
صحافة وآراء
آفاق السياسة الأمريكية بعد تنصيب ترامب في الشأن الدولي (الشرق الأوسط والصين) – (الجزء الثاني)
د. أيمن أبو الشعر
• ترامب يتصرف مع جميع الدول كتاجر ورجل أعمال لا كسياسي، والصراع مع الصين قد يتصاعد إن لم يتم التوصل إلى حل وسط
من الواضح أن القسم الأكبر من اهتمامات ترامب منصب نحو الداخل، وحل الإشكالات الكثيرة الداخلية والخارجية التي جاءته كتركة من سلفه، ما يفسر مسارعته للتوقيع على مراسيم معاكسة تقضي بإلغاء قرارات الرئيس بايدن حتى الحديثة منها، ولابد من الإشارة إلى أن ترامب لا يتصرف كسياسي محنك بل كرجل أعمال يهمه تحقيق الربح في أي مجال، من هنا تبدو أطروحاته إعدادا أوليا لعقد صفقات حتى في المجال السياسي.
وتبرز في اهتمامات الرئيس ترامب في الشرق الأوسط محاور رئيسية أهمها التعامل مع فلسطين وإسرائيل وسوريا والخليج وإيران، ولا تختلف سياسته تجاه هذه الملفات كثيرا إلا في بعض الأطر التكتيكية لا الجوهرية عن موقفه منها في فترة رئاسته السابقة نوضح مؤشراتها باختصار شديد.
في الشأن الفلسطيني – الإسرائيلي
ترامب يعلن بنفسه أنه حليف قوي لإسرائيل، وأنه أفضل صديق لها، وقد أكد أمام المجلس الإسرائيلي الأمريكي في واشنطن في أيلول الفائت أنه سيسعى لجعل إسرائيل دولة عظيمة من جديد، وهذه قناعات لدى ترامب وليست مجرد كلمات للحملة الانتخابية، وسيسعى حسب إعلاناته أيضا لإنهاء الحروب بما في ذلك في الشرق الأوسط، الأمر الذي يسعى لتحقيقه عبر مخطط صفقة القرن التي روج لها صهره ومستشاره اليهودي كوشنر منذ عام 2018، وقد بدأ ترامب بتوسيع نشاطاته قبيل الانتخابات وخاصة حول تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، وهو يعزي لنفسه إنجاح وقف إطلاق النار في غزة، حتى أن ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط أعلن بثقة أن رؤية ترامب للمنطقة هي التي أنجحت إطلاق سراح بعض الرهائن في غزة، واعتبر ذلك إنجازا يُبرز قوة الرئيس ترامب، كما أن واشنطن حسب مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد مايك والتز لن تسمح لحماس بحكم غزة مجددا، ما يُخبئُ مفاجآت قد تكون خطيرة في الأسابيع القليلة القادمة، فهناك حسب والتز فكرة تقضي بأن تحل محلها قوة أمنية مدعومة من العرب، ومما له دلالاته أن الرئيس ترامب وقع في اليوم الأول لولايته قرارا يلغي العقوبات التي فرضها بايدن على المتطرفين الإسرائيليين الذين ارتكبوا أعمال عنف ضد الفلسطينيين. ومع ذلك يرجح أن يعتمد ترامب بالدرجة الرئيسية على ما يمكن أن تحققه صفقة القرن، وأن يبتعد قليلا تاركا لإسرائيل حرية اختيار الطريق الذي تفضله في التعامل مع الفلسطينيين، وسيكون الاعتماد الأول بالنسبة له يرتكز على إنجاح اتفاقيات أبراهام لتعزيز الاستقرار الإقليمي عبر تطبيع البلدان العربية مع دولة إسرائيل.
في الشأن الإيراني
من المعروف أن موقف واشنطن عموما وترامب خصوصا من إيران ينطلق من ضمان أمن ومصالح إسرائيل، وهو الأكثر تشددا تجاه إيران حتى أنه ساهم شخصيا بانهيار اتفاق إيران مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي الموقع عام 2015، وذلك حين أعلن من جانب واحد الانسحاب من الاتفاقية وإعادة فرض العقوبات على طهران، ومن جديد يلوح مستشارو ترامب بزيادة تشديد الموقف تجاه إيران لممارسة أقسى أنواع الضغوط عليها، وذلك في محاولة لِلَجِم القوى التي تعتبرها واشنطن حليفة لطهران وتنفذ أجندتها كلبنان واليمن، ومع ذلك لا يُستثنى أن تظهر في الأفق بوادر تلطيف نسبي لمسار العلاقات بين البلدين، واحتمال عقد صفقة خاصة مع إيران واستغلال وجود قيادة إصلاحية يرأسها الرئيس بزشيكان الساعي لتحسين ظروف بلاده الاقتصادية والسياسية عموما، ويرجح في مثل هذه الحالة أن تطالب واشنطن طهران بالتخلي عن محور المقاومة وتخفيف دور الحرس الثوري في المنطقة، لكن هذا الأمر مرهون كذلك بمدى تأثير الداخل الإيراني، من هنا أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن بلاده تأمل في أن تتبنى الحكومة الأمريكية الجديدة سياسة واقعية تجاه طهران مبنية على احترام المصالح.
