظاهر التسلح من جميع الأطراف والبدء بعملية سياسية يقودها السوريين أنفسهم وهي الفكرة التي مازالت تعمل عليها حتى هذه اللحظة. وبالعودة التي تلك الفترة – ماقبل 2015- كانت الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوروبي يتسيدان قيادة المشهد السياسي في سورية ك” أصدقاء للشعب السوري” وفي الوقت الذي كان فيه الائتلاف معترفاً به من أكثر من مئة دولة في العالم، أكرر؛ قبل هذا التاريخ لم يكن للروس دور على الأرض لجهتي النظام والمعارضة.

السؤال الأهم، ما الذي قدمته هذه الدول للسوريين عدا أنها صدّرت لها كل مجرمي وشذاذ الآفاق في العالم. وفتحت الباب أكثر فأكثر للتدخلات الخارجية والرصاص الموجهه إلى صدورأبناء البلد الواحد بالتزامن مع غطاء إعلامي أسس لطائفية مقيتة لم يعرفها الشعب السوري عبر تاريخه الطويل.

وعليه، وأنا هنا لست بمعرض المحلل بقدر ما استعيد الذاكرة كشاهد على أحداث المرحلة بتفاصيلها، في محاولة مني لأرشفة مالا أريد أن يغيب عن عن ذاكرة الحقيقة التي لابد أن تعرفها الأجيال السورية المعول عليها بناء سوريتهم.

مرة أخرى؛ السؤال المُلح: مالذي سيحدث لو استمرت آلة الإرهاب تحصد رقاب السوريين قبل التدخل الروسي نهاية العام 2015 كتدخل اقتصر على محاربة الجماعات الإرهابية المصنفة في القرار الدولي 2254 حيث ربط القرار الحل السياسي بالقضاء على هذه الجماعات وهو الدور الذي اضطلعت به روسيا. في الوقت الذي كانت فيه مكنات الذباب الإلكتروني المرتبطة بوكالة أعماق والجولاني ومن لف لفيفهم تصور للسوريين العمليات الروسية ضدهم بأنه دور روسي للمحافظة على النظام ليس إلا، وليس كمقدمة حتمية وضرورية لتطبيق القرار 2254 للبدء بعملية سياسية بقيادة سورية لا بقيادة داعشية أو جولانية كانت مدفوعة لخلع أبواب دمشق لتحرقها على طريقة هولاكو مستغلة آلالام السوريين وتططلعاتهم كحق يريدون منه باطل وأي باطل كان مخطط له لإحراق دمشق وماتبقى من أمل ينتظره السوريون.

وبالعودة أيضاً للنقطة الثانية – وأراها الأهم – والمتعلقة بسيكولوجيا التشظي والانقسام السوري، وبعد كل هذا الموت للشعب والدولة السورية، فقد آلمني هذا الانقسام السوري الذي وصل إلى حد الانتقام على صعيد البعض من مكونات المعارضة التي مازالت تعتقد مخطئة بأن الانتقام هو الحل، ولست هنا بوارد أولئك الذين لديهم مشاعرهم الشخصية أو الإيديولوجية؛ ولكن الكارثة أن يكون الاختلاف تحاملاً يحمل في طياته حقداً وكراهية تخرج عن المنطق السليم في فلسفة الثورات والتحولات الديمقراطية، حتى أزاء معارضين وطنيين اختاروا رؤيتهم الوطنية وخوفهم على كل ماهو سوري في طريقة معارضتهم للنظام بحيث يتم توصيف حتى من قضوا في معتقلات النظام أكثر من خمس وعشرين عاماً بالخونة أو عملاء. أقول ذلك وقد نبهتني إلى ذلك التعليقات المؤلمة التي طالت – على سبيل المثال لا الحصر المعارض السوري عادل نعيسة- كشخصية وطنية معارضة قضت أكثر من خمسة وعشرون عاماً في معتقلات النظام السوري، وأن يتم التشكيك بهكذا شخصية وطنية إلى درجة عدم الترحم عليه، و لمجرد أنه رفع اللاءات الثلاثة  في وجه السلاح والتدخل الخارجي والطائفية كثالوت مزق الجسد والشعب السوري، وهنا أشير للتعليقات وما كتبته آلات الذباب الإلكتروني مسبقة الدفع، وأجزم بأنها عملية مبيتة و ممنهجة،  فالنيل من شخصية وطنية كشخصية عادل نعيسة القائل” حاشا أن أجعل من جرحي أكبر من جرح الوطن” هو نيل من كل وطني يعمل على وطنه بالبناء وليس الهدم لغايات شخصية، كما تفتح الباب للقراءة الواقع السوري المنقسم إلى حد الانتقام.

أمام ذلك أليس حريٌ بالسوريين إعادة قراءة روؤتهم بطريقة علمية وعادلة، والوقوف أولاً عند حالة الانقسام التي أشرتُ إليها في مقالتي السابقة حين تحدثتُ بصراحة عن التعنت الذي طرفه النظام السوري كما التعنت والتخوين الذي يسود الكثيرين من أطياف المعارضة السورية، كثنائية سلبية جعلت من الكثير من السوريين جلاداً وضحية في آن معاً، وهي الحالة التي تكرس استدامة الموت السوري وانسداد الأفق الذي أرهق السوريين داخل وطنهم وخارجه، كما تؤسس – ودون أدنى شك- للحيلولة دون أي مشروع وطني جامع.

أقول ذلك وقد آلمني كفلسطيني سوري مثقل بوجع الانقسام في قضيتي المركزية فلسطين كما قضيتي مع سوريتي التي أحب وأعشق؛ كيف لا وها أنا ذا شاهدٌ حي على حالة الانقسام المرّ والتشويش الذي يعصف  بالسوريين أنفسهم؛ بمن فيهم من يعتقدون بأنهم يعملون على دولة مستقبلية يسودها العدل والحرية والكرامة وحرية الاختلاف مع الآخر.

كاتب

  • رامي الشاعر

    كاتب ومحلل سياسي روسي - مستشار لوزراة الخارجية الروسية لشؤون الشرق الأوسط تعتبر مقالاته تعبيراً عن الموقف الروسي شبه الرسمي. السيد رامي الشاعر فلسطيني الأصل ومن عائلة فلسطينية عرفت بنضالها وثقافتها ونهجها الوطني العروبي الاصيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى