• بوتين: الغرب لعب دورا مخادعا في الأزمة الأوكرانية، وبيان القمة يعبر عن قلق دول المنظمة تجاه ما يجري في قطاع غزة.
كان من البديهي أن تقدم قمة شانغهاي الأخيرة في العاصمة القازاخية آستانة إعلانات نوعية انعكاسا لانعقادها في ظروف نوعية أيضا.
فقد اختتمت أعمال القمة الرابعة والعشرين لزعماء دول منظمة شانغهاي بحضور ستة عشر رئيس دولة، بينهم إلى جانب الرئيس بوتين، الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ناهيك عن ممثلي عدد من المنظمات الدولية، بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش، أي أن الحضور بحد ذاته يمثل زخما سياسيا مشهودا خاصة أن هذه القمة شهدت الانضمام الفعلي لدولة بلاروسيا إلى المنظمة، ما يقوي جناحها الغربي، وبالتالي باتت شانغهاي تضم عشر دول كأعضاء فعليين، ودولتين مراقبتين، إضافة إلى 14 دولة كشركاء في الحوار، أي أنها عمليا تدور بفلك هذه المنظمة التي تنامت وتعاظم دورها إلى حد كبير بعد أن كانت عند تأسيسها عام 2001 ستة دول وحسب، وهي روسيا والصين وقازاخستان وأوزبكستان وطاجاكستان وقرغيزيا، ثم انضمت مصر والسعودية وقطر وإيران، وتوجت القمة الأخيرة بانضمام بيلاروسيا لتزداد مناعة، خاصة إن علمنا أن هذه المنظمة ليست اقتصادية تعاونية وحسب، بل هي منظمة امنية قبل كل شيء، وأسست في البداية عام 1996 بخماسية دون أوزبكستان، وكان الباعث الرئيس هو تزايد الحركات الانفصالية والمنظمات المتطرفة في دول آسيا الوسطى، وبالتالي كان الهدف الأول هو التعاون في المجال الأمني لمواجهة هذه الظواهر. وقد أكد الزعيم الصيني في هذه القمة أن التغييرات التي يشهدها العالم تتسارع وأن المجتمع البشري يقف مرة أخرى على مفترق طرق تاريخية.
أوكرانيا كانت حاضرة بقوة
كان بديهيا أن يتم تناول الأزمة في أوكرانيا الأمر الذي يتبدى من خلال إعلانات الرئيس بوتن الذي أوضح أن الغرب لعب دورا مخادعا أكثر من مرة في المسألة الأوكرانية، حيث كشف أن الغرب سارع بالمطالبة بوقف إطلاق النار عندما وصلت القوات الروسية بسرعة إلى مشارف العاصمة كييف عام 2022، وذلك بحجة ضرورة منح كييف فترة هدوء للتفكير بالتفاوض، فانسحبت القوات الروسية لكن الأمر تغيّر بعد ذلك، وتم إلغاء جميع الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في إسطنبول، وحتى في الآونة الأخيرة لم تقبل كييف ولا الدول الغربية بمقترح الرئيس بوتين لإحلال السلام، وقد أعلن بيسكوف المتحدث باسم الكرملين أن أوكرانيا والغرب اعتبرا المبادرة إنذارا، موضحا أن موسكو تعتبر ذلك قصر نظر، وتأخذ مثل هذه التصريحات مداها إبان حضور الرئيس الصيني الذي رُفضت كذلك مبادرته للتسوية أيضا، والرئيس التركي الذي عرض أن يقوم بالوساطة، فقد أوضح بيسكوف أن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يمكنه حاليا أن يكون وسيطا في المفاوضات بين موسكو وكييف، لأن أوكرانيا ترفض المفاوضات، مع التنويه بأن اتفاقيات اسطنبول يمكن أن تكون أساسا للاتفاق، ويلفت النظر في هذه القمة أن الرئيس بوتين حسم مسبقا اقتراح الرئيس زيلينسكي حول التفاوض عن طريق وسطاء، حيث أعلن بوتين أن موسكو ترحب بأية وساطة، ولكن من يستطيع أن يمنح الوسيط صلاحيات وضع النقطة النهائية، مضيفا أنه من غير المرجح أن يُسمح للوسيط بالتوقيع على الوثائق النهائية.
تعاون خلّاق
كان إعلان الرئيس مدويا كرسالة للغرب بأننا ماضون لبناء عالم جديد متعدد الأقطاب وأكثر عدلا وذلك بقوله أن منظمة شانغهاي للتعاون إلى جانب مجموعة بريكس تشكلان الركائز الأساسية للنظام العالمي الجديد، مؤكدا أن هاتين الرابطتين هما محرك قوي لعمليات التنمية العالمية وتعزيز التعددية القطبية الحقيقية، منوها في غضون ذلك بأن تطوير استراتيجية تنمية منظمة شانغهاي حتى عام 2035 لا يقتصر على السياسة والأمن، ولكن يشمل الاقتصاد والطاقة والزراعة وحتى التقنيات العالية والابتكارات، وفي ذلك إشارة قوية لفشل المساعي الغربية لتحقيق انتصار على روسيا بشحن مزيد من الأسلحة وتوجيه آلاف العقوبات وإجراءات الحصار المستمرة، لكن الدب الروسي كان أذكى، فهاتان المنظمتان تشكلان بالفعل قلعة اقتصادية ضخمة لن تهزها العقوبات حتى وإن قاربت العشرين ألف عقوبة على روسيا، فقد تم في هذه القمة التوقيع على 25 وثيقة تعاونية، ناهيك عن حصة دول هاتين المنظمتين في الاقتصاد العالمي، فحسب الرئيس القازاخي توكايف بلغ حجم التبادل التجاري الخارجي لبلدان منظمة شانغهاي وحدها ما يساوي ربع حجم التجارة العالمية ، ونشير هنا إلى أن قيمة اقتصاديات دول بريكس تبلغ أكثر من 28،5 تريليون دولار ناهيك عن أن شعوبها تشكل 45% من سكان العالم بمعنى أن أسواق هذه البلدان الداخلية وحدها تعطيها طابع التمايز في العقود القادمة.
بيان نوعي أيضا
أكدت القمة في بيانها الختامي أن القانون الدولي يُنتهك بوضوح في العالم، وأن المواجهات الجيوسياسية تتزايد، وأشار البيان إلى أن نظاما عالميا أكثر عدلا ومتعدد الأقطاب بدأ يظهر، وتتوسع فرص التنمية في إطار تعاون منصف وتبادل حقيقي للمنفعة، وأن الدول الأعضاء ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأية إجراءات تتعارض مع القانون الدولي.
كما ركز البيان على تبني المنظمة مبادرة الوحدة العالمية من أجل السلام العادل والوئام والتنمية، وتسعى لخلق ظروف من شأنها أن تعزز الأمن والنظام في العالم، وتؤيد الحفاظ على الفضاء الخارجي خاليا من الأسلحة أيا كانت، وتؤكد على الالتزام الصارم بالقانون الدولي حول الاستخدام السلمي للفضاء.
ولم ينس البيان حتى القضية الفلسطينية حيث أوضح أن الدول الأعضاء تُعرب عن قلقها العميق إزاء تعمق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتدين بشدة الأعمال التي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، ووصل الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى حالة كارثية.
الجدير بالذكر أن الاجتماع القادم لمنظمة شانغهاي سيعقد عام 2025 في الصين التي ستترأس المنظمة في الفترة المقبلة.