الهدف المقبل للمستوطنين: مصدر المياه الأهم في غور الأردن
“هناك خشية حقيقية من أن تؤدي إقامة البؤر والمزارع إلى تصاعُد الاحتكاكات، ليجد الفلسطينيون أنفسهم أمام عنف متزايد، في حين لا يوفر الجيش الإسرائيلي لهم أيّ حماية، على الرغم من مسؤوليته الأساسية كقوة حاكمة“؟!
كتبت “تسفرير رينات” يوم 11/9 الجاري في “هآرتس” مقالاً بالعنوان أعلاه بدأته: ” بات التطهير العرقي للفلسطينيين الذي يمارسه المستوطنون في الأراضي المحتلة، مؤخراً، يهدد بالوصول إلى مصدر يُعدّ حيوياً بالنسبة إلى آلاف الفلسطينيين في غور الأردن. إنه عين العوجا، وهي مصدر المياه الأكبر والأهم للتجمعات السكانية في شمالي أريحا. يعرف الزوار هذا المكان بسبب قناة المياه، التي يمكنهم التزحلق فيها. وحتى وقت قريب، زار عدد من الإسرائيليين الموقع، لكنهم لم يحاولوا السيطرة عليه، أو مضايقة سكانه. بيْد إن الوضع تغيّر في الأشهر الأخيرة الماضية. تعتمد قناة مياه العوجا على نبع في محمية (وادي يتب الطبيعي) الاسم الذي أطلقه الاحتلال على منطقة وادي العوجا. تُستخدم مياه عين العوجا للريّ في البلدات المجاورة، بما في ذلك رأس العين والمعرجات، التي تقطنها مجتمعات من الرعاة، وتصل المياه إلى عدد من القرى الكبيرة في المنطقة. تم بناء القناة المصنوعة من الأسمنت في القرن الماضي، وهو ما أتاح نظاماً لتوزيع المياه بين المجتمعات المحلية. وتوجد في العوجا أيضاً أراضٍ زراعية اشترتها عائلات فلسطينية ثرية ذات نفوذ اجتماعي واقتصادي، قبل حرب 1967″.
ويستطرد مفصّلاً: “استمرت السيطرة الممنهجة، التي مارسها المستوطنون على المنطقة، مدّة عقدين تقريباً. فبدأ النشاط الاستيطاني ببؤر استيطانية رعوية تطورت إلى بؤر ضخمة تقع بين القرى في المنطقة. وجرى إنشاء بؤرة استيطانية رعوية إضافية فيما بعد، الأمر الذي دفع بالفلسطينيين بعيداً عن مناطق الرعي. في الأشهر الأخيرة، كثّف المستوطنون وجودهم. وأنشأوا بؤرة استيطانية جديدة بالقرب من قناة المياه، وبدأوا بتهديد الفلسطينيين والتحرش بهم، وتركزت تحركاتهم على محاولات تعطيل قدرة السكان على استخدام مياه القناة. ولإظهار سيطرتهم على المكان، قام المستوطنون بطلاء جدران القناة بألوان العلم الإسرائيلي. لقد استولى المستوطنون فعلياً على عشرات الينابيع في الأراضي المحتلة، لكن هذا الينبوع هو أكبرها. توجد مجموعة من الناشطين تسمى (نحدّق في عيون الاحتلال)، وهي موجودة في المكان بانتظام، وتتابع الأحداث. ومثلما هي الحال في أماكن أُخرى في غور الأردن وجنوبي الخليل، يمارس أفراد المجموعة ما يمكن أن نطلق عليه اسم (الحضور الحامي). وتقريباً، يمكن القول إن هناك دائماَ ناشطاً إسرائيلياً موجوداً مع السكان الفلسطينيين في أيّ لحظة، ويساعدهم في مواجهة التهديدات المستمرة من المستوطنين. في الأشهر الأخيرة، جرى توثيق حالات تخريب لخطوط المياه، ومحاولات منع الفلسطينيين من ضخّ المياه، والاعتداء الجسدي عليهم. وفي إحدى الحالات، ثقب هؤلاء إطارات عربة جرار كانت تنقل خزان مياه. وفي الأسبوع الماضي، تم العثور على جزء من القناة مدمراً، حيث وُضعت حجارة في داخلها، وهو ما أدى إلى تعطيل تدفّق المياه”.
ويتابع: “من الصعب توثيق المعتدين في أثناء اعتداءاتهم، لكن هذا النمط من التخريب لم يحدث قبل إنشاء البؤر الاستيطانية. يجوب شباب المستوطنات المنطقة، ويتركون جمالهم ترعى في الأراضي القريبة من التجمعات الفلسطينية. يحافظ سكان البؤر الاستيطانية القريبة من قناة المياه دائماً على وجود تهديدي للفلسطينيين. في الأسبوع الماضي، زار ناشطون حقوقيون القناة، لكن أحد مؤسسي البؤر الاستيطانية حضر إلى المكان على ظهر حصان من دون أن ينطق بكلمة، وبدأ بتوثيق تحركاتهم بهاتفه المحمول، وباستدعاء زملائه. توسّعت الاعتداءات أيضاً لتشمل المحمية الطبيعية، وهي موئل طبيعي لسكان هذه المنطقة من الفلسطينيين، أطلقت عليها الإدارة المدنية اسم (محمية طبيعية) لمنع السكان من الإقامة بها، إذ حاول المستوطنون إبعاد الزوار الفلسطينيين عن المحمية عدة مرات. لم يتجرأ هؤلاء على المقاومة لأنهم يدركون جيداً أنه في حال حدوث أيّ ردّ عنيف من الفلسطينيين، لن تحضر الشرطة، أو الجنود، لمساعدتهم. يواصل سكان البؤر الاستيطانية والبؤر الرعوية توسيع نفوذهم في المنطقة بإدخال قطعانهم إلى الأراضي التي يستخدمها الفلسطينيون. فقبل بضعة أشهر، ادّعى أحد أصحاب المزارع من المستوطنين أن الفلسطينيين هاجموه، وسرقوا أغناماً من قطيعه. اعتقلت الشرطة فلسطينياً بشبهة السرقة والاعتداء. وبعد جلسة تمديد اعتقاله التي عُقدت قبل شهرين ونصف الشهر في محكمة عسكرية، كتب القاضي، العقيد عزرائيل ليفي: (لا يوجد خلاف على أن جريمة السرقة لم تثبت. والأدلة المتعلقة بالاعتداء غير موجودة، إلّا في شهادة (الشخص المدّعي). وأمر القاضي بالإفراج عن المشتبه فيه”.
وخلص المقال بالقول: “حتى الآن، نجح الحضور الوقائي لناشطي (نحدّق في عيون الاحتلال) في كبح جماح المستوطنين، إلى حد ما. أمّا في المدى الطويل، فهناك خشية حقيقية من أن تؤدي إقامة البؤر والمزارع إلى تصاعُد الاحتكاكات، ليجد الفلسطينيون أنفسهم أمام عنف متزايد، في حين لا يوفر الجيش الإسرائيلي لهم أيّ حماية، على الرغم من مسؤوليته الأساسية كقوة حاكمة. حصلت هذه البؤر الاستيطانية على دعم من تصريحات الوزير بتسلئيل سموتريتش ووزيرة حماية البيئة، عيديت سيلمان، بعد هجوم إطلاق نار وقع في المنطقة قبل نصف عام. زار الوزيران منطقة العوجا، وأعلنا نيتهما توسيع المحمية الطبيعية، وتحدثا أيضاً عن تثبيت الحقائق على الأرض من خلال البناء والاستيطان”.