إن التجربة الأنثروبولوجية في ميدان الإعلام هي الضامن لأن تكون الإتصالات تستشعر للثقافة، لان الاعلام يفترض ان يرتبط أرتباطاً وثيقاً بالمعتقدات والقيم الثقافية ليؤدي غايتهُ في تقديم المادة الإعلامية بطريقة تتوافق مع ما يُعد مرغوباً ثقافياً، وتبعاً لذلك يُعد مضمون المادة الإعلامية وكيفية تجاوب الناس معها أرضاً خصبة للتحليل؛ ان الانثروبولوجيا بإدواتها الثقافية تُحلل وتكشف المعنى الحقيقي اذا ما استعمل الباحث البنيوية في تحليله للمادة الإعلامية المكتوبة منها والمرئية، والذي يكشف بدوره الوقائع الوهمية بإبعاد ثقافية، فإن الصورة المُتاحة والنموذج الجاهز والحدث الناتج من خلال وسائل التمثيل والمحاكاة والتجسيد هي المادة بعينها، والتي تُمثل نمطاً من أنماط الإيهام بالحقيقة المُتخيلة الناجمة عن الدمج الإلكتروني الصناعي في مُختلف صور الحياة من حُولنا؛ كل ذلك تكشفه الأنثروبولوجيا من خلال كشفها للحقائق الواقعية بوسائلها التي تحتك بالثقافة بشكل مباشر، فهناك وقائع وأحداث جديدة تستثير الأشخاص وتظهر من خلال ردود الأفعال الناجمة عن ذلك الحدث، وهي التي تكشف بالضرورة التوجه الإنساني للإنسان داخل الوسط المجتمعي لهذا المكان أو ذاك. من الأمثلة الشائعة التي حاولت كباحثة مهتمة بهذا الشأن كشفها هي إيهام وسائل الإعلام المتبناة من التوجه الامريكي-الغربي العالمي هو ان هناك أحداث تقوم بها جماعات معينة مُضاف لها من قبل أعلامهم مُسحة للشر لخلق صورة ذهنية عند المُتلقي وبالتالي خلق رأي عالمي، مُقابل ذلك الإيهام أيهام أخر موازي يتم خلقهُ كذلك متمثل في فكرة أن “أمريكا” هي المُخلص المُنقذ من هؤلاء الأشرار بما تملكهُ من مؤهلات لذلك مُتجسدة بالأسلحة المُتطورة والتكنولوجيا، وان وسائل الأعلام والإتصال المملوكة من قبلهم والمسيطرة عالمياً هي المساهم الأول في هذا الإيهام والزعم بأن لا يوجد غيرهم من يَملك مُهلاتهم تلك، ان هذا الواقع يرتبط أرتباطاً وثيقاً بنوع من أساليب المحاكاة وتكنلوجياتها، وهي تسمى المحاكاة الحرة التي لا تُشير إلى أي أصل في الحقيقة، ولا تعود إلى أي نوع من الأصول الفعلية في الحياة الواقعية، ولكن ورغم كل ذلك الجهد المبذول إلا ان هناك أحداث واقعية تُعيد تشكيل الفهم للجماهير وتنسف كل القوالب النمطية الجاهزة التي أرادت السياسة العالمية من خلال الإعلام غرسها في الشعوب ولسقها في أذهانهم على أنها الحقيقة الدامغة التي لا تقبل التغيير، وهناك مثال واقعي جديد يُجسد تلك الحقيقة التي حطمت كل تلك الأنماط الثابتة هي “غزة” والتي ستكون عاملاً ذا ثقل كبير في ميزان القوى ولن تصمد أمامه كثيراً جماعات اللوبي(جماعات الضغط) المُسيطرة على الإعلام العالمي أمام التشكل الإنساني الجديد للوعي، وتحديداً وعي الشباب الصاعد والذي أدرك زيف ادعاءاتهم من خلال ما يسمع ويرى من أحداث واقعية مُدركاً الهوة الكبيرة بين ما موجود في مدوناتهم وبرامجهم المتضمنة للقيم الإنسانية وبين الواقع الذي ينسف كل ذلك، سواء بصورة مباشر من خلال أسلحتهم الداعمة للكيان الغاصب في القتل والإبادة، او بصورة غير مباشرة بواسطة الفيتو الذي يشرعن كل ذلك.