قليلة إن لم تكن نادرة هي الأصوات المتعقّلة، إلى حدّ ما، التي تصدر من الكيان الإسرائيلي الغوغائي، والذي تسوده شهوة الانتقام الهمجية والغرائز الشهوانية التي تتجاوز بدرجات ما في أحطّ عالم الحيوان من غرائز وشهوات، حيث لا منطق ولا قِيَم ولا أخلاق ولا حتى أدنى مسلكيات الفطرة الإنسانية. وهو ما يَسِم كافة ما يشاهده العالم أجمع بالصورة والصوت، وما خفي أعظم وأفظع؟!
واللافت للانتباه أن هذه الأصوات تصدر عن رجالات مرموقة، ذات تاريخ حافل بخدمة الكيان، ولا يشفع لها ذلك في التَّكالُب عليها وتوجيه شتى الاتهامات لها، بل واعتبارها “خائنة” ومعادية للساميّة، أو نشازاً في أحسن الأحوال؟!
ولعل من هذه القِلّة، الجنرال إسحق بريك الذي خدم في سلاح المدرّعات كقائد لواء ثم فرقة وقوّات، وشارك في حرب 1967 ومعركة “الكرامة” وحرب الاستنزاف وحرب تشرين/أكتوبر 1973 وغزو لبنان 1982، وحاصل على وسام الشجاعة.. في حين أن مهاجميه من القيادات السياسية، لم يخدموا عسكرياً، وبعضهم رُفضت خدمته لجرائم جنائية، ليس بحقّ الشعب الفلسطيني طبعاً؟!
في حديث له مع صحيفة “معاريف” وقناة “كان”، حذّر من أن أي حرب قد تخوضها “إسرائيل” ستؤدّي إلى دمارها، كما إن خوض حرب مع حزب الله سيكون سبباً في دمار “إسرائيل”، معلّلاً ذلك بأن “الجيش منهك ولا توجد ذخائر، والآليات متهالكة، ونحن نفقد جنود احتياط يرفضون الالتحاق بالخدمة“، وموضحاً أنه “في حال دخول الجيش الإسرائيلي لبنان براً وهو منهك فإنه من الصعب عليه الوصول إلى نهر الليطاني، وستكون هذه (هزيمة إستراتيجية) لإسرائيل“. داعياً “الإسرائيليين إلى الاستيقاظ قبل أن يُوَرِّط رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان البلاد في حرب إقليمية شاملة”. وأضاف “أن تسبب هؤلاء الثلاثة فيما يشبه حادثاً مميتاً لإسرائيل هو مسألة وقت فقط، وأنه يجب حرمانهم من رخصة قيادة الحرب“. مشيراً إلى “أن إسرائيل خسرت بشكل كبير في غزة، وأن القول بالاستمرار في الحرب حتى نقوّض حماس هي مجرّد شعارات”. وكان “بريك” قد لُقِّب “نبي الغضب” لأنه تنبأ بهجوم يشنّه آلاف المسلّحين الفلسطينيين على مستوطنات غلاف غزة، كما أنه يتنبأ بهجوم فلسطيني عارم في المستقبل القريب على المستوطنين في الضفة الغربية. وفي حديث آخر له مع “معاريف” قال: “إن انقلاب الجيش المصري على إسرائيل دراما سوداء، لا حلّ لها.. لذلك إلغاء السلام مع المصريين كارثة أمنية على دولة إسرائيل بكل معنى الكلمة، في هذه الحالة ليس لدينا خيار سوى الدعاء إلى الله، وكل ما يحدث هو ممن صنع مجموعة من الحمقى الذين يريدون الحرب لنا مع مصر ما سيترتب عليه أنهم سوف يدفنون بلدنا، وهذا ضوء أحمر وإنذار طواريء لجميع المواطنين الإسرائيليين“، وتابع حينها: “الدخول إلى رفح سيكون المسمار الأخير في نعش قدرتنا على إسقاط حماس. إن الحرب الإقليمية مقبلة علينا، وستكون أخطر وأفظع بمئات الآلاف من الحرب في غزة، و(القباطنة) الذين يديرون حربنا، بقراراتهم، يقربوننا من حرب إقليمية عامة، ولا يجهزون لا الجيش ولا الجبهة الداخلية لتلك الحرب التي ستكون أفظع حروب إسرائيل. والأسوأ من ذلك كله لم يأت بعد، إنهم يتخذون قرارات تصل بنا إلى حد سحق مستوطنات الشمال والجنوب والجيش والاقتصاد وعلاقاتنا بالعالم والمجتمع والدولة“. وقال بريك في مقال نشره بصحيفة “هآرتس”: “نواصل القتال في غزة، ونهاجم الأراضي التي قمنا باحتلالها مراراً وتكراراً. غارات لا هدف لها وندفع ثمناً من الدماء. ينجح الجيش الإسرائيلي في تدمير المباني، لكنه لم يتمكن من إيقاف حماس التي لا تزال باقية بمدينة الأنفاق، وقد عادت إلى حجمها قبل الحرب مع شبان حلّوا محل القتلى. لا يمكن لدولة إسرائيل أن تنجح في تحقيق ولو هدفاً واحداً من أهدافها، لأنها لا تملك القوة البشرية اللازمة. إسرائيل لن تهزم حماس، وقد حان الوقت للاعتراف بأننا خسرنا لأن استمرار القتال لن يحقق النصر، بل على العكس من ذلك، فإن هزيمة إسرائيل ستكون أكثر إيلاماً.”؟!
وبعد عمليات الاغتيال الإجرامية الأخيرة أكّد “بريك” على “أن نتنياهو ومَن حوله في حكومة المتطرفين واليمينيين يُسوِّقون فكرة إن استمرار الحرب هو الأمر الذي سيقضي على حماس، وإن إيقاف الحرب وقبول الصفقة يُشكِّل خطراً مستقبلياً على الإسرائيليين، وهذا محض كذب وخداع. إنه لا يمكن القضاء على حماس حتى لو اغتلتم قيادات، إنسوا كلّ ذلك. والجيش لا يعترف حتى الآن بأنه فشل في هذه المهمة، وما زال يخدع الجمهور، ويقول حتى اليوم: فقط المزيد من الضغط العسكري، بعض الوقت سيؤدّي إلى تحقيق الأهداف، ولكن يجب أن نتذكّر أنه بعد قليل لن يعود لدينا مخطوفين أحياء كي نُعيدهم. ولكي نفهم فإن قتل قيادات في حزب الله وحماس لا يؤدّي إلى نصر، لكلّ منهم يوجد بديل وأحياناً البديل أكثر تطرّفاً من الذي قُمنا باغتياله. وإذا نظرت برؤية قصيرة أو بعيدة المدى لقد خسرنا المعركة وبشكل كبير، وكلّ يوم إضافي في هذه الحرب يزيد من تعب وانهيار إسرائيل، واستمرار الحرب كارثة.”؟!