في الشأن السوري والعراقي
المعروف أن سياسة ترامب في ولايته الأولى كانت تتجه نحو تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق وسوريا، والحفاظ على محاربة الإرهاب بالتنسيق بالدرجة الرئيسية مع الحكومة العراقية التي تخضع أساسا للرغبات الأمريكية، وقد وصل ترامب إلى البيت الأبيض في ظروف استثنائية في سوريا سقط فيها نظام بشار الأسد، ووصل إلى الحكم أحمد الشرع الذي حددت واشنطن قبل ذلك مكافأة بعشرة ملايين دولار لمن يعطي معلومات تساعد في القبض عليه كإرهابي، لكنه اليوم الرجل الأول في سوريا، وتمكن عبر مقاتليه من السيطرة على جميع فروع ومؤسسات السلطة، وبدأت معظم الدول بالتواصل معه وفتح أبواب التعاون مع سوريا بقيادته بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، من هنا حاول الشرع نفسه تحسين الأجواء مع واشنطن، فأرسل برقية تهنئة إلى ترامب عبر فيها عن تطلعه لتحسين العلاقات بين البلدين واصفا ترامب بأنه القائد الذي سيجلب السلام والاستقرار إلى الشرق الأوسط، ومع ذلك لا تلوح في الأفق حسب معظم المعطيات إمكانية سحب القوات الأمريكية من سوريا، هذا الانسحاب الذي قد يعني القضاء على قسد وعودة إنعاش الاقتصاد السوري بعودة الجزيرة السورية التي تعتبر مخزنا للحبوب والنفط، ولا يلوح في الأفق أية بوادر لاستعادة الرغبة في تقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق ما يعني المراوحة في المكان بالنسبة للملفين العراقي والسوري على حد سواء، واستمرار سياسة سلب الكثير من الموارد الاقتصادية للبلدين، واعتباره نفقات لوجود القوات الأمريكية فيهما، وكأنها جاءت بناء على طلب من الشعبين العراقي والسوري.
حول شأن الخليج العربي
تبقى العلاقة مع الخليج العربي مطمحا هاما بالنسبة لترامب انطلاقا من سعيه دائما لفتح الجسور مع الدول الغنية لتكون سوقا للبضائع الأمريكية، ولكي يكون قسم من مدخراتها الكبيرة استثمارات داخل الولايات المتحدة أو من خلال مشاريع مشتركة، وحسب ويتكوف مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط فإن سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط ترتكز إلى المعاملة بالمثل والمحاسبة مضيفا أن عصر الدعم غير المشروط والصكوك البيضاء قد ولى، ويولي ترامب اهتماما خاصا بالسعودية لضمان استقرار أسواق الطاقة، وسبق أن تحدث كتاجر أمام ولي العهد السعودي إبان زيارته إلى الولايات المتحدة حيث تحدث عن مطامحه بالنسبة للسعودية وما يسعى للنيل منها، أما الآن فالحديث كما يبدو يدور حول استثمار السعودية 600 مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي أشار إليه ترامب في كلمته المتلفزة عبر النت إلى المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، ونوه بأنه سيطلب من ولي العهد السعودي رفع المبلغ إلى تريليون دولار، لذا فإن ترامب يتابع نهجه كتاجر ورجل أعمال وخاصة في الخليج العربي.
حول الشأن الصيني
لم تكن دعوة ترامب للرئيس الصيني شي جين بينغ سوى إشارة ذكية توحي باستعداد ترامب لتخفيف الصراع على الزعامة الاقتصادية للعالم وجاء رد الزعيم الصيني بأنه يفهم هذه الإشارة ويتقبلها من خلال إرسال نائبه هان تشنج لحضور مراسيم الاحتفال بتنصيب ترامب كرئيس للولايات المتحدة.
عموما يتوقع معظم المحللين أن الصراع مع الصين سيبقى خلال ولاية ترامب الثانية إن لم يتصاعد نتيجة استحواذ الصين على أسواق عالمية جديدة، ومثل هذا الواقع يغيظ واشنطن التي ترى أن بكين تسحب البساط من تحت الأقدام الأمريكية خطوة خطوة، ولعل محاولة حظر تطبيق تيك توك الصينية خير مثال على تزايد التناحر الاقتصادي في عقر دار الولايات المتحدة حيث تشير المعطيات إلى وجود 170 مليون مشترك في تيك توك، ولا يستثنى أن توسع الصين من نفوذها الاقتصادي في أوروبا الحليف التقليدي للولايات المتحدة مستفيدة من احتمال تردي العلاقات بين واشنطن وأوروبا من خلال سياسة الهيمنة التي يسعى لفرضها ترامب على أوروبا وغيرها من خلال شعاره أمريكا أولا.
والحقيقة أن الحرب التجارية التي بدأت بين الصين وأمريكا في عام 2018 بفرض ترامب رسوما جمركية على البضائع الصينية بواقع 250 مليار دولار اتسعت عبر ردود الفعل والإجراءات المتبادلة، رغم أن العلاقة التجارية بين البلدين تعبر من الأفضل عالميا حيث تصل إلى 800 مليار دولار سنويا، لكن واشنطن باتت تتوجس من زيادة سيطرة الصين على الأسواق الأمريكية ذاتها، ما يوحي بأن الأمر يحتاج إلى معالجة جدية قد تمر عبر حلول وسط لا يمكن أن يقدم عليها إلا الزعيمان الأمريكي والصيني عبر توافقات محتملة قد تظهر بوادرها في الأشهر القليلة القادمة، خاصة أن الرئيس ترامب حرص على الاتصال بالرئيس الصيني حين علم أنه لن يحضر التنصيب، كما أنه عبر عن رغبته في زيارة بكين في الأشهر القريبة القادمة.