دوليصحافة وآراء

قمة الناتو استنفرت الذين ردوا الصاع صاعين (الجزء الثاني)

بقلم د. أيمن أبو الشعر

• الصين تعتبر قمة الناتو مليئة بالأكاذيب والاستفزاز وموسكو ستوجه صواريخها إلى ألمانيا حين تنشر الصواريخ الأمريكية على أراضيها
يتبين للمتابع للهواجس التي عبرت عنها قمة الناتو الأخيرة بوضوح أنها في الواقع هواجس الولايات المتحدة، وهي تمليها على دول الناتو التابعة في معظمها للسياسة الأمريكية.
فقد عبَّرت قمة حلف شمال الأطلسي عن القلق إزاء التعاون الوطيد بين موسكو وبكين، وهو أمر يستنفر ويرهق أعصاب البيت الأبيض بالدرجة الرئيسية، وخاصة من خلال التقدم الذي حققته الصين في المجال التجاري حتى باتت المنافس الأول للولايات المتحدة عالميا، ولهذا تسعى واشنطن بكل ما أوتيت من قوة إعاقة الصين وتقليب الدول وخاصة الأوربية عليها، ومعظم دول أوروبا الشرقية منضوية تحت جناح الناتو، وقد أعلن ستولتنبرغ أمين عام الناتو أن الدعم الصيني لروسيا يشكل خطرا على أمن الناتو الذي سيتعاون مع خصوم الصين، ويقصد إجراء ما يشبه التحالف غير المعلن بين أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزلندا، رغم أن إدراج نيوزلاندا هنا لا يعني شيئا كقوة عسكرية، ناهيك عن أنها تبعد عن الصين أكثر من 11 ألف كيلو مترا، وقد جاء في بيان قمة الناتو الختامي مطالبة الصين بالمناقشات الاستراتيجية للحد من المخاطر، وتعزيز الاستقرار من خلال الشفافية، وفي ذلك اتهام مباشر للصين بأنها تتهرب من التعاون لتحقيق الاستقرار، وأنها ماكرة مخاتلة ضد الشفافية والنقاء.
وجاء الرد الصيني حاسما قويا حيث اعتبرت البعثة الصينية لدى الاتحاد الأوروبي أن إعلان قمة الناتو مليء بعقلية الحرب الباردة والخطابات العدائية والاستفزازات والأكاذيب وحتى التحريض والافتراء!!! وجاء الرد العملي في مناورات صينية روسية مشتركة استمرت طيلة النصف الأول من يوليو الحالي على طول ساحل الصين الجنوبي تحت عنوان البحر المشترك لعام 2024.
وبديهي أن تتوجه قمة الناتو بانتقادات وإنذارات لكوريا الشمالية الخصم التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية جاء ذلك في بيان أصدره الرئيس الأمريكي بايدن مع الرئيس الكوري الجنوبي أثناء قمة الناتو أشادا فيه بتوقيع البنتاغون ووزارة الدفاع الكورية الجنوبية على ما أطلق عليه وثيقة الردع النووي في شبه الجزيرة الكورية، وهو موجه تحديدا ضد كوريا الشمالية وبرامجها الصاروخية والنووية، وقد أدانت كوريا الشمالية الإعلان الختامي لقمة الناتو واعتبرته برنامج حرب ومواجهة معربة عن رفضها لمضامينه باعتباره وثيقة غير قانونية تنتهك الحقوق المشروعة للدول المستقلة ذات السيادة، وأنه بيان استفزازي خبيث يحرض على نشوب حرب باردو جديدة، وحتى مواجهة عسكرية، محذرة من أنهما سيدفعان ثمنا باهظا لا يمكن تصوره في حال أقدما على حماقة في هذا المجال . والحقيقة أن موقف قمة الناتو كان موجها بالدرجة الرئيسية لتوقيع الزعيمين الكوري الشمالي والروسي على اتفاقية تعاون ودفاع مشترك، والتي جاءت بحد ذاتها ردا على انضمام دول جديدة إلى حلف الناتو كما أن الموقفين الصيني والكوري الشمالي جاءا عمليا ردا على توجهات الناتو لتوسيع التعاون بما يشبه الحلف بين اليابان وكوريا الشمالية وأوستراليا ونيوزلاندا كشبكة مديدة في المحيط الهادي من أقصاه إلى أقصاه.
وكانت تصريحات بايدن حول مساهمة الناتو في استعادة السلام في البلقان، وتصريحات قائد قوات حلف الناتو المتقاعد ويسلي كلارك الذي طالب بفعل المزيد من أجل أوكرانيا مستشهدا بكوسوفو قبل ربع قرن، كالشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث كان رد الزعيم الصربي ألكسندر فوتشيتش صاعقا مدويا فقد أعلن أن الصربيين لن ينسوا أبدا ما فعله الناتو، ونأن صربيا لن تكون فريسة لأحد مرة أخرى كما حدث عام 1999 ، وأن صربيا اليوم دولة جادة ومسؤولة ولن تسمح لأحد أن يهدد شعبنا ووطننا، وتوجه إلى قائد الناتو المتقاعد كلارك قائلا لقد ترك ويسلي كلارك بصمته التي لا تمحى، هذه البصمة ليست في تدشين طرق سريعة ولا إنشاء سكك حديدية أو تقديم مساعدات، بل في قتل شعبنا وأطفالنا، مؤكدا أن ذلك من الحقائق التاريخية التي ستبقى كذلك، وبأن الحرية هي القيمة الأساسية للصرب وهم على استعداد للموت في سبيلها.
الجانب الحساس الآخر هو إعلان قمة الناتو الصريح بالسعي لتعزيز وجوده في الشرق الأوسط وإفريقيا، متعللا بدعم السلام والاهتمام بالخاصرة الجنوبية للحلف، وذلك عبر افتتاح مكتب للناتو في الأردن ومواصلة العمل مع السلطات العراقية الحالية، ومثل هذه التوجهات لا تخفى على الشعوب العربية خاصة إثر سطوع مواقف الناتو المؤيدة لإسرائيل ضد العرب، وعموما لا يحتاج المواطنون العرب إلى إنعاش الذاكرة حيث تتعلل القوات الأمريكية وكذلك قوات حلف شمال الأطلسي بضرورة المساعدة في القضاء على تنظيم داعش، والحقيقة التاريخية هي أن تنظيم داعش لم يكن موجودا لا في العراق ولا في سوريا إبان غزو الأمريكان للعراق، والجانب الآخر هو أن تنظيم داعش ينفذ ما تأمره به القوات الأمريكية حيث يقبع في مواقعها وخاصة في التنف، وينطلق من هناك لتنفيذ هجوماته بعد الحصول على المعطيات اللوجستية من الأمريكان أنفسهم، وقد قرر الناتو زيادة حجم قواته في العراق من 500 فرد إلى 4000 ، وظل يمارس دورا قياديا وكأن قواته عبارة عن قوات المندوب السامي لتدريب رجال الأمن والشرطة في العراق، وهذا يعني تهيئة قوات أمنية نصيرة للناتو الذي لا يخفي أبدا توجهاته في دعم إسرائيل، أما في الأردن فسينشئ الناتو أول مكتب له في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انطلاقا من أن الأردن كما قال ستولتنبرغ شريك طويل الأمد وذو قيمة عالية بالنسبة للحلف، بحيث يعمل بشكل أوثق مع دول جوار البحر الأبيض المتوسط ودول الخليج العربي، قد يتخيل البعض أن في الأمر غرابة، التعاون سيكون لصالح إسرائيل حتما، فالحقيقة هي أن هذا هو منطق التعاون بين حلف نصير علني لإسرائيل ودولة تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وهذا ما يفسر تزامن الاعتقالات بحق المتضامنين مع أهالي غزة في الأردن… والحبل على الجرار في قادم الأيام.

