عندما يقصف “الكيان” بأحدث الطائرات الحربية الأمريكية طرطوس السورية، حيث تتواجد القاعدة البحرية الروسية، فهذا يعبّر عن مدى حنقه ومشغّليه من الموقف الروسي، وكذا الرؤية الاستراتيجية الغربية بالربط العضوي والمنطقي بين ساحتي صراعه المحتدم مع روسيا في أوكرانيا والشرق الأوسط، وهو أمر معقول ومتوقّع.. ولكن عندما تهرع بريطانيا لتعلن إرسال نحو 700 جندي بريطاني لتدعيم قاعدتها العسكرية في قبرص،وما خفي أعظم، كجزء من خطط الطواريء في أعقاب التصعيد المستعر بين هذا “الكيان” ولبنان، بحسب زعمها، فهذا ليس له سوى تفسير واحد، أن العجوز البريطانية “أم الصبي” باتت تشعر بالخطر الوجودي المحدق بصبيّها اللقيط، وعجزه المتعاظم الذي بدأ يتمظهر بجلاء عن قدراته المتآكلة في لعب الدور الموكل له وغاية وجوده بكونه “أزعر الحي”. أمّا لماذا الآن، وماذا استجد لهذه العجوز، وكيف ستتصرّف قبرص تجاه إقحامها في صراع ليس لها فيه ناقة ولا جمل ولا “حماراً قبرصيّاً” حتى، فهنا يكمن بيت القصيد؟!
بداية لا بدّ من زفّ البشارة للشعب المصري العظيم المتلهّف انتظاراً لتحقيق حلم الزعيم “جمال عبد الناصر” بدك ” صواريخه “القاهر” و “الظافر” لتل أبيب، “تل الربيع اليافاوية”، ها هو قد تحقق بعد طول انتظار، حيث تقوم صواريخ المقاومة الإسلامية بالواجب وزيادة. كما ونزفّ للشعب العراقي البطل، بان ما بدأه قائده الشهيد “صدّام حسين”، وحالت الظروف القاهرة دون استكماله، ها هو يأتي اليوم الذي يتسابق فيه مَن يواصل مشواره بذات الشجاعة والجسارة، مستحقّاً بجدارة وصف خير خلف لخير سلف.
من الطبيعي أن يفرض “الكيان” تعتيماً غير مسبوق على نتائج ما يتعرّض له من أضرار، ويضرب ستاراً حديديا لا مثيل له حول الأماكن المستهدفة، وينصاع الإعلام الغربي “الحر” لذلك. مثلما من البديهي أن يبالغ لأول مرة في تاريخه باختلاق إنجازات وهمية لما يلحقه بالطرف المقابل، لدرجة لم يعد لدى إعلامه وقادته العسكريين إمكانية تصديقها وتسويقها حتى لجمهورهم المذهول مما يشاهده من حقائق داحضة ومعاكسة على الأرض. كما أن من المفهوم أن تواصل واشنطن ومعها عواصم الغرب الاستعماري، وخصوصاً في لندن وباريس وبرلين وغيرها، موالاة ودعم وكيلهم الحصري في مغامراته وقراراته العبثية، وهم الذين باتوا يدركون يوماً بعد يوم التهديد الوجودي لمثل هذه المغامرات والقرارات الرعناء على كيانهم المصطنع، بل ويربطون مصيرهم في المنطقة العربية والشرق أوسطية بمصيره الآيل للسقوط، لكن هذا هو ديدن المستكبرين والمتغطرسين عبر التاريخ قديمه وحديثه.
ورغم تصريحاتهم المكررة عن رغبتهم في وقف النار، وسعيهم لعدم توسيع الصراع وذهابه المتسارع نحو حرب أقليمية مفتوحة، وعدم الرغبة في الانجرار لذلك، وهم يدركون يقيناً سعي نتنياهو وعصابته الحاكمة الحثيث لتوريطهم واستدراجهم لذلك بشتى السبل.. إلّا أنهم لا يتورّعون عن إرسال ترساناتهم العسكرية البحرية والبرية والجويّة لساحة الصراع، بل ويُسخّرون أحدث اختراعاتهم وتقنياتهم التكنولوجية الحربية، بل وقواعدهم العسكرية الجاثمة على صدور الكثير من دول المنطقة، لخدمة ودعم تلك العصابة الهوجاء، وبناء أوسع تحالف ممكن لتعزيز مساعيهم، غير آبهين بسمعتهم المهترئة وشراكتهم الجليّة في حرب الإبادة والمجازر والجرائم الموصوفة، ولا حتى بانتهاكاتهم المتعمّدة لميثاق الأمم المتحدة وشتى القوانين الدولية والإنسانية ذات الصلة، والتي يتغنّون بحرصهم عليها، بل ويطالبون الآخرين بالانصياع لها، ويخترعون أقصى العقوبات بدعاوي انتهاكها.
ولعل إغلاق مطار اللد، وتأجيل نتنياهو لسفره لنيويورك محمّلاً بأبشع الفبركات والأكاذيب لرميها في وجوه مندوبي العالم في الأمم المتحدة لفرض تصديقها كالمعتاد، واضطرار طائراته الحربية لاستخدام القواعد العسكرية البريطانية في قبرص، وربّما البحرية كذلك، وبموافقة ودعم حكومة “أم الصبي”، يدلّل بما لا يدع مجالاً للشك، على دقة وحجم ما أصاب مطارات “الكيان” الحربية وسلاح بحريته من تأثير مدمّر، وهو الذي يمثّل له سلاح الجو “العمود الفقري” الحاسم لكافة حروبه الخاطفة السابقة.. مثلما يشير إلى مشاركة “الأصيل” في مغامرات “الوكيل” بصورة مباشرة، رغم كل نفيهم الكاذب لذلك، تماماً كما فعل في حروب الخليج الفائتة، وهو ما يعكس عدم الثقة بقدرات الوكيل على الحسم بعد كل ما قدّموه له من دعم سياسي وعسكري واستخباراتي وتقتي لا نظير له في التاريخ.
ويبقى أن على قبرص واليونان وتركيا وبعض الدول العربية حيث تتواجد قواعد الغرب ومطاراته العسكرية أن تختار بين الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ الذي لا يُنسى أو يرحم أحداً.