• قرار اعتقال الرئيس بوتين يبدو مسرحية سمجة فاشلة، وهل من عاقل لا يعرف عواقب مثل هذا التصرف تجاه زعيم دولة نووية عظمى!
يلفت النظر بالطبع ظهور موقفين متعارضين بشكل كبير جدا للرئيسين بوتين وزيلينسكي يدفع إلى التساؤل عن حقيقة فحواهما ومدى مطابقتهما على أرض الواقع بالنسبة لمقاطعة كورسك، وذلك عبر إعلانات الرئيسين الروسي بوتين والأوكراني زيلينسكي في وقت متزامن تقريبا حول مصير تلك الأراضي التي احتلتها القوات الأوكرانية داخل مقاطعة كورسك منذ بدايات الشهر الفائت.
المغامرة المضنية
جميع التقديرات كانت ترى أن دحر القوات الأوكرانية من الجَيب الذي احتلته في مقاطعة كورسك سيتم خلال أيام، لكن موسكو كما يبدو ارتأت أن تستفيد من المغامرة الأوكرانية غير المنطقية، فتركت للقوات الأوكرانية أن تتوغل قليلا، ثم أقامت حاجزا منيعا يحول دون تقدمها، وبدأت لعبة ذكية على مبدأ “يداك أوكتا وفوك نفخ” ، فما هي إلا أسابيع قليلة حتى تحولت المناوشات الخفيفة التي قامت بها القوات الروسية ضد القوات الأوكرانية في البداية إلى جحيم حقيقي للقوات الأوكرانية والقوات الأجنبية الرديفة التي كانت تساندها تحت غطاء متطوعين أجانب “مرتزقة” وبأعداد كبيرة، وباتت هذه القوات عمليا في مصيدة القصف المدفعي والصاروخي والجوي، ويكفي أن نشير إلى أن مجموع خسائر القوات الأوكرانية على محور كورسك باتت خلال الشهر المنصرم أكثر من أحد عشر ألفا ومئتي عسكري أوكراني ومرتزق، ناهيك عن الخسائر في المعدات والأسلحة وبينها الكثير من الأسلحة الغربية، حيث تم تدمير 87 دبابة و 42 مركبة مشاة قتالية و 74 ناقلة جند مدرعة وغيرها، ما يعني أن هذه الجيب الذي احتلته أوكرانيا غدا مصيدة حقيقية، طيلة الشهر المنصرم، ولكنه بدأ يفقد أهميته لعدم تحرك العسكريين الأوكرانيين فيه، والذين تحصنوا جيدا وباتوا ينتظرون أية فرصة للتوسع، مما حدا بالقيادة الروسية للتفكير الجدي بالبدء بدحر هذه القوات.
الإعلانان المتناقضان
فقد أعلن الرئيس الروسي بوتين أن القوات المسلحة الروسية بدأت بطرد القوات الأوكرانية من أراضي مقاطعة كورسك، ونوه في كلمة ألقاها قبل أيام في منتدى الشرق الاقتصادي بمدينة فلادي فوستوك أن عملية طرد القوات الأوكرانية ستجري بشكل تدريجي، وأن هذا التوغل الأوكراني لم يحقق أيا من أهدافه في إبطاء تقدم القوات الروسية في دونباس بل على العكس من ذلك أضعفت الدفاعات الأوكرانية، وأتاحت تسريع التقدم الروسي شرقي أوكرانيا، ويقصد بالعمليات التدريجية لدحر القوات الأوكرانية من كورسك أن يتم أولا دكُّ التحصينات وعدم التهور في الهجوم حفاظا على أرواح الجنود الروس، وإذ تقول القوات الأوكرانية أنها صدت الهجمات الروسية فهذا يؤكد أن معارك دحر القوات الأوكرانية قد بدأت فعليا، ومن البديهي أن تكون معارك ضارية، وقبل أيام، قال قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي إن أحد أهداف عملية كورسك كان تحويل القوات الروسية من مناطق أخرى، وخاصة شرق أوكرانيا، لكن الملفت للنظر هو أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي أعلن في مقابلة مع شبكة “إن بي سي” الأمريكية أنه سيحتفظ بالأراضي الروسية التي سيطرت عليها قواته في كورسك باعتبارها جزءا من خطة النصر وإنهاء الحرب حسب ما ورد في تصريحه.
كييف غاضبة من عدم اعتقال بوتين
يبدو أن زيلينسكي نفسه استعد نفسيا لحدث هائل توقعه هو واهما، وتخيل أن منغوليا ستعتقل الرئيس بوتن كونها عضوا في المحكمة الدولية، ولهذا ثارت حفيظة كييف حين استقبلت منغوليا الرئيس الروسي بحفاوة واضحة، ورافق حرس الشرف المتحرك موكبه على الدراجات النارية، فعن أي اعتقال يمكن أن يجري الحديث ووضع منغوليا الجغرافي والاقتصادي مرهون تماما بروسيا، فقد أعلن الممثل الرسمي للخارجية الأوكرانية غيورغي تيخي أن رفض منغوليا اعتقال الرئيس الروسي بوتن بناء على مذكرة المحكمة الجنائية الدولية هو ضربة موجهة للعدالة، وهدد منغوليا بالعواقب الوخيمة.. طبعا كان واضحا منذ البداية أن قرار اعتقال الرئيس بوتين يبدو مسرحية سمجة فاشلة، فمن يمكن أن يفكر حتى مجرد تفكير بعواقب مثل هذا التصرف تجاه زعيم دولة نووية عظمى.
هذا الأمر استدعى ردا من وزير الخارجية الروسية لافروف الذي وصف تصريحات المسؤولين الأوكرانيين حول زيارة الرئيس إلى “أولان باتور ” وكذلك لقاءه مع الرئيس الهندي بأنها تصريحات وقحة، وأوضح أن زيلينسكي اعتبر زيارة الزعيم الهندي مودي إلى موسكو ولقاءه بالرئيس بوتين ضربة قاتلة لجهود التسوية، وأضاف لافروف أن مودي بعد ذلك زار كييف والتقى بزيلينسكي وربما نصحه بأن الأشخاص المحترمين لا يتصرفون بهذه الطريقة، ونوه بأنه على أقل تقدير يتمنى أن يكون مودي قد فعل ذلك، وذكَّر لافروف بالمعايير المزدوجة الصارخة في مواقف المحكمة الدولية التي رغبت في وضع القيادة الإسرائيلية على قائمة المطلوبين، لكنها تخلت عن هذه الفكرة نتيجة الضغوط الغربية، وكان الناطق الرسمي باسم الكرملين دمتري بيسكوف قد أعلن أن إثارة قضية اعتقال الرئيس الروسي أمر غير مقبول، وأن موسكو لا تعترف أساسا بالمحكمة الدولية وتعتبر جميع قراراتها باطلة من وجهة نظر القانون الدولي.
نشير أخيرا إلى أن دولا عديدة يشكل سكانها أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية لا تعترف بالمحكمة الدولية بما في ذلك روسيا والصين والهند وإندونيسا ومصر وتركيا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.