قبل أيام معدودات ودّع الشعب الفلسطيني والأمة العربية قامة بعثية عروبية من الرعيل المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة “فاروق القدّومي”، وها هو لبنان العروبي يُشيّع اليوم “حكيم لبنان” بلا منازع “سليم الحص” رجل الدولة الذي حفر بصماته على طول رمال لبنان المتحرّكة، القائد الوطني العروبي العابر لشتى الطوائف اللبنانية، محارب الفساد بلا هوادة ولا مهادنة، المقاوم الداعم للمقاومة مصدر قوة لبنان وعزّته، الرافض لمقولة “قوة لبنان في ضعفه”، مهندس “اتفاق الطائف” الذي أنهى الحقبة السوداء من حروب لبنان الأهلية البغيضة..!
لقد صدق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عندما أعلن نبأ وفاته بالقول: “بكل حزن وأسى، أنعي إلى اللبنانيين رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص الذي رحل في أصعب وأدق مرحلة يحتاج فيها لبنان إلى ضميره وحسه الوطني والعروبي والى حكمته ورصانته وحسن إدارته الشأن العام”. مذكّراً أنّ “الكتابة عن الرئيس سليم الحص مهمة صعبة وسهلة في الوقت ذاته. صعبة لأن كل الكلمات لا تفيه حقه، وسهلة لأنه بحر من العطاء في حياته المهنية”، ومعلناً الحداد الرسمي وتنكيس الأعلام لثلاثة أيام على الإدارات والمؤسسات الرسمية والبلديات كافّة، وتعديل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون بما يتوافق مع هذه المناسبة الأليمة.
صحيح أن لبنان بشتى مذاهبه وطوائفه وانتماءاته الوطنية والحزبية سيشيّع جسد دولة الرئيس الدكتور سليم الحص إلى مثواه الأخير، لكنه ترك للبنانيين إرثاً متنوّعاً فريداً عصي على النسيان والتشييع، وهو الذي شغل منصب رئاسة الوزراء خمس مرات، مرتان في عهد الرئيس الياس سركيس ومرة في عهد الرئيس أمين الجميل ومرة في عهد الرئيس الياس الهراوي ومرة في عهد الرئيس اميل لحود. وتولى خمس حقائب وزارية بين الاعوام 1976 و2000 هي حقائب الخارجية والمغتربين، الصناعة والنفط، الاعلام والاقتصاد والتجارة، التربية الوطنية والفنون الجميلة والعمل. وانتخب عضواً في مجلس النواب لدورتين متتاليتين. تاركاً بصماته الفريدة حيثما حلّ وارتحل، بالإضافة إلى عدد ضخم من المؤلّفات القيّمة. فضلاً عن أدواره المتنوّعة كعضو في كل من: عمدة دار الأيتام الإسلامية، مجلس امناء صندوق العون القانوني للفلسطينيين 2003، أمين عام منبر الوحدة الوطنية 2005، رئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لمكافحة الفساد 2005، عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية 2007، عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، عضو مجلس أمناء جامعة المنار في طرابلس (مؤسسة رشيد كرامي للتعليم العالي)..
لعل إجماع كافة القيادات والمراجع السياسية والحزبية والدينية على نعي الفقيد دولة الرئيس الدكتور سليم الحص، وهي التي قلّما تجمع على شيء، لهو خير دليل عن أنه يستحق بجدارة بعد سنوات طويلة من التضحية والعطاء لقب”ضمير لبنان” وولوج “وجدان اللبانيين” من أوسع الأبواب.
إن أسرة تحرير موقعكم ماترويشكا، وهي تنعي للشعب اللبناني والأمتين العربية والإسلامية الفقيد الكبير دولة الرئيس الدكتور سليم الحص، لتعد بأن تسير على دربه ونهجه الوطني والعروبي والإنساني، وتجدد ما تركه هؤلاء العظماء من إرث غني وفريد، فإلى جنات الخلد دولة الدكتور الرئيس، وإننا على العهد باقون ولن نحيد عن مواصلة مشوار التجديد والنهوض والعزّة والكرامة..!