الصواريخ الأمريكية في ألمانيا
أخيرا نتوقف قليلا عند قرار واشنطن نشر صواريخ متوسطة المدى، وقادرة على حمل رؤوس نووية في ألمانيا كصواريخ sm-6 وتوماهوك، وتايفون وأسلحة صاروخية أخرى فرط صوتية، جاء ذلك أيضا إبان قمة الناتو التي وصفت بقمة ما قبل الحرب، وجاء ذلك في بيان أمريكي ألماني مشترك، فما الذي يدفع ألمانيا لاتخاذ خطوة كهذه تشكل خطرا كبيرا عليها، إنها التبعية التي لا بد من دفع ثمنها، ولو طرح الأمر على الشعب الألماني لرفضت غالبيته هذه المغامرة، التي اعتبرها المستشار الألماني شولتس أنها مبادرة عادية ولن تؤدي إلى التصعيد مع روسيا لأنها تهدف إلى الردع فقط!!!
وقد استنكرت موسكو هذا التطرف واعتبرته مسيئا لألمانيا بالدرجة الأولى، حتى أن لافروف أعلن في 16 من الشهر الحالي من مجلس الأمن أن قرار نشر الصواريخ الأمريكية في ألمانيا هو بمثابة إذلال لبرلين، وأعلن بيسكوف المتحدث باسم الكرملين أن هذا القرار سيؤدي إلى حرب باردة، وأوضح أن نشر صواريخ أمريكية بعيدة المدى في ألمانيا ستجعل أوروبا في مرمى صواريخنا وروسيا في مرمى الصواريخ الأمريكية، في إشارة واضحة إلى أن أمريكا تنقل المخاطر إلى أوروبا بعيدا عنها، بل إن ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية أعلن بوضوح أن الرد سيكون عسكريا ضد التهديد الجديد.
هذا التصعيد الخطير لا يمكن إخفاؤه، فرؤوس الصواريخ النووية من الجانبين ليست رؤوس نعامات لتختفي في رمال التصريحات التي تذر الرماد في العيون، بل هي قد تكون الشاهد الوحيد على احتمال فناء البشرية نتيجة رعونة وتهور واستخفاف الغرب بما يمكن أن تؤول إليه الأمور، ولهذا جاء تصريح مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي حاسما وصاعقا بآن معا بقوله تعليقا على احتمال دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو أن على روسيا إزالة أوكرانيا أو الحلف نفسه من الوجود.

كاتب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى