ركزت الأبحاث الخاصة بالأنثروبولوجيا القانونية على إدارة الصراعات والجريمة والعقوبات والتنظيم الرسمي، حيث يُنسب تأسيس دراسة الأنثروبولوجيا القانونية إلى المحامي الإنجليزي السير هنري مين (Henry Maine) عبر كتابه القانون القديم 1861م، وذلك لأنهُ ركز على المنظور التطوري المُستند إلى أساس عرقي مركزاً بارزاً في النقاش الأنثروبولوجي المبكر حول القانون، وهذا ما يتضح في المصطلحات المُطبقة عندهُ، مثل “ما قبل القانون” أو “القانون الأولي”، عند وصف الحضارات الأصلية، على أي حال، وعلى الرغم من الرفض الحاد تجاه الإطار التطوري الذي طرحه مين في هذا المجال، فقد ساهمت الأسئلة التي أثارها في بلورة النقاشات اللاحقة حول هذا النوع من الدراسات. علاوةً على ذلك، ساعد اقتراح برونسيلاف مالينوفسكي Bronisław) Malinowski) تأسيس ضوابط الأنثروبولوجيا القانونية عندما أكد على دراسة القانون عبر الحضارات من خلال وظائفهُ المحددة بدلاً من اعتباره كياناً منفصلاً، مبرراً اقتراحهُ هذا من خلال الإشارة إلى المجتمعات التي خلت من الزعماء، أدى ذلك إلى أتجاه العديد من الباحثين والإثنوغرافيين إلى دراسة جوانب مثل النظام أو النزاع أو إدارة النزاع أو الجريمة أو العقوبات أو التنظيم الرسمي، بالإضافة إلى إجراء دراسات (غالباً ما كانت مُعادية) متمحورة حول القانون، صاحبتها دراسات عن مجتمعات صغيرة النطاق أفضت إلى تفكّر ذاتي حكيم وفهم أفضل للمفهوم التأسيسي للقانون، سعت البحوث المعاصرة في الأنثروبولوجيا القانونية إلى تطبيق مجالها على القضايا التي يتقاطع فيها موضوعا القانون والحضارة، متضمنة حقوق الإنسان والتعددية، من هذا الجزئية تحديداً نربط محور موضوعنا بواعث القانون ونَربُطها بالحضارة، لذلك تناولنا الموضوع من الجانبين الديني-المدني كمبعث ثقافي (حضاري) على حدٍ سواء للموازنة بين رؤى المجتمع بما يخص العراق تحديداً؛ لوجدنا من المُرجح ان يكون الملوك ما قبل الميلاد أنبياء لما وجد في العهد القديم من تعاليم مُشابهة لقوانين هؤلاء الملوك ومنهم حمورابي، فإن قوانين حمورابي هي مجموعة قوانين بابلية يبلغ عددها 282 مادة قانونية سجلها الملك حمورابي سادس ملوك بابل والذي حكم من سنة 1792ق.م إلى سنة 1750ق.م، والتي خُطت على مسلة كبيرة أسطوانية الشكل، منها 127- 184 مادة خاصة بالمرأة وشؤونها في توفير لها حياة كريمة وحماية جنائية ومدنية كبيرة، سوف نذكر بعض من نصوص تلك القوانين كنماذج للتوضيح، فقد جاء في المادة 127 ما يلي: “اذا طعن شخص بايماء منه شرف كاهنة معبد، أو زوجة أخر ولم يثبت صحة أتهامه، أستقدم أمام القضاء ودمغت جبهته بعلامات مميزة”، اي وصم بعلامة ليكون عبرة في المجتمع ولا يغفل هذا القانون مهر الزوجة وحقها في الصداق وجاء ذكره في المادة 139 ونص على: “اذا لم يكن هناك صداق مسمى، أُلزم بإعطائها مينا من الفضة تسوية للطلاق”، كما وتعمق القانون في مسألة المرأة في وجوب شرعية المرأة بالميراث، وحق الارملة بورث زوجها وكانت للمرأة التي تنجب الاولاد حظا اوفر من المرأة العاقر التي يكون من حقها ان تأخذ مهرها او الهبة التي وهبها إياها زوجها أثناء حياته، واختتمت حقوق المرأة بالمادة 184 الى حق المرأة من ميراث والدها وجاءت بالقانون الذي نصهُ “اذا لم يقدم السيد الى أبنته التي هي جارية جهازاً ولم يعطها الى زوج فبعد ان يذهب الى أجله فيجب على أخوتها أن يقدموا لها جهازاً يتناسب مع ثمن حصتها من أبيها وعليهم أن يعطوها الى زوج” ومن خلال هذه المواد المختارة على سبيل المثال لا الحصر، توضح لنا أهمية المرأة وكرامتها في المجتمع العراقي القديم بكونها نصف المجتمع والمربية الفاضلة، فعلى اي جهة تحسبون أنفسكم يا من تحكمون العراق؟! وانتم تُريدون المساس بقوانينهُ المدنية التي هي مُعالجة من جميع الزوايا الثقافية المُنبعثة من عمق تأريخهُ الديني المدني والحضاري.