المجتمع العربي تُرِكَ وحيدًا في معركته ضد الجريمة المُستفحِلة
” يبقى الجمهور بين المطرقة والسندان ـ بين حكومة لا يهمّها الدم العربي وشرطة فاشلة، من جهة، وبين منظمات إجرامية انتقلت إلى مرحلة قطع الرؤوس، من جهة ثانية“؟!
كتب “ضياء حاج يحيى” يوم 15/9 الجاري في “هآرتس” مقالاً بالعنوان أعلاه بدأته: ” أصبحت ساحات القتل مشهدًا روتينيًا فيما تُنبِئ العناوين، يوميًا، بسقوط ضحايا جُدد إضافيين. أصبح إطلاق النار من الأسلحة الأوتوماتيكية وزرع العبوات الناسفة اليوم جزءًا من روتين الحياة اليومية في المجتمع العربي. الدماء التي تُراق في الشوارع تولّد شعورًا باليأس. الألم يخنق السكان، الذين لم يعودوا قادرين على التعبير عن مخاوفهم. في السابق، كان الناس يتحدثون يشاركون ويحتجّون. أما اليوم، فالصمت هو السائد. لا ينبع الخوف من الجريمة فحسب، بل من الفهم أيضًا أنّ الوضع سوف يزداد سوءًا. إن تطبيع العنف لا يقل خطورة عن الجريمة نفسها، وربما يقود إلى الشعور بالعجز المطلق. منذ بداية السنة الجارية، قُتل في المجتمع العربي نحو 170 شخصًا، من ضمنهم نساء وأطفال. أصبحت منظمات الإجرام تهيمن على الشوارع وقسوتها تتصاعد. ولا تفلح الشرطة في تقديم ولو حتى 10 بالمائة من القَتَلة، مقابل أكثر من 80 بالمائة في المجتمع اليهودي. ويخلق عدم تطبيق القانون دورة من اليأس وانعدام الثقة العميق بينما تقوم الحكومة الحالية بتعميق الأزمة، ليس إلا. ويشعر السكان، الذين بقوا وحيدين، بأنّه ينبغي عليهم ليس فقط محاربة الجريمة، ولكن أيضًا مشاعر الخوف، اليأس والتخلي الحكومي عنهم”.
وأضاف: “إلى جانب التوتر الأمني، توضح الجريمة المتفشّية للسكان أن حلمهم في العيش بأمن وأمان قد أصبح مستحيلَ التحقق. ووفقًا لمعهد الأبحاث في مركز روبين الأكاديمي، فمنذ 7 تشرين الأول تضاعف، مرّتين، عدد المواطنين العرب الذين يدرسون إمكانية الهجرة من البلاد ـ من 7 بالمائة إلى 14 بالمائة. وقد حصل هذا الارتفاع في عهد الوزير المسؤول عن أمن المواطنين، إيتمار بن غفير، إلا أنه يواصل توزيع الاتهامات على الجميع، باستثناء نفسه هو. في الماضي، حين كان الخوف لا يزال في بداياته ولم يكن اليأس قد تعمّق إلى هذا الحدّ (حتى ما قبل ست سنوات)، خرج السكان إلى الشوارع بجماهيرهم، أغلقوا الشوارع، نظموا مسيرات، رفعوا يافطات، تظاهروا في كل مكان، ناضلوا من أجل التغيير وطالبوا بالمساواة في الحقوق وفي الأمن. أما اليوم، فقد توقف كثيرون عن المشاركة في المظاهرات بسبب اليأس وانعدام الثقة العميق بأن الوضع يمكن أن يتغير”.
وتساءل: “لماذا الخروج للتظاهر وتعريض حيواتنا للخطر بينما نعلم أننا سنبقى في النهاية في حالة العجز ذاتها؟ لماذا الخروج للتظاهر بينما تمارس الشرطة المزيد والمزيد من القمع ضدنا؟ يتساءلون. وحتى حين يرغبون في رفع صوتهم، يجدون أنفسهم في مواجهة عناصر الشرطة المسلحين بالقنابل الصوتية، بقنابل الغاز المسيل للدموع وبالهراوات، على أهبة الاستعداد للضرب والإسكات وقمع الحق في الأمن. هذا الحق الذي يُفترَض بالشرطة أن تحميه. هنا أيضًا، يبدو واضحًا أن اليد القاسية لا تُستخدَم لاجتثاث الجريمة وإنما من أجل ردع من يحاول تغيير الوضع. تتحمل الشرطة مسؤولية واضحة وكاملة. وجوب الإثبات (واجب تقديم البيّنة) ملقى عليها هي، فيما تشهد الأرقام على فشلها. غير أنّ إلقاء اللوم على الشرطة وحدها هو بمثابة هروب من الواقع المركَّب. ذلك أن مشكلة الجريمة والإجرام المنظم في المجتمع العربي يجب أن تكون مشروعًا حكوميًا كبيرًا لا يتطلب مشاركة الشرطة وقوات الأمن فقط، بل أيضًا التعليم، الرعاية الاجتماعية، البناء والإسكان ومشاركة المجتمع العربي نفسه. مكافحة الجريمة تبدأ بردع المجرمين، بالاستثمار في التعليم، في الرعاية الاجتماعية وفي رعاية الشباب الذين يظلّون شفافين، غير مرئيين”.
وختم بالقول: “إلى جانب الإحباط تجاه الحكومة والشرطة، ينبع الشعور بخيبة الأمل، أيضًا، من عدم مشاركين السياسيين العرب، إذ لا يستطيع مُنتَخبو الجمهور قيادة النشاط، ولا يقدر كثيرون منهم على إثارة الجمهور واستنهاضه، لا يقفون بحزم وقوة ضد الجريمة، وقلائل منهم فقط يتحدثون عن الحاجة إلى إجراء تغيير جذري عميق. وهكذا، يبقى الجمهور بين المطرقة والسندان ـ بين حكومة لا يهمّها الدم العربي وشرطة فاشلة، من جهة، وبين منظمات إجرامية انتقلت إلى مرحلة قطع الرؤوس، من جهة ثانية”.