أن الوعي السياسي لا بد أن يقوم على التحليل، لأن الظواهر والعمليات السياسية مُركبة من العناصر والعلاقات المتعددة، لذا فان النظرة التركيبية مُكملة للنظرة التحليلية، وبالتالي فإن القدرة على أعادة تركيب العمليات والعناصر بهدف التحقق من صدق التحليل، تعني أن ينصرف إلى الموضوع بإبعاده وظروفه ومقوماته، والأبتعاد عن التأثر بالأهداف والاراء والأفكار النمطية الجاهزة واللجوء إلى الأحكام المُسبقة، هنا تحديداً يُفترض أن يتم التفكير السياسي للتغيير على قدر واضح من التنظيم الأكثر شمولية مقتربين بشكل كبير الى الموضوعية، فكيفما تكون المعطيات تكون النتائج، وتبعاً لها تتغير المواقف، وهذه هي قاعدة مُتبعة حتى في المسائل المعرفية الصرفة التي تخضع للمنطق، والتي تحتاج إلى نتيجة من خلال برهنة ما لدينا من معطيات؛ فإن ضرب “إسرائيل” من قبل إيران يعني لنا الكثير، ويُحتم علينا بضرورة الوقوف مع معسكر الشرق، والذي تُعد أيران من أذرعه القوية وهذه حقيقة مُسلم بها. أن العدو الأكبر والمُشترك واحد، ونحن أمام مفترق طرق ولا بد أن نختار مع من نكون فتوسيع الرؤية منا واجب، والوقوف عند الجزئيات الصغيرة لا بد أن يتلاشى أمام الشامل الأوسع، فالوجود الاجتماعي المرتبط بجغرافيا الفكر هنا بهذه الكفة هو الأقرب، وبه أرتبط وتشكل نمط بواسطة وسائل الضبط والتنظيم، وبعد اجتماع كل ذلك تشكلت منظومة فكرية ثقافية سياسية عميقة أقرب لنا في التوجه، فلا تتمسكوا بالتأريخ إلى هذا الحد وما حصل بيننا من عداء سابقاً لا بد ان يتلاشى أمام الهدف الأكبر، فالاحداث قد تغير المواقف، وأن التأريخ طويل جداً وقد ينتهي في ضباب الميتافيزيقيا، أما الموقف الكبير كهذا فيجب ان يُجب ما خلفه، ويُرغمنا أن نرضى ونسلم بعقيدة كون الأحداث فريدة على نحو مطلق، فالتجرد القيمي للنظرة الموضوعية للموقف الكبير لا بد أن يكون حاضراً متجاوزاً وعابراً للطائفية والقومية والعرقية بل وحتى الدينية، لأننا كما قلنا الجغرافيا أثبت وأبقى، وأعود بالطرح في توكيد لفظي لموقف “ضرب إسرائيل” فإنه كبير لا يمكن أن نتجاوزه ويستحق منا التجرد، لتكون النظرة عميقة حاصلين بها على نتائج مرضية لقضيتنا المركزية “فلسطين” وأنتزاع حصولها على أستقلالها من جانب، والذي هو مرهون بوجود قطب قوي متمثل “بالشرق”يوازي القطب الآخر بالقوة ويعاكسه بالاتجاه، ليوازن المعادلة ويُغير أقدار المنطقة برمتها.
د. مها أسعد